بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35
~~~~~~~~~~~~~~~~~
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ..
كلمات ،،أجد لها في قلبي وقعا ووجدا ،، وكم دفعني حبها للبحث فيها شغفا ،،
كلمات،، كلما أستمع لها أحس بأن سمعي وبصري وعظمي وعصبي لها يخشع ،، فيزداد تعلقي بها ،، واستزيد البحث عن معانيها ،،فطالما تتبعت تفسير المفسرين وتأويل العارفين ،،
حتى اهتديت إلى درس من دروس الشيخ الجليل محمد راتب النابلسي ؛ جزاه الله عني وعن المسلمين خيرا ،، يفسر فيه هذه الآية العظيمة ،وكأني وجدت ما يملأ الفراغ في عقلي وقلبي من الفهم والنقص من التصور ،، وإن كنت أطمع بالمزيد ،،
وهأنا ذا أضع بين أيديكم جزءا من تفسير النابلسي لــ { الله نور السموات والأرض }
أدعو الله أن يشرح به صدوركم وينور به بصائركم ويحيي به قلوبكم ،،اللهم آمين
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أيها الإخوة المؤمنون ،،
[اللَّهُ نُورُالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] .
فالنور هو الضوء الذي يظهر بذاته ، ويظهر غيره ، وتعريف النور : هو الشيء الظاهر بذاته ، والأشياء كلها التي أمامنا لا تظهر بذاتها ، لا تظهر إلا إذا ألقي عليها ضوء ، فإذا انعدم هذا الضوء لم تظهر بذاتها ، لكن الضوء شيء يظهر بذاته ، ويظهر غيره ، هذا هو المعنى الذي يعرفه عامة الناس من كلمة النور ، ما معنى دخول إشعاعات تنتج من مادة تسير بسرعة هائلة تزيد عن 300 كم في الثانية ؟ هذا المعنى يضاف ليشكل المعنى الحقيقي للنور ، لكن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يقول : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، يعني هو الذي أوجد السماوات والأرض ، وهو الذي نوَّر السماوات والأرض ، أوجدها ونورها ، الشيء الذي إذا ألقيت عليه نورا ماديا يبدو للبصر ، لكن هذا الشيء ليس عين نور ، لكن نور الله عز وجل هو الذي أظهر الكون ، فهذا الشيء الذي ظهر بنور الله هو السماوات والأرض ظهرت بنوره ، ونوَّرها الله بنوره ، هذا معنى .
عَنِ سَمِعَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ... )) .[البخاري(1069) ، مسلم(769)]
وقد سئل عليه الصلاة والسلام حينما كان في معراجه في السماء سئل هل رأيت ربك فقال: أنى أراه لقد رأيت نورا : ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[ .
لابد من حديث تفصيلي عن معنى قوله تعالى : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، السماوات والأرض في القرآن الكريم تعني الكون ، والله سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض ، يعني بنوره ظهرت هذه السماوات والأرض ، وبنوره نُوِّرت هذه السماوات والأرض ، ولكلمة نور معان دقيقة ؛ من هذه المعاني : يعني هذا الكون فيه شمس ، وفيه قمر ، وفيه شموس ، وفيه أقمار ، من صمم إضاءة السماوات والأرض ؟ كم من أموال تحتاج لنضيء الظلام ، كم من الليرات ندفعها في الشهر لنضيء غرفتين أو ثلاث غرف ؟ هذه الأرض بما فيها ، وما عليها كيف أنها بنور الشمس تنعم بالضوء العميم ؟ هذا معنى أن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض ، ونوَّرها بنور مادي .
ومعنى آخر ... ربنا عز وجل خلق السماوات والأرض : [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ]سورة الأنعام : من الآية 1)
وفي آية أخرى : [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا].(سورة الكهف : الآية 1)
فكان الكتاب ينير لنا طريق الحياة ، هذا الكتاب ينير لنا طريق المعرفة ؛ معرفة الله عز وجل ، هذا الكتاب ينير لنا طريق المنهج الصحيح الذي نحتاجه في الحياة الدنيا كي نسعد بها ، إذاً : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، خلق الكون ، وخلق لك ما ينير لك حقيقة الكون ، أحيانا قد تكون حقيقة الشيء مخالفة لظاهره ، فالأفعى لها ملمس ناعم ، ولها ألوان متناسقة ، ولكن في فمها السم الزعاف ، فإما أن تنظر إلى الأفعى رؤية ظاهرية ، فتراها انسيابية الخطوط ، ناعمة الملمس ، ولكنك تعلم حقيقتها بأن في فمها السم الزعاف ، فالشيء في الحياة له صورة ، وله حقيقة ، قد تبدو لك صورة الشيء جميلة جدا ، الذين يغرقون أنفسهم في الشهوات هؤلاء يمتعون حياتهم بمتع حسية ، قد يعتقدون أن الشيء الذي يفعلونه شيء عظيم ، وشيء ممتع ، وشيء فيه بهجة ، ولكنهم حين يعلمون حقيقة هذا الشيء ، وكيف أن في هذا الشيء سما يسمم حياتهم كلها ، لو علم الإنسان حقيقة الشيء لما شقي في الدنيا وفي الآخرة ، الإنسان إذا افتقد إلى نور يريه الخير خيرا والشر شرا ، يريه الحق حقا والباطل باطلا ، الإنسان حينما يتحرك في الحياة ما الذي يحركه ؟ رؤية ، فإما أن يكون على نور ، وإما أن يكون في ظلام ، فالذي يتخذ قرارا أحمق مثلا لتطليق زوجته لسبب تافه ، فهذا أعمى ، لو أنه مستنير بنور الله عز وجل لما اتخذ هذا القرار ، سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال قال :"إني أخاف الله رب العالمين" ، وهناك آلاف وآلاف الأشخاص الذين تسنح لهم فرص كالفرصة التي عرضت لسيدنا يوسف ، فلماذا هؤلاء يقبلون على الشهوة ، وهذا النبي العظيم قال : [مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] .[يوسف : من الآية 23]
، سؤال دقيق ! لماذا تعرض على إنسان مبلغا حراما فيقول : معاذ الله ، ولماذا يأخذه إنسان آخر ؟ لماذا تمشي في الطريق امرأة تلفت النظر ؟ لماذا ينظر إليها رجل ؟ ولماذا يغض البصر عنها رجل ؟ ما الذي جعل هذا ينظر ، وهذا يغض الطرف ؟ ما الذي يجعل هذا يأكل مالاً حراماً ، وهذا يمتنع عنه ؟ ما الذي جعل هذا يقبل على طاعة ، وهذا يقبل على معصية ؟ هؤلاء الناس متفاوتون في مواقفهم ، ومتفاوتون في سلوكهم ، لماذا يقدم هذا ، ويحجم ذاك ؟ لماذا يأخذ هذا ، ويرفض ذاك ؟ لماذا يعطي هذا ، ويمنع ذاك ؟ ما الذي يفسر هذه الظواهر ؟ يفسرها أن الإنسان المستنير ينظر بنور الله ، فالمستنير يرى أن معصية الله مهلكة في الدنيا والآخرة ، لذلك أي موقف فيه معصية لله يقول : [مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ]، مستنير ، والذي يقبل على المعصية أعمى : [فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] .(سورة الحج : من الآية 46) .
هذا الموضوع دقيق جدا ، ما الذي يضبط حركة الأشخاص ؟ رؤية ، من فمن يملك رؤية صحيحة يملك الموقف الصحيح ، ويملك التصرفالصحيح ، ويملك الموقف الأخلاقي ، ويملك الحق ، ويملك الإنصاف ، ويملك السلوك ، يملك السعادة ، أساس كل هذا رؤية صحيحة ، والذي يرتكب الخطأ ، ويأكل المال الحرام ، ويعتدي على أموال الناس ، ويعتدي على أعراضهم ، ويظن هذا ذكاء ما الذي حمله على أن يفعل هذا ؟ إنها رؤية منحرفة ، أو عمى غلف بصيرته ، أو ظلام يعيش فيه ، فالقضية خطيرة جداً ، حينما يقول الله عز وجل : إذاً : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، أي لا نور إلا نوره ، فإما أن تكون مهتديا بهذا النور ، وإما أنت في عمىً .قولاً واحداً ، لا يوجد في الإسلام حل وسط ، مصدر النور هو الله عز وجل ، مصدر الحقيقة هو الله ، مصدر المعرفة هو الله ، المنهج الصحيح من عند الله ،فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَالصَّلاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ)) .[أبو داود(4903) ، ابن ماجه(4210) ، واللفظ له]وإما أن يكون الإنسان منقطعا عن الله عز وجل ، وبهذا الانقطاع هو في عمىً ، لذلك آيات كثيرة تتحدث عن هذا الموضوع يقول تعالى : [اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ].(سورة البقرة : من الآية 257) فبعلاقاته مع زوجته في ظلمات ، يقسو عليها ، يحملها ما لا تطيق ، أو يطلق لها العنان ، أو يتجاوز حده معها ، أو يسمح لها أن تتجاوز حدها معه ، هذه العلاقة مع الزوجة علاقة أساسها انحراف الرؤية ، أو الظلمة التي يعيشها المقطوع عن الله عز وجل ، العلاقة بالأولاد ، العلاقة بالجيران ، العلاقة مع الناس ، العلاقة مع من هم فوقك ، العلاقة مع من هم دونك ، كل علاقات الإنسان ، وكل حركاته اليومية ما الذي يحكمها ؟ إما نور ساطع يقذف في القلب فيريه الخير خيرا والشر شرا ، وإما ظلام يلفح هذه النفس فإذا هي تخبط خبط عشواء .
لذلك : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، هو المصدر ، فإذا كنت على صلة به كنت على نور ، تعرف ما ينبغي أن تفعل ، وما لا ينبغي ، ما يجوز أن تفعل ، وما لا يجوز، ما هو صالح ، وما هو طالح ، ما هو خير ، وما هو شر ، ما هو حق ، وما هو باطل ، ما هو مستحسن ، وما هو مستقبح ، ما يليق ، وما لا يليق ، ما ينبغي ، وما لا ينبغي ، هذا كله أساسه النور.لذلك : ]اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ[، كان في أثناء صلاته على شيء من النور ، فلما ترك الصلاة أصبح في عمى ، [فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ]، ويقول ربنا سبحانه وتعالى : [قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ] .(سورة المائدة : من الآية 15)
تصور أنك تقود مركبة ، والطريق ضيقة ، وفيها منعطفات عديدة ، وفيها انحدار شديد ، ومكان هبوط حاد ، وعلى جانبي الطريق وديان سحيقة ، هل يمكن أن تسلم من دون ضوء شديد ينير لك الطريق ؟ هذا المثل المادي ؛ سائق المركبة إذا كان الطريق ضيقا ، والظلام دامسا ، والمنعطفات شديدة ، والانحراف شديد ، والصعود حاد ، وعلى جانب الطريق وديان سحيقة ، هل يعقل لهذا السائق أن ينجو من حادث مروع دون ضوء شديد ينير له الطريق ؟ هذا المثل المادي طبقه على الحياة ، في علاقتك مع أهلك ، في علاقتك مع جيرانك ، في كسب المال ، في إنفاق المال ، أنت في موقف معرض فيه لشهوة ضاغطة ، أنت في موقف معرض فيه إغراء شديد ، معرض فيه لضغط شديد ، ماذا تفعل ؟ ما المواقف التي يجب أن تقفها ؟ تحتاج إلى نور ، تحتاج إلى بصيرة ، تحتاج إلى من يهديك السبيل ، لذلك : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ].
آية ثالثة : [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ]، يعني الظلمات والنور تعادل خلق السماوات والأرض .
لذلك : [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]، ويقول ربنا عز وجل : [وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ].(سورة النور : من الآية 40)
فحينما ينقطع الإنسان عن مصدر النور لا يمكن أن يكون مستنيرا ، لابد أن يخطئ ، ولابد أن يشقى ، ولابد أن يهلك ، ولابد أن تزل قدمه ، وأن يعتدي ، وأن يعتدَى عليه ، هذه طبيعة الظلام ، هذه طبيعة البعد عن الله عز وجل .
آية رابعة : [هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا].(سورة الأحزاب : الآية 43)
فيمكن أن نقول : إن الناس رجلان ؛ مستنير وأعمى ، موصول مستنير ، ومقطوع أعمى ، المستنير يعرف ما ينبغي أن يفعل ، إنه يسير على طريق عريضة ، ونوره الوضَّاء يكشف له جوانب الطريق ، والمقطوع عن الله عز وجل في ظلام دامس ، يخبط خبط عشواء ، [وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ].(سورة النور : من الآية 40)ويقول تعالى: [أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ].(سورة الزمر : الآية 22)
أنت مستنير بنور الله ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ((... الصَّلاَةُ نُورٌ ... )) .[مسلم(223)، الترمذي(3517) ،أحمد(22953) عن أبي مالك الأشعري]
قال عزوجل : ]إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[.[العنكبوت : من الآية 45]لماذا تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ أنت إذا رأيت حشرة سامة مخيفة قاتلة ، ورأيتها بعينيك عن طريق نور وضاء كشاف ، هل يعقل أن تقترب منها ؟ ما الذي جعلك تبتعد عنها ؟ هو ذلك النور الذي جعلك ترى حقيقتها ، فلذلك يقول عز وجل: ]أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[.(سورة الرعد : الآية 19)
الحقيقة أن الإنسان حينما يكون حكيما في علاقاته ، وفي حياته ، فالحكمة مبعثها النور ، وحينما يكون أحمق في علاقاته ، وفي حياته ، هذا الحمق ، وهذا الضلال مبعثه الظلمة ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) .[الترمذي(3270) ، واللفظ له ، وأبو داود عن أبي هريرة(5116)]
البر التقي مستنير ، والفاجر الشقي في عمى ، وفي ظلام شديد ، ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[، أي لا توجد جهة في الكون يمكن أن تلقي لك نورا يريك الخير خيرا ، والشر شرا إلا الله ، ]وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ[.وهذا النور الذي تتحدث الآية عنه إنما هو النور الذي نقتبسه من الله عز وجل في أثناء الصلوات ، لذلك : ((... الصَّلاَةُ نُورٌ ... )) .