إن المياه التي تصب في رمال الأحقاف الممتدة من اليمن غربا إلى الحدود اليمنية العمانية بطول سبعمائة كيلومتر لا تكاد تستقر فيها بل تجري باتجاه الشرق بسبب ميلانها الكبير فهي تبدأ بارتفاع ألف ومائة متر وتنتهي بارتفاع مئتين وخمسين متر. أما الجزء الذي يمتد من الحدود اليمنية العمانية إلى نهايتها في الإمارات مرورا بالسعودية بطول خمسمائة كيلومتر فإن ميلانها منخفض جدا حيث تبدأ بمئتين وخمسين مترا وتنتهي بمائة متر ولذلك فإن المياه الجوفية تتجمع بشكل كبير تحت رمال الصحراء وتسير ببطء باتجاه واحة ليوا الاماراتية. ومن الواضح من الصورة التالية أن المكان الأكثر احتمالا لمساكن قوم عاد هي الأحقاف الموجودة في المنطقة العمانية وذلك لأسباب كثيرة. أولها أن هذه المنطقة تغذى بالمياه من واديين عظيمين (باللون الأبيض) تمتد تفرعاتها النهائية على مدى مائتي كيلومتر من جبال حضرموت وعمان كما واضح من صورة جوجل إيرث التالية.
وثانيها أن المياه التي تجمعها الأحقاف الموجودة في الجزء اليمني تصب في النهاية في هذه المنطقة بسبب ميلانها الكبير كما ذكرنا سابقا.
أما ثالثها فهي اتساع منطقة الأحقاف في هذا الجزء منها وكذلك سهولة المنطقة الجبلية المحيطة بها مما يسهل من بناء المدن والقرى حول الأحقاف بينما يتم إنشاء المزارع فيما بين الكثبان الرملية التي تحتفظ بالمياه على شكل مياه جوفية كما هو الحال في واحة ليوا الإماراتية كما هو واضح من الصور السابقة.
وإلى جانب هذه الأسباب فإن المكتشفات الأثرية في هذه المنطقة تؤكد على أن هذه المنطقة هي المنطقة المحتملة لوجود مدينة إرم ذات العماد والتي وصفها القرآن الكريم بأنها لم يخلق مثلها في البلاد من حيث عظم وجمال أبنيتها وذلك في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (" الفجر. ومما يؤكد على صحة فرضية وجود مدينة إرم في هذه المنطقة هو المصير الذي آلت إليه هذه المدينة والطريقة التي حل بها عذاب الله بالقوم الذين كانوا يسكنونها كما ورد ذلك في القرآن الكريم.
فقد جاء في القرآن الكريم أن قوم عاد قد أهلكوا بالريح والتي وصفها الله بأوصاف مختلفة ومخيفة تبين مدى العذاب الذي حملته لقوم عاد كما في قوله تعالى "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيةٍ (" الحاقة وقوله تعالى "كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)" القمر وقوله تعالى "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)" فصلت وقوله تعالى "وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)" الذاريات. إن هذه الآيات تحدد صفات الريح التي أرسلت إلى عاد فهي أولا ريح صرصر أي ريح باردة جدا ولهذا فلا بد أنها كانت قادمة من الشمال مما يعني أنها ستمر على صحراء الربع الخالي المفتوحة ذات الرمال الناعمة. وهي ثانيا ريح عاتية أي أن سرعتها بالغة العلو قد تصل لعدة مئات من الكيلومترات في الساعة وهي ذات قوة تدميرية عالية بحيث أنها تنزع الناس والحيوانات والأشجار وتطير بهم في الهواء كما نرى في الأعاصير المدمرة التي تضرب مناطق كثيرة من العالم فتحدث تدميرا كبيرا فيها.
ومن الواضح من الآيات أن هذه الريح كانت عاصفة رملية ضخمة (أنظر صورة العاصفة الرملية التالية)
تحمل كميات كبيرة من رمال الربع الخالي فأمطرتها على مدينة إرم التي تقع على حافة الأحقاف بعد أن اصطدمت بسلسلة الجبال التي تقع خلف مدينة إرم. لقد دفنت رمال العاصفة جميع مزارع عاد التي تقع بين الكثبان ومعظم المدينة كذلك والتي لم يظهر منها في ذلك الحين إلا الأجزاء العليا من مساكنهم والتي دفنت بشكل نهائي مع مرور آلاف السنين مصداقا لقوله تعالى "تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)" الأحقاف. ويمكنك تخيل ما حل بمدينة إرم وواحاتها المنتشرة بين الأحقاف جراء العاصفة الرملية إذا ما تفكرت في مصير الواحة الظاهرة في الصورة العليا والمحاطة بالكثبان الرملية من كل جهة إذا ما تعرضت لعاصفة رملية مماثلة (لا سمح الله). أما الصفة الأخيرة والعجيبة لهذه الريح فهي مدة هبوبها حيث استمرت بالهبوب لمدة سبع ليال وثمانية أيام متواصلة دون انقطاع أي ما يساوي مائة وثمانون ساعة وعند الرجوع لما يقوله العلماء عن أطول مدة لبقاء العواصف وجدت أنها مائتي ساعة فسبحان القائل "فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)" الأعراف.
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]