فتح المدارس والمستشفيات في بلاد الإسلام
لقد فكر أعداء الله تعالى
فيما يتوصلون به إلى إضلال المسلمين ، ويكسبون به قلوبهم وأبدانهم ،
ويغيرون به أديانهم ، فبذلوا كل جهد في التهويد والتنصير ، والإخراج من
المعتقد السليم ، والدين القويم ، بعد أن رأوا قوة المسلمين وانتصارهم ،
وفتحهم البلاد بعد فتحهم القلوب ، ورأوا أن الدين الصحيح والعقيدة السلفية
لا يقوم أمامها قائم ، ولا يستطيع مقاومتها ذو قوة وبأس ومنعة ، فلم يجدوا
سوى الغزو الفكري ، والسعي في الصد عن الصراط السوي ، فبذلوا كل ما
يستطيعونه من قوة ، وأعملوا كل حيلة ووسيلة ، وكان من بين ما فكروا فيه ،
ونجحوا في تفكيرهم ، هو فتح المدارس التبشيرية كما يعبرون ، فأسسوا الكثير
من تلك المدارس في بلاد يدين أهلها بالإسلام ، سيما بين الدول الفقيرة التي
تعوزها النفقة ، ويهم أحدهم تحصيل القوت الضروري ، فانتهز أولئك المنصرون
الفرص في حينها ، وعرضوا عليهم أن يبنوا لهم مدارس ومستشفيات ، ودور تعليم ،
وخدعوهم بأن ذلك للرفق بهم والرحمة والإنسانية ، وقاسموهم أنهم لهم ناصحون
، ليعلموا أولادهم ، ويعالجوا مرضاهم ، فصدقهم أولئك الأهالي ، فبادروا
وانتهزوا الفرصة ، ولم يهمهم ما بذلوا من الأموال الطائلة في إنشاء المدارس
والمعاهد والجامعات ، وما أولوهم من العناية والتربية والتعليم والعلاج ،
هذه حيلة النصارى ، ومثلهم الرافضة الذين يدعون الإسلام وهم بعيدون منه ،
فقد اشتهر عنهم غزوهم لأغلب البلاد الإسلامية التي يدين أهلها بالسنة ؛
ليصرفوهم إلى عقيدة الرفض والتشيع ، فيؤسسون عندهم ما يحتاجونه من المدارس
والمرافق ، ويبذلون لهم المنح الدراسية ، ويحرصون على استقدام أفواج الطلاب
من مختلف البلاد الإسلامية التي تدين بعقيدة أهل السنة ؛ ليتولوا تعليمهم
كما يشاءون فيزينون لهم معتقد التشيع الزائغ ، ويوهمونهم صحة ما هم عليه ،
وهكذا يفعل كل من كان على نحلة أو اعتقاد- ولو اتضح خطؤه- في الدعوة إلى
أديانهم ، وعدم المبالاة بما يصرفونه على تأسيس تلك المدارس ودور التعليم ،
ولا يهمهم ما أنفقوه على التلاميذ ، وما أعطوه لهم من قليل المال وكثيره ؛
ليكون ذلك حافزا لأولئك الجهلة على الانضواء تحت رعايتهم ، والتهافت إلى
مدارسهم ودور تعليمهم ، والتلقي عن أساتذتهم ؛ لكون التعليم مجانا ، باسم
التعليم والتثقيف ، وإزالة الجهل ، مع ما يبذلون للطلاب ويغرونهم به من
المرتبات والجوائز ، والأطعمة المجانية ، والكسوة وإنفاق كل ما يحتاجونه من
الكتب والأقلام والدفاتر ، والأدوات المدرسية ، فلا جرم تمكنوا من نيل
مقاصدهم ، فوصلوا إلى تبديع وتنصير الفئات والجماعات من شباب المسلمين
وكهولهم وشيوخهم ، بهذه الحيل الفاتنة ، وحيث إن تربية الأطفال ينتج عنها
التدين بما يلقيه المربي ، واعتقاده أصلا ومنهجا ، يصعب الانفكاك عنه
والتخلي عن العمل به ، ولو كان في أصله دينا باطلا ، أو كفرا أو ضلالا ،
فإن هذه الحضانة والتربية بأيدي الكفار والمضلين لا تجوز شرعا ، فلا يجوز
أن يمكن الكافر من تولي الطفل المسلم حال طفوليته ، ولو كان ذلك الكافر أو
المبتدع أباه أو أخاه ، أو قريبه أو نسيبه ، كما أن القريب المسلم إذا كان
فاسقا أو عاصيا لا يجوز أن يتولى حضانة الصبي المسلم مهما كانت قرابته ؛
لأنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ، ولا حظ للطفل في حضانته ؛
لأنه ينشأ على طريقته ، ويقع فيما وقع فيه . وهذا أمر محسوس ، فإن المطلوب
من الحضانة أمر زائد على الغذاء والحفظ البدني ، والتطهير والتنظيف الظاهر ،
ذلك الأمر هو التغذية الروحية ، وتنمية الفطرة الدينية ، وتطبيقها عمليا ،
فمتى كان المربي أو المعلم منحرفا زائغا في المعتقد ، أو متلبسا بذنب مكفر
أو مفسق ، فإنه يظهر حال تلبسه به أمام أولئك الأطفال ، ويوهمهم أن ذلك
الذنب حسن أو لا محذور فيه ، فلذلك يشاهد أن المبتدعة كالمعتزلة والرافضة
ونحوهم ينشأ أولادهم على معتقدهم الزائغ ، كما أن تارك الصلاة وشارب الخمر
والمدخن والزاني وآكل الربا والسارق والقاذف واللعان والطعان ونحوهم يألف
أولادهم تلك المعاصي ، ويفعلونها محاكاة لآبائهم ، ويصعب تحويلهم عنها ،
حيث نشأوا عليها منذ نعومة أظفارهم ، فلا يعرفون سواها ، ولم يجدوا موجها
صالحا في صغرهم ينبههم على خطرها وضررها . فإذا كان هذا في العصاة
والمذنبين فكيف بالكفار والمشركين من النصارى والوثنيين والملحدين . وإليك
بعض ما قال علماء الإسلام في حضانة الكافر للمسلم وحكمها .
قال أبو
محمد ابن قدامة في المغني 7 / 612 : " ولا تثبت- يعني الحضانة- لكافر على
مسلم ، وبهذا قال مالك والشافعي وسوار والعنبري . وقال ابن القاسم وأبو ثور
وأصحاب الرأي : تثبت له ؛ لما روي عن عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه عن جده
رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت : ابنتي وهي فطيم أو شبهه . وقال رافع : ابنتي .
فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : « أقعد ناحية » وقال لها : « اقعدي ناحية » ، وقال :
« ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «
اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها . رواه أبو داود ( ). ولنا : أنها
ولاية ، فلا تثبت لكافر على مسلم ، كولاية النكاح والمال ، ولأنها إذا لم
تثبت للفاسق فالكافر أولى ، فإن ضرره أكثر ، فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن
الإسلام بتعليمه الكفر وتزيينه له ، وتربيته عليه ، وهذا أعظم الضرر .
والحضانة إنما تثبت لحظ الولد ، فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك
دينه . فأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ، ولا يثبته أهل النقل ، وفي
إسناده مقال . قال ابن المنذر( ) : ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم
علم أنها تختار أباها بدعوته ، فكان ذلك خاصا في حقه " ا هـ .
وهذا
الخلاف المذكور وقع فيما إذا كان الكافر قريبا للطفل ، كالأم التي هي أولى
بالحضانة ، وأعرف بشئون التنظيف والعناية بالطفل ، وأصبر على حمله وفصاله ،
وأعرف بتغذيته ورعاية مصالحه . وقال ابن حزم في المحلى 11 / 742 :
"
الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو
الاحتلام أو الإنبات مع التمييز وصحة الجسم ، فإن لم تكن الأم مأمونة في
دينها ودنياها نظر لهما بالأحوط في دينهما ثم دنياهما ، فحيثما كانت
الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنالك ، عند الأب أو الأخ أو الأخت أو
العمة أو الخالة ، أو العم أو الخال . وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال ،
والدين مغلب على الدنيا . . . والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع ،
فإذا بلغا من السن والاستغناء ومبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة ولا فاسقة . .
وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [ سورة
المائدة الآية 2 ] وقال تعالى : ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ [
سورة النساء الآية 135 ] وقوله تعالى : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ
وَبَاطِنَهُ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 120 ] فمن ترك الصغير والصغيرة حيث
يدربان على سماع الكفر ، ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وعلى ترك الصلاة ، والأكل في رمضان ، وشرب الخمر ، والأنس إليها حتى
يسهل عليهما شرائع الكفر ، أو على صحبة من لا خير فيه ، والانهماك على
البلاء فقد عاون على الإثم والعدوان ، ولم يعاون على البر والتقوى ، ولم
يقم بالقسط ، ولا ترك ظاهر الإثم وباطنه ، وهذا حرام ومعصية ، ومن أزالهما
عن المكان الذي فيه ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة والصوم ، وتعلم
القرآن ، وشرائع الإسلام ، والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
والتنفير عن الخمر والفواحش ، فقد عاون على البر والتقوى ، ولم يعاون على
الإثم والعدوان ، وترك ظاهر الإثم وباطنه ، وأدى الفرض في ذلك .
وأما
مدة الرضاع فلا نبالي عن ذلك ؛ لقول الله تعالى : ﴿ وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [ سورة البقرة الآية
233 ] ، ولأن الصغيرين في هذه السن ومن زاد عليها بعام أو عامين لا فهم
لهما ، ولا معرفة بما يشاهدان ، فلا ضرر عليهما في ذلك ، فإن كانت الأم
مأمونة في دينها والأب كذلك فهي أحق من الأب ، لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذي ذكرنا ، ثم الجدة كالأم ، فإن لم تكن مأمونة لا الأم ولا
الجدة في دينها ، أو تزوجت غير مأمون في دينه ، وكان الأب مأمونا فالأب
أولى ثم الجد ، فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه ، وكان للصغير أو
الصغيرة أخ مأمون في دينه ، أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى ، وهكذا
في الأقارب بعد الإخوة ، فإن كان أحدهما أحوط في دينه ، والآخر أحوط في
دنياه ، فالحضانة لذي الدين- إلى أن قال- وأيضا فنحن لا ننكر تخييره إذا
كان أحد الأبوين أرفق به ، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يخير بين خير وشر ، ولا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين
خيرين ، وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على
اختياره ما هو فساد له في دينه أو في حالته ، فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه
، ويميل إلى الراحة والإهمال . . . " إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
فمتى سقطت حضانة القريب الذي يهمل الأولاد ، أو يربيهم على الكفر والفسوق
والمعاصي ، أو في مجتمع وبيئة بعيدة عن العلم
والدين وتفاصيل
الشريعة ، فبطريق الأولى إذا كان المربي بعيد الصلة والنسب من أولئك
الأطفال ، ولا قصد له ولا أرب في إصلاح أديانهم ، بل جل همه صرفهم عن
عقيدتهم ، وتلقينهم ملة غير ملة آبائهم وأسلافهم ، وهذا بلا شك هدف تلك
الدول الكافرة من حرصهم على احتضان ذراري المسلمين الذين فقدوا آباءهم
وأهليهم ، أو الذين ابتلوا بالفقر والفاقة ، واشتدت حاجتهم إلى المادة
البدنية والروحية ، وقد اتفق جمهور العلماء على أن العاصي والفاسق لا ولاية
له على الصبي المحكوم بإسلامه ، وأحب أن أنقل هنا كلام بعض العلماء ،
لتوضيح ذلك ، وذكر المفاسد التي تنشأ عن تولي الفسقة وتربيتهم ، فمن ذلك
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال في مجموع الفتاوى 34 / 131 : "
فلو قدرنا أن الأب ديوث لا يصونه والأم تصونه لم نلتفت إلى اختيار الصبي ،
فإنه ضعيف العقل ، قد يختار أحدهما؟ لكونه يوافق هواه الفاسد ، ويكون
الصبي قصده الفجور ومعاشرة الفجار ، وترك ما ينفع من العلم والدين والأدب
والصناعة ، فيختار من أبويه من يحصل له معه ما يهواه ، والآخر قد يرده
ويصلحه . ومتى كان الأمر كذلك فلا ريب أنه لا يمكن من يفسد معه حاله .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « مروهم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها
لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع »( ) فمتى كان أحد الأبوين يأمره بذلك
والآخر لا يأمره ، كان عند الذي يأمره بذلك دون الآخر ؛ لأن ذلك الآمر له
هو المطيع لله ورسوله في تربيته ، والآخر عاص لله ورسوله ، فلا نقدم من
يعصي الله فيه على من يطيع الله فيه ، بل يجب إذا كان أحد الأبوين يفعل معه
ما أمر الله به ورسوله ، ويترك ما حرم الله ورسوله ، والآخر لا يفعل معه
الواجب ، أو يفعل معه الحرام ، قدم من يفعل الواجب ، ولو اختار الصبي غيره ،
بل ذلك العاصي لا ولاية له عليه بحال ، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته
فلا ولاية له عليه ، بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ،
وإما أن يضم إليه من يقوم بالواجب معه ، فإذا كان مع حصوله عند أحد
الأبوين لا تحصل طاعة الله ورسوله في حقه ، ومع حصوله عند الآخر تحصل قدم
الأول قطعا " ا هـ .
فهذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في
الأبوين ، مع ما جبلا عليه من الشفقة والرحمة حيث ذكر أن الولد لا يقر على
اختياره إذا مال مع الذي لا يصلحه ولا يربيه التربية الإسلامية ، فكيف إذا
كان المربي أجنبيا من الطفل ، بعيدا عن قصد إصلاحه في دينه وعقيدته ، بل لا
يألو جهدا في إبعاده عن دين الإسلام ، وتلقينه ملة الكفر التي يدين بها
ذلك المربي ، ويعتقد النجاة في اعتناقها . وقد صرح ابن القيم رحمه الله
تعالى باشتراط اتفاق الدين بين الحاضن والمحضون ، فقال رحمه الله في (زاد
المعاد) 4 / 132 : وقد اشترط في الحاضن ستة شروط (اتفاق الدين) فلا حضانة
لكافر على مسلم ؛ لوجهين :
أحدهما : أن الحاضن حريص على تربية
الطفل على دينه ، وأن ينشأ عليه ويتربى عليه ، فيصعب بعد كبره وعقله
انتقاله عنه ، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده ، فلا يراجعها
أبدا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « كل مولود يولد على الفطرة ،
فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »( ) فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره
للطفل المسلم .
وإن قيل : الحديث إنما جاء في الأبوين خاصة . قيل :
الحديث خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه ، فإن
فقد الأبوان أو أحدهما قام ولي الطفل من أقاربه مقامهما .
الوجه
الثاني : أن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار ، وجعل
المسلمين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض . والحضانة من أقوى
أسباب الموالاة التي قطعها الله تعالى بين الفريقين . وقال أهل الرأي وابن
القاسم وأبو ثور : تثبت الحضانة لها مع كفرها وإسلام الوالد ، واحتجوا بما
روى النسائي في سننه ، من حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن
سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :
ابنتي وهي فطيم أو شبهه ، وقال رافع : ابنتي . فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : « اقعد ناحية » وقال لها : « اقعدي ناحية » وقال لهما : « ادعواها »
فمالت الصبية إلى أمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم اهدها »
فمالت إلى أبيها فأخذها( ) . قالوا : ولأن الحضانة لأمرين : الرضاع ،
وخدمة الطفل ، وكلاهما يجوز من الكافرة . قال الآخرون : هذا الحديث من
رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري
الأوسي ، وقد ضعفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان، وكان سفيان الثوري يحمل
عليه ، وضعف ابن المنذر الحديث ، وضعفه غيره ، وقد اضطرب في القصة ، فروى
أن المخير كان بنتا ، وروى أنه كان ابنا .
وقال الشيخ في (المغني) :
وأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ، ولا يثبته أهل النقل ، وفي إسناده
مقال . قاله ابن المنذر . ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة مذهب من اشترط
الإسلام ، فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها
بالهداية فمالت إلى أبيها ، وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلاف هدى الله
الذي أراده من عباده ، ولو استقر جعلها مع أمها ، لكان فيه حجة ، بل أبطله
الله سبحانه بدعوة رسوله . ومن العجب أنهم يقولون : لا حضانة للفاسق . فأي
فسق أكبر من الكفر ، وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته
إلى الضرر المتوقع من الكافر . ا هـ .
هذا كلام ابن القيم رحمه الله
فارجع إليه في معرفة بقية الشروط ، وكل هذا فيما إذا كان الحاضن أحد
الأبوين ، أو الأقارب الذين تربطهم بالطفل أواصر الأخوة والشفقة والرحمة ،
لأجل القرابة ، وحمية الرحم ، وتدفعهم تلك الغريزة إلى النصح لهم ، وبذل
الخير والدلالة عليه ، وأخذ الحيطة والحماية عن أسباب الردى .
وقال
الإمام النووي رحمه الله تعالى في (روضة الطالبين) 9 / 98 : " فالحضانة
للأم إن رغبت فيها ، لكن لاستحقاقها شروط :
أحدها : كونها مسلمة إن
كان الطفل مسلما بإسلام أبيه ، فلا حضانة لكافرة على مسلم ، وقال الإصطخري
: لها الحضانة .
وقيل : الأم الذمية أحق بالحضانة من الأب المسلم
إلى أن يبلغ الولد سبع سنين ، ثم الأب بعد ذلك . قال الأصحاب : والصحيح
الأول ، فعلى هذا حضانته لأقاربه المسلمين على ما يقتضيه الترتيب ، فإن لم
يوجد أحد منهم فحضانته على المسلمين . . . ولو وصف صبي من أهل الذمة
الإسلام نزع من أهل الذمة سواء صححنا إسلامه أم لا ، ولا يمكنون من كفالته ،
والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته على الصحيح؟
لأن فيه مصلحة له " ا هـ .
وقال صاحب (المهذب) في فقه الشافعية كما
في الشرح 18 / 320؟ " ولا تثبت- الحضانة- لكافر على مسلم ، وقال أبو سعيد
الإصطخري : تثبت للكافر على المسلم ؛ لما روى عبد الحميد بن سلمة( ) عن
أبيه أنه قال : أسلم أبي ، وأبت أمي أن تسلم ، وأنا غلام ، فاختصما إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « يا غلام اذهب إلى أيهما شئت ، إن شئت
إلى أبيك ، وإن شئت إلى أمك » فتوجهت إلى أمي ، فلما رآني النبي صلى الله
عليه وسلم سمعته يقول : « اللهم اهده » فملت إلى أبي فقعدت في حجره.
والمذهب الأول ؛ لأن الحضانة جعلت لحظ الولد ، ولا حظ للولد المسلم في
حضانة الكافر ؛ لأنه يفتنه عن دينه ، وذلك من أعظم الضرر ، والحديث منسوخ ،
ولأن الأمة أجمعت على أنه لا يسلم الصبي المسلم إلى الكافر " ا هـ .
ثم قال الشارح المطيعي في تكملة شرح المهذب 18 / 322 بعد أن تكلم على
الحديث : " وفي إسناده اختلاف كثير ، وألفاظه مختلفة مضطربة " ونقل عن
(التقريب) لابن حجر في ترجمة عبد الحميد بن جعفر قال : " صدوق رمي بالقدر ،
وربما وهم " .
وقال أبو حاتم : لا يحتج به . وكان سفيان يضعفه
، ووثقه ابن معين( ). ثم قال الشارح المطيعي في تكملة المجموع 18 / 324 : "
ولا تثبت الحضانة لفاسق ؛ لأنه لا يؤمن أن ينشأ الطفل على منزعه ، وإن كان
أحد الأبوين مسلما ، فالولد مسلم ، ولا تثبت عليه الحضانة للكافر ، وقال
أبو سعيد الإصطخري : تثبت ؛ لحديث عبد الحميد .
ونقول : إن هذا الحديث
استدل به القائلون بثبوت الحضانة للأم الكافرة ، كأبي حنيفة وأصحابه ، وابن
القاسم المالكي وأبي ثور ، وذهب الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على
ولدها المسلم ، وأجابوا عن الحديث بما فيه من المقال والاضطراب ، وقال
المصنف : إنه منسوخ ، ولعله يحتج بأدلة عامة كقوله تعالى : ﴿ وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [ سورة
النساء الآية 141 ] وبنحو « الإسلام يعلو ولا يعلى »( ) وقد استدل ابن
القيم بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [ سورة التحريم الآية 6 ] على أن المراعى أولا في
التخيير أو الاستهام بالقرعة ما هو أصلح للصغير ، وأن أيا ما كان الأمر من
التخيير أو التعيين أو الاقتراع فإن أولئك مقيد بقوله تعالى : ﴿ قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال :
تنازع أبوان صبيا عند الحاكم ، فخير الولد بينهما فاختار أباه ، فقالت أمه :
سله لأي شيء يختاره . فسأله فقال : أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه
يضرباني ، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان ؛ فقضى به للأم .
ورجح هذا ابن
تيمية . فإذا كانت روح الشرع تقضي بمراعاة صالح الصغير ، فإن مما لا شك فيه
أن إلقاءه في أحضان الكفر قضاء على صلاحه دنيا وأخرى ، ومن ثم يتعين خطأ
أبي سعيد الإصطخري ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وابن القاسم وأبي ثور . وقال
العمراني : إن الحضانة لحظ الولد ، ولا حظ له في حضانة الكافر ؛ لأنه لا
يؤمن أن يفتن عن دينه . ثم قال : أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل يعني
حديث عبد الحميد بن جعفر المتقدم مرارا . وإن صح فيحتمل أن يكون النبي صلى
الله عليه وسلم علم أنه يختار أباه ، فلهذا خيره ، فيكون ذلك خاصا لذلك
الولد دون غيره " ا هـ .
ومن هذه النقول يتضح أن الجمهور على منع
ولاية الكافر ، وحضانته للطفل المسلم ، وأن من أجاز ذلك كأصحاب الرأي وهم
الحنفية ومن وافقهم فقد خصوه بأحد الأبوين ، تمسكا بحديث عبد الحميد
المذكور ، وقد عرفت ضعف الحديث وما فيه من الاختلاف ، ومع ذلك فلا مانع من
حضانة الأم الكافرة في الصغر ؛ لمكان الشفقة والرحمة ، فإن زمن الرضاعة
وبعده بسنة أو سنتين لا تأثير معه لدينها وأعمالها الكفرية ، لكن متى بلغ
الطفل سنا يميز به ، ويعرف ما يتدين به ، ويتأثر بالتلقين ، ويخاف أن يألف
أعمال الكفار ويميل إليها ، وجب نزعه من أحضان أقاربه غير المسلمين ،
وتسليمه إلى من يسعى في إصلاحه ، ويربيه التربية الإسلامية ، وهذا واجب على
المسلمين عموما في كل دولة وبلد بالنسبة إلى أولاد إخوتهم ، من يتيم فقد
أباه ومن يحصنه ويتولاه ، أو ينفق عليه من قريب أو أخ شفيق ، ومن فقير يعجز
وليه عن النفقة وتوابعها ، فعلى المسلمين المؤمنين أن تحملهم الشفقة
الدينية ، والأخوة الإسلامية على احتضان أولاد إخوتهم في الدين وعلى توليهم
ورعايتهم وإصلاح أحوآله م ، وقد ورد الترغيب في كفالة اليتيم ، فعن سهل بن
سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا
وكافل اليتيم في الجنة هكذا »( ) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا
. قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ؛ ليكون رفيق النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك ، والكافل هو
القائم بأمر اليتيم المربي له .
وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قبض يتيما من بين المسلمين إلى طعامه
وشرابه أدخله الله الجنة البتة ، إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر »( ) يعني مثل
الشرك الذي لا يغفر إلا بالتوبة منه ، أو مثل حقوق الآدميين التي لا بد
فيها من القصاص . وعن مرة الفهري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : « أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين »( ) في الوسطى والتي تلي
الإبهام . وذكر الحسن البصري رحمه الله أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر ،
فدعا بطعام ذات يوم ، فطلب يتيمه فلم يجده ، فجاء بعدما فرغ . . . فجاءه
بسويق وعسل فقال : دونك هذا فوالله ما غبنت . قال الحسن : وابن عمر والله
ما غبن( ). والمعنى أن اليتيم لما فاته الطعام المعتاد عوضه عنه سويقا
وعسلا ، وهو من خير الطعام ، فأخبره بأنهم ما غبنوه بأكلهم الطعام ، فقد
حصل على خير منه ، وابن عمر ما غبن ؛ لحصوله على أجر إطعام اليتامى ، وكان
ابن عمر رضي الله عنه لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه يتيم( ). وروى أبو
هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير بيت في
المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء
إليه . أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين »( ) يشير بأصبعيه . وعنه رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« كافل اليتيم له أو
لغيره أنا وهو كهاتين »( )بأصبعيه السبابة والوسطى . وروى عبد الرحمن بن
أبزى قال : قال داود عليه السلام : كن لليتيم كالأب الرحيم ، واعلم أنك كما
تزرع كذلك تحصد( ).
وقد حث الله تعالى على إعطاء اليتامى من الصدقات
العامة والخاصة كقوله تعالى : ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ﴾ [ سورة البقرة الآية 177 ]
وقال تعالى : ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [ سورة الإنسان الآية 8 ] وجعل لهم حقا في الفيء
وخمس الغنيمة بقوله : ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ﴾ [
سورة الحشر الآية 7 ] وقوله : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى ﴾ [ سورة الأنفال الآية 41 ] والآيات في ذكر اليتامى كثيرة
معلومة ، ففي هذه النصوص الحث على كفالة اليتامى ، والإنفاق عليهم ،
واحتضانهم ، والحرص على إنقاذهم من الفقر والجوع والضرر والهوان ، وحمايتهم
من ولاية الشيوعيين والمشركين ، واليهود والنصارى ، والروافض ، وسائر
المبتدعين الذين لا هدف لهم سوى الإضلال والإخراج من الدين القويم ، فمتى
تساهل المسلمون وانشغلوا عن هؤلاء اليتامى والمعوزين انتهز هؤلاء الأعداء
الفرص وتقبلوا رعايتهم ، فبذلك يخسرهم المسلمون ، بل يصبحون حربا على
آبائهم وإخوانهم ، وأقاربهم وأسلافهم الذين هم من رجال الدين وأعوانه .
والواقع يشهد بذلك ، فإن النصارى يبثون دعاتهم في الأقطار الإسلامية ،
ويمدونهم بالأموال الطائلة ، فيقومون بتأسيس المدارس لجميع المراحل ،
وتلقين أولاد المسلمين مبادئ النصرانية وعلومها مجانا ؛ كما يقومون ببناء
المستشفيات والعلاج فيها مجانا ، ليكسبوا بذلك قلوبهم ، ولينشئوا الأطفال
في بيئة بعيدة عن الإسلام وعلومه ، ومن ثم يميل هؤلاء الفقراء واليتامى إلى
النصارى ، لما رأوا من جهود أهل النصرانية ، وهكذا يفعل دعاة الروافض في
استجلاب العامة إلى معتقدهم الزائغ بهذه الحيل والأسباب ، ولقد قرأت سابقا
في مجلة المجتمع العدد (616) وتاريخ 28 / 6 / 1403 هـ ما نصه : " ففي الوقت
الذي تعمل فيه الدوائر التنصيرية على تنصير المسلمين في مخيمات اللاجئين
في الدول المجاورة لأفغانستان ، وإغرائهم بالابتعاد عن ساحات الجهاد ، تقوم
الشيوعية الملحدة وبمختلف الوسائل لتحويل أبناء المسلمين اليتامى إلى
الشيوعية ، فقد أفادت الأنباء مؤخرا بأن قوات الاحتلال السوفييتي أرسلت
ومنذ ثلاث سنوات أكثر من سبعة وعشرين ألف طفل مسلم أفغاني عنوة إلى موسكو ،
بهدف تغيير معتقداتهم " ا هـ .
أفلا يكون المسلمون وأهل السنة أولى
بالاهتمام وبذل الجهود في تنشئة وتربية الأطفال ، حتى أولاد الكفار
والمشركين الصغار الذين لم يزالوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها ،
فإن هناك دولا كثيرة تعاني من الفقر والفاقة ، والشدة والحاجة الشيء الكثير
، مع بقائهم على الملل الكفرية ، وكثيرا ما تجري بينهم الحروب والمنازعات
التي لا يكون الهدف منها سوى الأغراض المادية البحتة ، ففي تلك الحال يسهل
اقتناص شبابهم وأطفالهم ، وتنشئتهم على " الإسلام الذي هو دينهم بأصل
الفطرة ، وذلك يحتاج إلى تكريس جهود مخلصة ، وإلى أموال طائلة تبذل في سبيل
الله ، وفي بناء المساجد ، وفتح مدارس خيرية ، وطبع المصاحف وتوزيعها بين
المسلمين ، وترجمة كتب العقيدة والتوحيد بشتى اللغات ، وتفريقها هناك ،
والحرص على إبعاد أولئك الأطفال والشباب عن المجتمعات والبيئات الكفرية ،
وتعليمهم اللغة العربية ، فمن ثم يتم التأثر ، ويقوى الإسلام وأهله ، ويكثر
معتنقوه ، ويدخل الناس في دين الله أفواجا ، بدل ما هم يخرجون منه أفواجا ،
وبقوة الإسلام والمسلمين يتم الأمن والاستقرار ، ويحيا المسلمون الحياة
الطيبة ، ويردون غزو الأعداء وفتكهم وحيلهم التي قد نجحوا في الكثير
باكتساح كثير من بلدان المسلمين ، وكثير من القبائل والأسر التي أصبحت معهم
، وتدين بمعتقداتهم السيئة . فمتى يفيق المسلمون من هذا السبات والغفلة؟!
فالله المستعان ، وعليه التكلان ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه وسلم(
).
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb