الجواب
الحمد لله
أولا
:
الجزء الأول من هذا الحديث وهو قوله : ( إني والإنس والجن في نبأ
عظيم ، أخلق ويُعبد غيري ، أرزق ويُشكر سواي ) من الأحاديث
القدسية الضعيفة المشهورة ، والأحاديث القدسية من أكثر الأبواب التي دخل فيها الضعيف والمكذوب .
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (2/93)، ومن طريقه ابن عساكر
في " تاريخ دمشق " (17/77) وعبد الغني المقدسي في " التوحيد " (108) - ، وأخرجه
الحاكم في " تاريخ نيسابور " – كما عزاه إليه في " الدر المنثور " (7/625) - وأخرجه
أيضاً البيهقي في " شعب الإيمان " (4/134)، والديلمي في " الفردوس " (3/166)
كلهم من طريق بقية بن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن
بن جبير بن نفير ، وشريح بن عبيد الحضرميان ، عن أبي الدرداء
.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله
:
" ضعيف .... منقطع ، فإن عبد الرحمن بن جبير ، وشريح بن عبيد لم
يدركا أبا الدرداء ، فعلة الحديث الانقطاع "
انتهى.
" ا
لسلسلة الضعيفة " (رقم/2371)، وضعفه السيوطي في "
الجامع الصغير "، والمناوي في شرحه " فيض القدير "
(4/469).
ومع ذلك فمعنى الحديث صحيح مقبول ، وليس فيه ما ينكر
، إلا أنه
لا تجوز نسبته للنبي .
يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله
:
" معناه صحيح ، أن الله يخلق ويعبد سواه ، الله خلق المشركين
وعبدوا سواه ، والله يرزق ويشكر سواه ، هذا واقع "
انتهى.
ثانيا :
أما الجزء الثاني وهو قوله
: ( خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ صاعد ، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم
! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ )
فهو حديث موضوع مكذوب وإن كان معناه مقبول أيضا
:
جاء في "
السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/3287) للشيخ الألباني رحمه
الله :
" ( يقول الله تعالى : يا ابن آدم ! ما تنصفني ،
أتحبب إليك بالنعم ، وتتمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي ، خيري إليك منزل ، وشرك إليَّ صاعد
، ولا يزال ملك كريم يأتيني عند كل يوم وليلة بعمل قبيح ! يا ابن آدم ! لو سمعت
وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف ؛ لسارعت إلى مقته )
موضوع . أخرجه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/ 4) ، والديلمي (4/
257-زهر الفردوس) من طريق داود بن سليمان الغازي : حدثني علي بن موسى الرضا .. (قلت
: فساق إسناده عن آبائه عن علي
) قال : قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم : ... فذكره .
قلت – أي الشيخ الألباني -
: وهذا موضوع ؛ آفته الغازي هذا ، وهو
شيخ كذاب كما تقدم مراراً .
لكن تابعه أحمد بن علي بن مهدي الرقي : حدثنا أبي : حدثنا علي بن
موسى الرضا به .
أخرجه الديلمي ، وكذا نظيف المصري في "الفوائد"
(ق106/ 2) ، ومن طريقه أبو نصر الغازي في "جزء من الأمالي" (ق78/ 1) وزاد
:
( تفعل الكبائر أو ترتكب الكبائر ثم تتوب إلي فأقبلك إذا خلصت نيتك
، وأصفح عما مضى من ذنوبك ، وأدخلك جنتي وأجعلك في جواري ، سوءة (!) لإقامتك على
قبيح فعالك )
لكن الرقي هذا وأبوه لم أعرفهما ، ولعل أحدهما سرقه
من الغازي ؛ فإن لوائح الوضع والصنع على الحديث ظاهرة " انتهى كلام الشيخ الألباني
رحمه الله .
والحديث أخرجه أيضا ابن عساكر في " معجم الشيوخ "
(رقم/1270) من الطريق الأولى الموضوعة ، ويروى في كتب أخرى من نقل وهب بن منبه عن
الكتب السابقة ، وهو بذلك أشبه .
ثالثا
:
أما الجزء الثالث من الحديث المذكور ، وهو قوله :
( أهل ذكري أهل مجالستي ، من أراد أن يُجالسني فليذكرني . أهل
طاعتي أهل محبتي . أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم ،
وإن أبَوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب ، من أتاني منهم
تائباً تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، أقول له : أين تذهب ؟ ألك
رب سواي !)
فلم نجده مسندا ولا مأثورا في كتب أهل العلم ، وأقدم
من رأيناه ذكره هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (14/319)
حيث قال :
" وقد جاء فى بعض الأحاديث :
( يقول الله تعالى : أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي
، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم
، أي محبهم ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ،
أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب )
وذكر تكملته ابن القيم رحمه
الله في " مدارج السالكين " (1/194) من غير عزو لكتاب
.
رابعا :
أما الجزء الأخير من الحديث ، وهو قوله : ( الحسنة
عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة عندي بمثلها وأعفو ، وعزتي وجلالي لو استغفروني
منها لغفرتها لهم )
فقد صح نحوه عن النبي فيما جاء عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ ) رواه مسلم (2687) .
وبالجملة ، فالحديث ـ بهذا السياق ـ ليس له أصل عن النبي ، وإن كان بعض جمله
قد روي مفرقا ، كما ذكرنا في الجواب .
والله أعلم
.
الإسلام سؤال وجواب