الحكمة من تركيب الشهوة الجنسية
تسيطر
الشهوات المختلفة - كنوع من الابتلاء - على سلوك الإنسان، وتتحكم في كثير
من تصرُّفاته بدوافعها العنيفة المتغلغلة في عمق جذور كيانه البشري، حتى
إنه ربما لا يتحرك، ولا ينبعث إلا على مرادها، وفي سبيل إشباعها كحال
الحيوان، وهنا يأتي المستنير بنور الشرع ليضبط مسارها، ويُلْجم اندفاعها:
فترفع المُكلَّف بحميد مسلكها إلى درجات الصالحين الأبرار، وإلا حطَّتْه
بخبث مخرجها إلى دركات السافلين الأشرار.
ويأتي دافع الشهوة الجنسية
كأقدم الدوافع الشهوية، وأشدها مضاءً، وأكثرها تمكُّناً في عمق الكيان
الإنساني؛ ليصبَّ عُصارة الجهد وغاية المُراد في غريزة حب البقاء - كبرى
غرائز الأحياء - بشقَّيها العظيمين العميقين: حفظ الذات، وحفظ النوع،
بمعنى: " أن النشاط الجنسي بالنسبة للإنسان، ولسائر الأجناس الحيوانية
مسألة بقاء أو فناء، فإذا توقف، أو أعيق: فإنه يهدد النوع بالفناء؛ لذا
ارتبطت الممارسة الجنسية بالقوة والعنف كدرعين واقيين للنشاط الجنسي من
التوقف "، فإذا قصَّر الإنسان في إشباعها: انقاد إليها منبعثاً لها لقوة ما
تحمله من العنف في ذاتها لبقاء النسل، واستمرار النوع، كحال الطعام لم
يجعل المولى قوام الإنسان منه إلى اختياره، وإنما جعله غريزة تلح بقوة إلى
الإشباع لحفظ الذات، والغريزة - كما هو معلوم - سلوك فطري غيرمتكلَّف، يصدر
عن الشخص تلقائياً بلا تعلُّم، بغرض الاستمرار وعدم الانقطاع، ومن هنا
يظهر أن الهدف الأسمى من الغريزة الجنسية وكل ما يلحق بها: هوالولد، كوحدة
رمزية ضرورية لدعم غريزة " البقاء "، التي أرادها المولى U لعمارة الأرض
بالتوارث فيها جيلاً بعد جيل. وبناء على هذا التصور قام نظام التزاوج بين
ذكر وأنثى على أساس التواصل الجنسي كضرورة إنسانية ملحة لاقتناص الولد، ضمن
حدود الأسرة العضوية باعتبارها لبنة في بناء الكيان الاجتماعي الكبير.
ومن
هنا يُلحظ أن ما تتبنَّاه بعض الفئات والأمم: من استقذار مبدأ تركيب
الشهوة الجنسية كدافع أصيل مُسْتحسن: يخالف مبدأ الوجود الإنساني كحقيقة
تفتقر إلى الشهوة الباعثة؛ إذ لا يمكن أن تتم عملية الإخصاب البشري بين
زوجين بغير دافع الشهوة الملحة، التي تقتحم بطابع عنْفها، وقوة اندفاعها،
وما أضْفيَ عليها من مشاعر المتعة واللذة: حواجز النفس الإنسانية، وحدود
الذات الفردية؛ لتبلغ أقصى مظاهر التداخل الإنساني في أكمل صوره الممكنة
بين شخصين، كما قال العليم الخبير: { … هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ
لِبَاسٌ لَهُنَّ … } [البقرة:187]، ولهذا جعلت الشريعة الخاتمة هذه العلاقة
الشهوانية الضرورية في غاية الطُّهر؛ حتى لا يقع في النفس استحقار دافعها،
حيث باركتها بذكر الله تعالى، ورتَّبت عليها الأجر والثواب، وجعلتها سنة
خير الخلق، بل إن عصارتها الشهوية المتدفِّقة من الزوجين، والتي ينعقد منها
الولد: طاهرة من النجاسة على الراجح، ومُسْتثناةٌ من كل ما يخرج من
السبيلين، وما كان لله أن يخلق الإنسان من عصارة نجسة، فعُلِمَ بالضرورة:
أن الشهوة الجنسية أصلها ليس من حظِّ الشيطان في شيء، وأنها من مستحبات
الشريعة، ومطلوبات الدين.
وبناء على ما تقدم: فإن أيَّ صورة من صور
التَّجنِّي على مبْعث الشهوة الجنسية: بقطع سببها بالدواء، أو بتر أعضائها
بالاعتداء كالخصاء للذكر، أو استئصال الرحم عند الأنثى، كل ذلك يدخل ضمن
المذمَّة الشرعية، والمؤاخذة القانونية، سواء كان ذلك على النفس، أو
الآخرين - في أي مرحلة من مراحل العمر - مهما كانت الحجج والمبررات؛ بل إن
مبدأ الزهادة في الدنيا وملذاتها، مع كونه من مستحبات الشريعة: لا يستوعب
في نطاقه الشهوة الجنسية، ولا تدخل الزهادة فيها ضمن محبوباته.
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb