قد سبق أن ناشدت أهل العلم في المجامع الفقهية ولجان الفتوى وهيئاتها، أن يفتونا في حكم من يحول دوننا ودون إمداد إخواننا بما في مقدورنا، ويجعل من حدود بلاد المسلمين جداراً عازلاً يوفر لأعدائنا من الأمان ما حرم منه المسلمون في غزة، ويوفر مجهود عدونا الحربي كي ينفرد بإخواننا دون مناوش؟!
وهل يجب علينا طاعة الحكام في ذلك ...
وأنا لا زلت في انتظار أن يجيبوا هذه المناشدة وأن يلبوا نداء الواجب ـ وهم له أهل نحسبهم كذلك ـ على وجه من الإسراع، يمكن معه تدارك الأمور قبل تداعيها، فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه...
وأضيف ـ هنا ـ مناشدة جديدة:
أناشدهم: أن يفتونا مأجورين، في حكم من يمنع إخواننا الفلسطينيين من الالتجاء إلى بلادنا، وقد أتوا إلى حدودنا مستنجدين مستغيثين، تحت وقع الضربات القاسية والجحيم المستطير، إما نجاة بأنفسهم، أو إغاثة لجرحاهم، أو طلباً للمعونة والدعم ...
فهل يجوز للموظف أو الضابط أو الجندي العامل بحرس الحدود، أن يرد هؤلاء المستغيثين من إخواننا على أعقابهم رداً غير جميل، بل بإلحاق الأذى بهم، والذي قد يصل ـ في بعض الأحيان ـ إلى جرحهم أو قتلهم.
وقد تقرر في محكمات الشريعة أنه يجب على المسلم نصرة أخيه المسلم.. قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال: 72)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ".
كما علم أيضاً من محكمات الشريعة، أن دم المسلم معصوم، وأن دم المسلم على المسلم حرام، وأنه لا يجوز للمسلم قتل أخيه المسلم ولو أكره على ذلك، بل ولو كان الإكراه بالقتل، فإن حفظ نفس المسلم المكره ليس بأولى من حفظ نفس أخيه، فكيف إذا كان أخوه إنما جاء فاراً من القتل، مستنجداً بأهل الإسلام، أيكون أهل الإسلام وأهل الكفر على هذا المستجير سواء؟
وليس بخاف على أحد أن هذه الحدود حدود مصطنعة باطلة، إنما صنعها أعداؤنا وقسموا بها ديار الإسلام، فهل لهذه الحدود من حرمة تبرر رد المستجير من المسلمين إذا جاء راغباً في اجتيازها؟
إن حدود ديار الإسلام ذاتها ليست لها حرمة تحول دون المسلم ودون اجتيازها، بل إن الكافر إذا جاء إلى ديار الإسلام ملتجئاً طالباً للأمان (مستأمناً) لا يمنع من ذلك، فكيف يحل منع المسلم المستجير، سيما وإن كان في وضع اضطراري، كالذي يعيشه أهل غزة ؟
أفتونا مأجورين يرحمكم الله، وأجرى الحق على ألسنتكم، ونصر بكم الإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
محمد مختار مصطفى المقرئ: باحث شرعي مصري