قوة التحكم بالألم
وأخيراً أثبت العلماء أن
الألم هو مجرد وهم! ويمكن لأي إنسان أن يتحكم فيه إذا عوّد دماغه على قبول
الألم، والعجيب أن القرآن تحدث عن هذه الحقيقة بوضوح كامل....
يؤكد معظم العلماء أن الألم يبدأ في الدماغ
ومقاومته تأتي من الدماغ أيضاً! ولذلك يتوجهون اليوم لمعرفة أسرار الدماغ
وكيف يقوم بالتحكم بالألم، عسى أن يتوصلوا إلى طرائق طبيعية لعلاج الألم من
دون أدوية أو مخدرات.
والشيء الذي أود أن أقوله أن القرآن والسنَّة
أشارا إلى هذه القضية من قبل، فنجد أن المؤمن بمجرد سماعه لآيات من كتاب
الله، يطمئن قلبه، ويخف ألمُه، ويزول همّه. بل إن القرآن يحدثنا عن أمر مهم
وهو دور القلب في تخفيف الألم، وهذا ما يهمله علماء الغرب، لأن معرفتهم
محدودة، ولم يتجاوزوا بعد حدود الدماغ.
وقبل استعراض الاكتشاف
العلمي الجديد الذي قدّمه علماء ألمان، نستعرض بعض آيات الحق تبارك وتعالى
حول هذه القضية، فنتذكر آية عظيمة لا يمكن لمؤمن صادق يسمعها إلا ويخف
ألمٌه على الفور، يقول تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. فالقرآن يؤكد على دور القلب لأن أي خلل في نظام
عمل القلب سوف ينعكس على نظام عمل الدماغ.
الألم ضروري لوقاية الجسم
يعتبر
الألم آلية وقائية في الجسم، وعلى الرغم من اختلاف العوامل المرتبطة بشدة
الآلام، إلا أن الأطباء يرون أن الإنسان قادر على التحكم ببعضها. وينصحون
المرضى بالقيام بتدريبات معينة للتأثير على الطريقة التي يتعامل من خلالها
المخ مع الألم. عدّاء المراثون مثلاً يمكنه السير بسرعة كبيرة ولمسافات
طويلة، ولا يشعر بأي معاناة، لأنه يستطيع استبعاد الألم من عقله.
وعلى
الرغم من ذلك، فإن المرء ليس بحاجة إلى أن يكون رياضياً من رياضيي القمة
لكي يستخدم القوة الذهنية في الحيلولة دون الشعور بالألم. وهو ما يوضحه
رويديغر فابيان، رئيس الجمعية الألمانية لعلاج الآلام في غرونيندايش
قائلاً: "الألم هو رد فعل شعوري على عملية تقييم جرت في المخ"، مشيراً إلى
أنه بمقدور أي إنسان أن يتحكم بهذه العملية.
أما البروفيسور
رولف-ديتليف تريده، رئيس الجمعية الألمانية لدراسة الألم "دي.جي.إس.إس"،
فيوضح أن الإحساس بالألم أمر شخصي، توضحه المسافة التي يقطعها منبه الألم
ليصل إلى المخ. فالمستقبلات الحسية تنقل الإشارة إلى الحبل الشوكي، ثم يقوم
الجهاز العصبي المركزي بتمريرها إلى المخ الذي يتعامل معها بواحدة من طرق
مختلفة.
كيف يتعامل الدماغ مع الألم؟
ويشير فابيان إلى أنه
"على المخ أن يقرر ما هو مهم وما هو غير ذلك". ويقول إن الألم آلية وقائية
في الجسم وأن منبّه الألم في طريقه إلى المخ يكون له دوماً السبق على
المنبهات الأخرى. لكن من الممكن مهاجمة منبه الألم قبل أن يصل إلى هناك
بدواء على سبيل المثال. ومن يذهب إلى طبيب الأسنان يعرف ذلك، حيث أن المخدر
الموضعي الذي يستخدمه الطبيب يمنع إشارات الألم من الوصول إلى المخ.
أما
"تريده" فيرى أن العامل الأكثر تأثيراً هو كيفية تعامل المخ مع مؤثرات
الألم عند وصولها إليه، ويوضح هذا الأمر قائلاً: "يمكن للمخ أن يتعلم أن
هناك بعض الآلام غير الهامة فإذا أصيب شخص ما بخدوش في ذراعه، فإن الإصابة
قد تبدو سيئة للغاية، لكن المصاب يعرف أنها ليست ضارة، وبالتالي لا يشعر
بألم شديد. من ناحية أخرى، فإن المخ يمكنه أن يعتاد على الألم مع الوقت،
مثلما يعتاد على فنجان القهوة الساخن في الصباح!
Bildunterschrift:
ويشير البروفيسور فالتر تسيغلغينسبيرغر من معهد ماكس بلانك للصحة النفسية
في ميونيخ إلى أنه من خلال التدريب يمكن للناس أن يؤثروا على كيفية تقييم
المخ للألم. فينبغي على الأشخاص الذين يعانون من الألم القيام بدور إيجابي
في هذه العملية. حيث إنه لا يوجد في المخ مفتاح لمحي الأشياء، كما هو الحال
في الكمبيوتر! ولذلك فأنه من المهم أن يقوم المرضى –بعد تلقي العلاج-
بالأشياء التي كانوا يتجنبونها نتيجة الألم، لأن هذا الأمر يجعل المخ يطمس
الذكريات القديمة للألم ويستبدلها بذكريات جديدة إيجابية.
الخوف من
الألم أسوأ من الألم نفسه!
وينطبق هذا الأمر بشكل كبير على الأطفال
بالذات، حيث يكون الخوف من الألم عادة أكبر من الألم نفسه، وعندما يصاب
الأطفال بجروح، فعادة ما يعتمد رد فعلهم على تصرفات الآباء حسبما يوضح
أولريتش فيجلر، عضو رابطة أطباء الأطفال ويضيف: "كلما كانت صرخات الطفل
أعلى وأقصر كانت الإصابة أقل ضررا في العادة". لذلك ينصح الخبراء الآباء
بألا يظهروا فزعاً عند تعرض أطفالهم لإصابة. ويقول فابيان في هذا السياق:
"الهدوء في رد الفعل يعطي الطفل إحساساً بأن الإصابة ليست خطرة"، وهذا يقلل
بدرجة كبيرة من حجم الإحساس بالألم.
القرآن يعودنا على ألا نخاف
إلا من الله تعالى، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ
اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى
بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39]. انظروا إلى هذه الآية كم تمنح الإنسان
من قوة وتوكل على الله تعالى، وتبعد عنه شبح الألم والخوف والقلق
والاضطرابات النفسية.
هذه آية تمنحك السعادة وبخاصة في مثل عصرنا
هذا، فما أكثر المشاهد الحزينة، وما أكثر أولئك الملحدين والمشككين، وهؤلاء
لن يضروا الله شيئاً، يقول تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 176].
أما هذه الآية فنجد فيها مثالاً
رائعاً لعلاج الألم والخوف والحزن، عندما كان سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم مع صاحبه في الغار، يقول تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]. وهنا نلاحظ أن القرآن يجعلك
تعيش مع الله دائماً لتنسى همومك وآلامك وأحزانك، فأنت عندما تقرأ القرآن
تكون مع خالق الكون جل جلاله، فهذا الإحساس لا يمكن لأحد أن يمنحك مثله إلا
إذا قرأت القرآن!
ولذلك قال تعالى مخاطباً حبيبه محمداً ومن ورائه
كل من يحب هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ
إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ
مُحْسِنُونَ) [النحل: 127-128]. فعندما يعود الإنسان نفسه على الصبر فإنما
يعطي رسائل إلى الدماغ لكبت الألم، وعندما يشعر بوجود الله إلى جانبه وأن
الله معه ينسى كل شيء، إلا الله! وهذا الشعور يجعل صاحبه في قمة السعادة.
فحيث يعجز علماء الدنيا عن منحه السعادة الحقيقية، فإن مثل هذه الآية كافية
لجعل الإنسان فرحاً برحمة ربه.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
[يونس: 57-58].
الألم نعمة من الله!
وفي المواقف البالغة
الخطر بحق، تتهيأ للجسم أقوى عوامل تسكين الألم، فعداء الماراثون مثلا
يمكنه تعطيل ما يصيبه من الألم حتى نهاية السباق. ويؤكد تسيغلغينسبيرغر أن
الدماغ يفرز مادتي الإنورفين والأدرينالين، اللتين تخلقان ما يسمى بمستوى
العداء العالي في العدائين المدربين وتجعلهم لا يشعرون بالألم.
ويتفاعل
الجسم بصورة مماثلة في حالات الإصابات الخطرة. ويشير البروفيسور الألماني
إلى أنه بعد وقوع حادث مروري مثلا تمكن مادة الإندورفين الشخص من تحريك
رجله المكسورة والخروج من السيارة. لكن الناقلات العصبية لا تطلق في
المواقف البالغة الخطر فحسب، إذ يمكن أيضاً بتناول حبة علاج وهمي- ليس لها
تأثير طبي- أن تغير من إدراك المريض للألم. ويضيف قائلاً: "المسألة إذن
تتعلق بقناعة الشخص المصاب".
فالألم هو مؤشر ضروري على وجود خلل في
الجسم مثل الإصابة بكسر أو مرض أو حروق أو غير ذلك، وكلما كان الألم أشد
كانت الإصابة أكبر، وينبغي الإسراع في علاجها. ولولا هذه الميزة التي ميَّز
الله بها الإنسان فإن البشر سيموتون ولا يشعرون بذلك. فالألم أمر ضروري
لاستمرار الحياة، وهو يعمل مثل المنبه للإنسان على وجود مرض وضرورة العلاج.
إذاً هذه نعمة من الله، وهنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
السيطرة على الألم
ويؤكد البروفسور
الألماني أن المورثات تلعب هي الأخرى دوراً في الألم، فبعض الناس لا
يشعرون بالألم مطلقاً منذ مولدهم بسبب استعدادات جينية خاصة. وكابحات الألم
الخاصة في الجسم لا تطلق لدى عدائي الماراثون وحدهم، بل يمكن لأي إنسان أن
يحفزها بالقوة الذهنية. ووفقا لما يراه تسيغلغينسبيرغر فإن الذين يريدون
تأثيراً طويلاً على إحساسهم بالألم عليهم أن يتعلموا ألا يخافوه وألا
ينظروا إليه على أنه أسوأ مما هو عليه حقاً. ويقول: "من الممكن لأي شخص
يتمتع بروح المبادرة وبعقل يقظ أن يفعل ذلك".
كل شيء يتم في الدماغ، ولكن إذا تركت دماغك وشأنه فإنه
سيعطي رسائل لأعضاء جسدك، فتتألم لدى حدوث أي مشكلة، ولكن إذا عودت دماغك
على أن جميع المشاكل والأمراض والهموم، ما هي إلا أمور يسهل التحكم بها
وعلاجها، فإن دماغك تدريجياً سيستجيب لهذه الرسائل وبالتالي تساعده على
التحكم بالألم!
القرآن مليء بالآيات التي تساعدك على التحكم بالألم
طبعاً
نرى أن العلماء يحاولون إدراك طبيعة الألم لإيجاد وسائل للتغلب عليه،
ويرون أن أفضل الطرق أن يعود الإنسان نفسه على تحمل الألم، وقد نعجب إذا
علمنا أن القرآن هو أكثر كتاب حدد لنا طرق التغلب على الألم، ومن خلال آيات
كثيرة جداً، بل إن كل آية من آياته تعتبر بمثابة علاج وشفاء وراحة
وطمأنينة.
يقول تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يونس: 62-65]. فتأملوا معي هذه
الآيات كيف تمنح المؤمن الثقة والقوة وتبعد عنه الحزن والخوف وهما أهم
عاملين من عوامل الألم، الحزن على ما مضى والخوف مما سيأتي، أي أن الله
تعالى شمل بهذه الآية الماضي والمستقبل: (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ)، وحتى نصل إلى هذه المرحلة يجب أن نحقق شرطين: الإيمان
والتقوى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
وانظروا معي
إلى ذلك النبي الكريم: سيدنا يعقوب عليه السلام الذي ضرب أروع الأمثلة في
الصبر وعلاج الألم، فقد فقَد ابنه ثم فقد ابنه الثاني ثم فقَد بصرَه، وعلى
الرغم من ذلك لم يفقد الأمل من الله تبارك وتعالى! انظروا ماذا قال لأبنائه
بعد سنوات طويلة من الحزن والمعاناة: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. كلما قرأتُ هذه الآية أحس بسعادة لا يمكن
للكلمات أن تصفها، ومهما كان حجم المشكلة التي أتعرض لها، فإنني كلما تذكرت
هذه الكلمات: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فإن الهموم تزول
والآلام تتبدّد، ولا يبقى في ذاكرتي إلا الفرح والسرور بهذا الإله الرحيم.
أخي
المؤمن، أختي المؤمنة! مهما كانت ذنوبكم وآلامكم ومشاكلكم، ومهما كانت
لديكم مخاوف أو أمراض أو معاناة، فإن الله تعالى أكبر من همومكم، ورحمته
أوسع من السموات والأرض، فلا تفقدوا الأمل من الله، لأنه معكم ولكن بشرط أن
تكونوا معه! هذا الإله العظيم الذي خلق الكون بمجراته ونجومه وكواكبه،
يخاطبك أيها الإنسان الضعيف الخاطئ البعيد عن الله ويقول لك: (قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]. وأوجه الخطاب لأولئك الملحدين الذين
يدعون أن "إله الإسلام" كما يقولون لا يعرف الرحمة، وأستغفر الله من هذا
القول، وأتمنى منهم أن يستمعوا بقلوبهم وعقولهم إلى هذه الكلمات الإلهية
الرائعة والمليئة بالرحمة: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).
ووالله
لو أن أحداً أساء إليهم بكلمة لتمنوا زواله من الدنيا، وامتلأ قلبهم غيظاً
وعداوة وحقداً عليه، ولكن الله تعالى على الرغم من نعمه علينا وعلى الرغم
من أنه سخر لخدمتنا كل شيء في هذا الكون، تجد كثيراً من الناس يجحدون بنعمة
الله، وينكرون فضله، والمصيبة أنهم لا يعترفون بخالق الكون جل جلاله!!
وعلى الرغم من ذلك يخاطبهم ويناديهم: (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ)!!! ألا يستحق هذا الإله العبادة والسجود والإيمان به؟
وأخيراً
أتذكر دعاء سيدنا أيوب عندما أنهكه المرض والألم فنادى ربه بهذا الدعاء:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]. فهذا الدعاء أنصح به كل من يعاني
من ألم أو مرض أو مشكلة، وستزول سريعاً بإذن الله تعالى.
ملاحظة
وإجابة على انتقاد لهذه المقالة:
أحبتي في الله! تأتينا أحياناً بعض
الآراء التي تنتقد مقالة من مقالات الموقع وكعادتنا نتقبل أي انتقاد هدفه
تطوير وتحسين هذه المقالات، وأحياناً تكون فكرة المقالة غير واضحة للبعض
فتكون غير مقنعة لهم. وهذا أمر طبيعي، فالفقهاء اختلفوا والمفسرون تعددت
تفاسيرهم، وهذه سنة إلهية في الكون. ولكننا نسعى دائماً للأفضل ولمات يرضي
الله تعالى.
والانتقاد الذي ساقه أحد القراء الأفاضل يقول: لو كان
الألم هو مجرد وهم، فكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاءً؟
وكيف تحمل الأنبياء الألم وصبروا على أذى قومهم؟ ولذلك فإن هذه المقالة غير
مقنعة، والألم لا يمكن أن يكون وهماً، إنما هو حقيقة ولا يمكن القضاء عليه
نهائياً؟
وأقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة
في علاج الألم! بل وأمرنا بالصبر على المصائب وأن نرضى بما قسم لنا الله
تعالى ونحسن لمن أساء إلينا ونعفو عمن ظلمنا، وهذه وسائل علاجية ناجعة
للألم. فالألم موجود ولكن الإنسان قادر على علاجه والتخفيف منه، والفرق بين
المؤمن وغير المؤمن، أن المؤمن يصبر على الهموم والأحزان والأمراض، فيتذوق
لذة الصبر وهذا هو سيدنا يعقوب يصبر على مصيبة فقدان يوسف وأخيه فيقول:
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 83].
وإنني على يقين بأن سيدنا
يعقوب كان في أقصى درجات السعادة وهو يقول هذه الكلمات، لماذا؟ لأنه يشعر
بالقرب من الله ويثق به وبوعده وأنه سيعيد له ابنيه، وهذا الإحساس مليء
بالأمل وهو ما يطرد الخوف والقلق والألم! وهكذا حال المؤمن يحوّل الألم إلى
سعادة لأنه يصبر ابتغاء وجه ربه. أما غير المؤمن فعندما تصيبه مصيبة من
مرض أو جوع أو موت قريب، فإنه لا يصبر ولا يرضى بقضاء الله، فيزداد ألماً
على ألمه، وتتضاعف مصيبته، ومن هنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى يحدثنا عن
أولئك الذين يصلّي الله عليهم (أي يرحمهم)، يقول تعالى:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155-157]. فبالله
عليكم! المؤمن الذي يصلّي الله عليه ويرحمه (على الرغم من مصائبه وابتلائه)
هل يكون في حالة ألم، أم يكون في قمة السعادة والاطمئنان؟؟!