الحكم على
الخوارج.
اختلفت وجهات النظر في الحكم على الخوارج فيما
ظهر لي من خلال دراستي عنهم إلى قولين :
1-
أحدهما الحكم بتكفيرهم.
2- الحكم
عليهم بالفسق والابتداع والبغي.
وقد استند الذين كفروهم على ما ورد من أحاديث
المروق المشهورة عند علماء الفرق؛ رادين الخوارج إلى سلفهم القديم ذي الخويصرة
وموقفه الخاطئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم موقف الخوارج أيضاً من الصحابة
خصوصاً الإمام علياً وغيره ممن شارك في قضية التحكيم.
والأحاديث الواردة فيهم كثيرة غير أن علي يحيى
معمر يرى أن هذه الأحاديث إنما تصدق –على فرض صحتها كما يذكر- على المرتدين في زمن
أبي بكر رضي الله عنه(148). وما
رأيت أحداً من العلماء سبقه إلى هذا القول. ثم إن ما في الأحاديث من أوصاف الخوارج
من كثرة قراءتهم للقرآن وتعمقهم في العبادة لا ينطبق على هؤلاء المرتدين في زمن
أبي بكر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كفرهم كثير من العلماء، لا نرى التطويل
بذكر أسمائهم هنا.
وإذا كان بعض العلماء يتحرج عن تكفيرهم عموماً
فإنه لا يتحرج عن تكفير بعض الفرق منهم، كالبدعية من الخوارج الذين قصروا الصلاة
على ركعة في الصباح وركعة في المساء. والميمونية- حيث أجازوا نكاح بعض المحارم كبنات
البنين وبنات البنات وبنات بني الأخوة، ثم زادوا فأنكروا أن تكون سورة يوسف من
القرآن لاشتمالها –فيما يزعمون- على ذكر العشق(149)
والحب، والقرآن فيه الجد، وكذا اليزيدية منهم، حيث زعموا أن الله سيرسل رسولاً من
العجم فينسخ بشريعته شريعة محمد صلى الله عليه وسلم(150).
أما الرأي الثاني: وهو القول بعدم تكفير
الخوارج؛ فأهل هذا الرأي يقولون: إن الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام أمر غير
هين، نظراً لكثرة النصوص التي تحذر من ذلك إلا من ظهر الكفر من قوله أو فعله فلا
مانع حينئذ من تكفيره بعد إقامة الحجة عليه.
ولهذا أحجم كثير من العلماء أيضاً عن إطلاق هذا
الحكم عليهم وهؤلاء اكتفوا بتفسيقهم، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لقيامهم بأمر
الدين- وأن لهم أخطاء وحسنات كغيرهم من الناس، ثم إن كثيراً من السلف لم يعاملوهم
معاملة الكفار كما جرى لهم مع علي رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز؛ فلم تسبى
ذريتهم وتغنم أموالهم.
ولعل الصحيح أن الذين حكموا على الخوارج بالكفر
الصريح قد غلوا في تعميم الحكم عليهم، والذين حكموا عليهم بأنهم كغيرهم من فرق
المسلمين أهل السنة قد تساهلوا، بل الأولى أن يقال في حق كل فرقة ما تستحقه من
الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين.
وإطلاق ما أطلقته النصوص في الحكم العام،
ويتوقف عن إطلاق التكفير المخرج من الملة على المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه، أو
إذا ظهر كفره من قوله أو فعله أو اعتقاده.
وإلى هنا ينتهي المطلوب بالنسبة لفرقة الخوارج،
وقد تركنا مسائل كثيرة للخوارج(151) يجدها الباحث حين يرجع إلى ما كتبه علماء
الفرق عنهم، وربما يجمع تلك المسائل كلها وجميع فرقهم وما يتعلق بهم رسالة ماجستير
تسمى: ((الخوارج
تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها)) لكاتب هذه
الأسطر، وقد ذكرتها من باب تسهيل الرجوع إلى ما يتعلق بالخوارج لمن يهمه دراسة هذه
الفرقة بالتفصيل.
(148)
الإباضية في موكب التاريخ : 1/ 29.
(149)
انظر الملل والنحل : 1/129 . والقرآن لم
يدعو الناس إلى العشق وضرب المواعيد الفاجرة وإنما دعي إلى ما تضمنته هذه السورة
الكريمة من العفة وتقديم خوف الله على خوف غيره وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء
والشهوات الطائشة ولو صار العشاق على حسب ما تضمنته سورة يوسف لصاروا أولياء .
(150)
الفصل لابن حزم : 4/ 188 .
(151) كبحث
موقف الخوارج من رؤية الله عز وجل وإنكارهم لها في الدنيا والآخرة . وموقفهم من
القول بخلق القرآن واعتقادهم أن ذلك حق يجب الإيمان به واختلافهم في مسائل القدر
إلى ثلاث طرائف مؤيدة للقدرية ومؤيدة للجبرية وموافقة لمذهب السلف – وكذا إنكار
الخوار لوجود الجنة والنار الآن – أي قبل يوم القيامة . وإنكار أكثرهم لعذاب القبر
غير طائفة الإباضية . وموقف الخوارج من الشفاعة وإنكارهم لها غير الإباضية الذين
يثبتونها فقط للمتقين وإنكارهم الميزان والصفات الثابتة له . وإنكارهم الصراط
والصفات الثابتة له ، واختلافهم في حقيقة الإيمان هل هو الإقرار والمعرفة فقط أو
هو قول وعمل واعتقاد أكثرهم عدم زيادة الإيمان ونقصه . وموقفهم من قضية الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وإن ذلك يتم عندهم بالعنف والقوة وليس له مراتب وغير
ذلك من المسائل التي تهم دارس هذه الفرقة بالتفصيل والتدقيق وما ذكرته عنهم فإنما
هو من باب الإيجاز والتنبيه .
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb