القدوة الحسنة والقدوة السيئة
المعتاد
والغالب أن الأبناء والذرية يقتدون بالآباء والمربين والمعلمين ، كما حكى
الله ذلك عن أهل الجاهلية في مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا
آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ *فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [ سورة
الصافات : 69 ـ 70 ]. وقال تعالى: ﴿ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [ سورة
الزخرف الآية 23 ] . وقال تعالى عن قوم إبراهيم: ﴿ بَلْ وَجَدْنَا
آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ سورة الشعراء الآية 74 ]. وقال تعالى
عن قوم هود: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ
مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ [ سورة الأعراف الآية 70 ]. وغير ذلك من
الآيات .
فالآباء قدوة حسنة أو سيئة لأولادهم ، والاقتداء هو
التقليد والاتباع ، والتمسك بما عليه الأسلاف من عقيدة أو عمل . فالمعتاد
أن الأبناء يحسنون الظن بآبائهم ، ويتمسكون بما كانوا عليه ، ويعتقدونه
سفينة النجاة ، ففي قصة موت أبي طالب لما قال له النبي -صلى الله عليه
وسلم-: « قل: لا إله إلا الله . كلمة أحاج لك بها عند الله قال له
الحاضرون من المشركين: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما قال: هو على
ملة عبد المطلب »( ).
وقد قال عن قوم نوح: ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا
فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾ [ سورة المؤمنون الآية 24 ]. وذلك دليل شدة
تمسك الخلف بسنة من سبقهم ، وتصلبهم في ما تلقوه عنهم ، كما قال عن
المشركين: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا
كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ﴾ [ سورة سبأ الآية 43 ] .
ثم إن هناك أخص
من التقليد في العقائد ألا وهو تأسي الذرية والأطفال بما عليه المربون
وأولياء الأمور ، واتباعهم في أفعالهم وأقوآله م ، دون تفكير في الحسن
والقبيح ، والضار والنافع ، والخير والشر ، فمتى كان المربي أو الولي
مستقيما متبعا للحق ، فإن من تحت يده غالبا يقتدون به ، فتراهم يحافظون على
الصلوات في الجماعة ، ويتقربون بالنوافل ، ويسابقون إلى المساجد ،
ويواظبون على الأذكار والأدعية عقب الصلوات المكتوبة ، ويكثرون من ذكر الله
تعالى وتلاوة كتابه وتدبره ، ويحبون الخير وأهله ، مقتدين في ذلك بمن
يربيهم ويعلمهم ، ويرون أن ذلك هو سبيل النجاة ، وإن لم يكن الولي أو
المربي يعلمهم ويلقنهم هذه الفضائل والفوائد ، فأما إن أضاف إلى أفعاله
الحسنة النصح والإرشاد ، وتوجيه من تحت يده ، وترغيبهم في فعل الخيرات ،
وحثهم على الإكثار من القربات ، فحدث ولا حرج عن تأثرهم وتقبلهم وتلقيهم
لنصائحه وإرشاداته ، واطمئنانهم إلى صحة ما يهديهم إلى فعله ، وتطبيقهم لكل
صغيرة وكبيرة يدعوهم إليها غالبا .
وبضد ذلك نرى أن الآباء
وأولياء الأمور والمربين والمعلمين متى كانوا منحرفين زائغين ، ظهر الفساد
غالبا فيمن تحت أيديهم من الأطفال والذراري ، فينشئون على استعمال السباب
والشتم واللعن والقذف والعيب والثلب وسيئ المقال أو على الوقاحة والرذالة
والرعونة والجفاء وخشونة الطباع ، أو على الانحراف في الأخلاق والطبائع ،
أو على الحسد والظلم والكذب والخيانة والسرقة والاختلاس والفجور وقول الزور
، أو على المعاصي الظاهرة ولو كانت منكرة في العقل والفطرة ، فتراهم
يقلدون أكابرهم ومشايخهم في شرب الدخان ، وحلق اللحى ، وتعاطي المسكرات
والمخدرات ، والعكوف على سماع الأغاني والملاهي ، والنظر في الصور الفاتنة ،
والصحف الماجنة ، والأفلام الهابطة ، ونحو ذلك .
ولا شك أن إظهار
أمثال هذه المعاصي أمام النشء الصغير غير المميز ، مما يدفعه إلى التلوث
بها ، أو ببعضها ، سواء تهاون والده به بادئ ذي بدء أو حذر منها ، فإذا
أعلن فعلها أمام الأطفال والجهال ، حتى نشبوا في تلك الحبائل ، ثم حاول
تخليصهم وإنقاذهم منها تعب في ذلك ولم يستطع ، فيندم حين لا ينفع الندم .
فلا تسأل عما يحدث من جراء التخلق بمثل هذه الأخلاق الرذيلة ، حيث يتحلى
الولد بالعقوق والعصيان ، والمخالفة الظاهرة لولي أمره ، ويصبح كلا على
أبويه ، يذيقهما مرارة الحياة ، ويجرعهما غصص الأذى ، حيثما لم يترب على
معرفة حق الله تعالى ، وما أمر به في حق الأبوين ، وإنما يسعى في نيل شهوته
البهيمية ، واتباع غريزته الدنية ، ونيل ما يهواه ، دون مبالاة بحل أو
حرمة أو حق لله أو للوالدين ، حيث لا يعرف من العلم والدين ما يردعه أو
يمنعه عن العبث بحق ربه وأهله ، كما يعبث الطفل بلعبته .
ولقد كثر
هذا الضرب في شباب المسلمين ، فتراهم يتسكعون في الأسواق والطرق ، يعاكسون ،
ويمارسون المنكر ، وتجدهم طوال الليل على الأرصفة وأطراف الطرق المتطرفة ،
وفي الصحاري وخارج المدن ، يلعبون ويمرحون ، ونرى أحدهم في جلسائه وقد
أشعل سيجارته ، وتفيهق في مشيته ، وتحلى كما تتحلى الإناث بالتختم بالذهب
أو الضيق من اللباس ، مما يسبب التأنث والانحراف عن شيم الرجال وشهامتهم ،
فنهاية أحد أولئك الكسل والبطالة ، فتراه عاطلا خاملا ، فلا نجاح في
الدراسة ، ولا لزوم لعمل مفيد ، ولا حرفة ولا صناعة ، حتى إن الكثير من
آبائهم يتمنون لهم الموت سريعا .
وكم حاول بعض الأولياء القضاء على
هؤلاء- ولو كانوا أبناءهم- وإعدامهم من الوجود؟ لما يلاقونه من الأذى وسوء
المقال ، وتكبد الخسارة ، وإنفاق الأموال الطائلة عليهم ، وهذا هو نتيجة
الإهمال في زمن الإمهال ، أو هو أثر التربية السيئة ، والتنشئة على اللهو
والباطل ، حتى تمكن فيهم الفساد ، فحاول الولي إقامتهم ولات حين مناص .
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb