أهمية الوقت والحرص على استغلاله فيما يفيد
لما كان كثير من
الآباء يشغل أولاده بما يذهب عليهم الزمان؛ لطول الفراغ ، والاحتياج إلى
الانشغال فيه بما يخففه -في زعمه- أحببنا أن نشير هنا إلى أهمية الوقت ،
وأفضل ما ينشغل المرء فيه . فإن الوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال
الإنسان في التجارة ، يحافظ عليه العاقل ، ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء
العمل ، أو ينقص فيخسر ويندم . فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا
استغله في الخير والعلم والعمل الصالح ، ويخسر في ضد ذلك ، فيجب على
العاقل أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في
دنياه وأخراه ، متذكرا أنه مسئول ومحاسب عن زمانه ، كما روي عنه -صلى الله
عليه وسلم- قال: « لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع- أو عن خمس- عن عمره
فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ،
وعن علمه ماذا عمل به »( ).
فقد ذكر من هذه الخصال العمر كله ،
وخص الشباب مع أنه من جملة العمر ، وذلك أن عادة الشباب ميلهم إلى اللهو
واللعب والبطالة وإضاعة الوقت ، ومن لم يكن منهم كذلك فهو محل غرابة وعجب ،
حيث مال عن ما يقتضيه الصبا والجهل ، ولهذا ورد في الحديث عن عقبة بن عامر
رفعه: « عجب ربك من الشاب ليست له صبوة »( ) فمتى ترك الشاب هواه وما
يتمناه فإن نفسه تميل عادة إلى اللهو واللعب والمرح والبطالة ، فمتى مكنه
وليه من مراده فإنه ينهمك في ذلك ، ويغفل عن مصالحه العاجلة والآجلة ،
وينغمس في دحض الباطل والفساد حتى يتمكن ذلك من نفسه ، ولا يشعر بالخسران
المبين حتى يعقل ويتفكر ويحتاج إلى نفسه ، فحينئذ يبلغ منه الأسف والندم
مبلغه ، وقد فات الأوان .
ولا شك أن العاقل يجب عليه أن يستحضر
نهايته ، ويفكر في مستقبله ، ويتذكر عاقبة أمره ، فيستغل زمانه في كل شيء
يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه ، ولا يفرط في لحظة من لحظات عمره
بإضاعتها فيما لا فائدة فيه ، متذكرا قول الله تعالى مخاطبا لأهل النار: ﴿
أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ
النَّذِيرُ ﴾ [ سورة فاطر الآية 37 ]. فقد ذكرهم ربهم تعالى بأنه عمرهم أي:
مد لهم في الأعمار ، بحيث يتمكنون من التذكر والتفكر في عاقبة أمرهم
ونهايتهم ، فيعملون ما فيه نجاتهم من العذاب والنكال ، ويشغلون أوقاتهم بما
يعود عليهم بالفائدة والخير في دنياهم وأخراهم .
ولا شك أن كل يوم
يمر بالإنسان فإنه يقربه إلى الآخرة ، ويدنيه من أجله ، وأن كل ليل أو
نهار يطوى على ما فيه من خير أو شر: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [
سورة الزلزلة : 7 ـ 8 ].
ولقد أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه
وسلم- بالعمل في وقت فراغه بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [
سورة الشرح الآية 7 ] أي: فاعمل في ساعة تتفرغ فيها ما تستفيد منه لآخرتك ،
وبهذا يعرف أن ليس هناك وقت يسمى فراغا ، بل كل ساعة أو جزء منها لا يكون
عند الإنسان فيه عمل فسوف يجد ما يعمله فيه ، ولو بالذكر والتلاوة والعلم
والعمل .
فالعاقل يبخل بعمره أن يضيع منه شيء سبهللا ، دون أن
يستفيد من كل ساعة تمر به ، حتى لا يخسر جزءا من حياته ، مستحضرا قول
الشاعر( ) :
أليس مــن الخســران أن لياليـا * * * تمر بلا نفع
وتحسب من عمري
وبهذا يعرف خسران الكثير من أكابر وأصاغر يظهرون
الملل من طول الوقت ، ويقبلون على اللعب بما يسمى البلوت ، ونحوه من
الملاهي ، أو على ما يعرضونه من أفلام خليعة تحوي صورا ماجنة ، وقصصا
خيالية ، تشغل الأفكار ، وتضيع الأعمار ، وكان الأولى أن يضنوا بتلك
الساعات الثمينة ، ويشغلوها في تلاوة القرآن ، أو مذاكرة في حديث أو فقه ،
أو أدب أو تاريخ فيه عبرة ، أو تعلم وتعليم ، أو أذكار وعبادات ، ونصائح
وإرشادات ، أو عرض لمواضيع تهم المجتمع ، وسعي في نفع المسلمين ، فإن
الكثير من أولئك الذين يظهرون الملل والسآمة من طول الوقت وكثرة الفراغ ،
ويعملون أعمالا وألعابا يستفرغون بها زمانهم ، لو تعلموا فيه أحكام دينهم ،
أو تدبروا وقرءوا كتاب ربهم ، أو تفقهوا في دينهم ، لاستفادوا من فراغهم
فائدة كبرى ، فإن الغالب عليهم الجهل المركب ، فلو سألتهم عن معنى آية أو
حديث فقهي ، أو تفسير غريب ، أو محتوى كتاب مشهور لما أجابوا بقليل ولا
بكثير .
فما أخسر صفقة من أضاع وقته الثمين وعمره الطويل في غير
فائدة دينية أو دنيوية .
وأخسر منه من شغل عمره المديد في ضد الطاعة ،
من عكوف على الملاهي ، وسماع للأغاني ، وإنصات لقصص وأضحوكات ، وتماثيل
خيالية ، نسجتها أيدي الأعداء الألداء ، لهدف إضاعة الأوقات ، واستفراغ
الأعمار باسم التسلية والترفية عن النفس ، ترفيها بريئا كما يعبرون :
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [ سورة
الشعراء الآية 227].
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb