ثانياً: حق الحياة:
فإن أول حق للفرد المسلم على المجتمع المسلم هو حق الحياة، وهذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء: حق الحياة.
أحبتى فى الله...
إن الله تعالى قد كرم الإنسان تكريماً عظيماً، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملاتكته، وأنزل له الكتب والرسل ووضع له شريعة محكمة تضمن له الحقوق والسعادة فى الدنيا والآخرة، وإن أول حق وأعظم حق ضمنته الشريعة الإسلامية للإنسان فى الأرض هو حق الحياة، هو حق النفس، فإن الله وحده هو خالق الحياة وهو واهب الحياة، ولا ينبغى لأحد ألبتة أن يسلب هذه الحياة إلا بأمر الله جل وعلا فى نطاق الحدود الذى شرعها، ولا يسلب الروح إلا واهب الحياة وهو وحده الذى يعلم من خلق وهو العليم الخبير.
فسفك الدماء جريمة بشعة تأتى مباشرة بعد جريمة الشرك بالله، وأنا أتحدى أن تفتح صفحة من الجرائد فى أى جريدة من جرائدنا اليومية إلا وسينقلب إليك بصرك خاسئا وهو حسير، وسينخلع قلبك أمام جرائم القتل التى انتشرت فى مجتمعاتنا- مجتمعات المسلمين- بل وفى الأرض كلها إما بدافع السرقة وإما بدافع الثأر البغيض الأعمى وإما بدافع انتهاك الأعراض أو الاغتصاب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انتشرت جريمة الدماء بصورة بشعة، واصبحت حرمة الدماء حقيرة فى نفس كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
تدبروا كلام الله فى كتابه الكريم: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء. وأكرر على مسامعك أيها الحبيب الكريم قول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
وفى صحيح البخارى أن النبى قال: لن يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" ([2]). وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إن من موبقات الأمور التى لا مخرج منها إن أوقع نفسه فيها- الدم الحرام بغير حله.
وفى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم من حديث معاوية أن النبى قال: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمداً" ([3]) "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا".
وفى الحديث الصحيح الذى رواه النسائى من حديث بريدة أن النبى
قال: " قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا". ([4])
تعرفوا على حرمة الدماء، بل من أعجب الأحاديث الصحيحة التى قرأتها فى هذا الباب ما رواه النسائى والبخارى فى التاريخ الكبير وصحح الحديث الألبانى فى صحيح الجامع من حديث عمرو بن الحمق الخزاعى أن الحبيب النبى قال: " من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا"([5]).
الحديث- أقول: حديث صححه الألبانى حديث صحيح تدبر قول النبى
: " من أمن رجلا على حياته فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً".
حرمة الدماء عظيمة عند رب الأرض والسماء فمن أجل ذلك جعل الدماء هى أول شئ يقضى فيها الله بين العباد يوم القيامة كما فى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبى قالك" أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة فى الدماء"([6]).
إذا ما وزنت الموازين وتطايرت الصحف وغرق الناس فى عرقهم على قدر أعمالهم، وأتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ينادى على القاتل السفاح المجرم الذى سفح الدماء يغير حل، فيرعد النداء قلبه فترتعد فرائصه وتضطرب جوارحه وهو يمشى بين الخلائق، ليقف بين يدى الملك الحق جل جلاله، وينادى على كل قتيل قتله هذا المجرم السفاح فيتعلق بين يدى الملك الحق جل جلاله، وينادى على كل قتيل قتله هذا المجرم السفاح فيتعلق كل قتيل بالقاتل وأعناقهم تسيل دما أى عروقهم ويتعلقون به وهو يصرخ ويستغيث بين يدى الملك الحق ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلنا؟ فماذا سيكون جوابك أيها القاتل؟ ماذا سيكون جوابك يا من سفكت الدم بغير حل؟ ماذا سيكون قولك بين يدى الله؟
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
والنار تلهب من حنق ومن غيظ
اقرأ كتابك يا عبدى على مهل
فلما قرأته ولم تنكر قراءته
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى
العاصون غدا فى النار يلتهبوا
مثل لنفسك أيها المغرور
إذا كورت شمس النهار ودنيت
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وإذا الجبال تطلعت بأصولها
وإذا الصحائف نشرت وتطايرت
وإذا الجليل طوى السما بيمينه
وإذا الوليد بأمه متعلق
هذا بلا ذنب يخاف جناية
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت
مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة ورب العرش غضبانا
فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا
وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
والموحدون بدار الخلد سكاناً
يوم القيامة والسماء تمور
حتى على رأس العباد تسير
وتبدلت بعد الضياء تدور
فرأيتها مثل السحاب تسير
وتهتكت للعالمين ستور
طى السجل كتابه المنشور
يخشى القصاص وقلبه مذعور
كيف المصر على أهل الذنوب دهور
ولها على أهل الذنوب زفير
لفتى على طول البلاء صبور
ينادى على القاتل فإن أول شئ يقضى الله فيه بين العباد فى الدماء ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قول النبى : " إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة"([7])
فالصلاة هى حق الله تعالى وأما الدماء فهى العباد ... فأول حق للعباد يقضى الله فيه هى الدماء، ولقد قص على أستاذ فاضل ومستشار لا أزكيه على الله، قص على قصة ذكرتها فى خطبة عيد الأضحى تخلع القلب، خلاصتها أن ذئبا بشريا نزعت الرحمة من قلبه وانتكست فطرته، رأى طفلة صغيرة مسكينة، لا يزيد عمرها عن خمس سنوات، رآها تلعب ببراء بجوار بيتها المجاور للمقابر فى قرية من القرى فاحتال هذا الذئب الذى لم يرعى بقصاص عادل ولا بمراقبة الله جل وعلا الذى يمهل ولا يهمل، فاحتال على هذه الطفلة الصغيرة البرئية المسكينة واستدرجها إلى المقابر حتى أدخلها المقابر ثم اعتدى على عرضها، ولم يرحم استغاثتها، وهى الطفلة البرئية المسكينة بنت الخمس سنوات بل ولم يراع حرمة الموتى التى أحاطت به من كل جانب، ولم يراع حرمة المقابر.
انظروا إلى مرض القلوب وانتكاس الفطر والعياذ بالله، الموت حوله من كل مكان، لم يراقب الله الحى الذى لا يموت، ولم يراع حرمة المقابر ولا حرمة الأموات، ولم يراقب رب الأرض والسماوات، بل انتهك عرض الطفلة المسكينة البرئية بين المقابر، وفكر بعد ذلك فى الفضيحة فحاول هذا المجرم الخبيث أن يختفها فلم يفلح، فجاء بثوبها الداخلى فدس ثوبها فى فمها حتى فارقت الحياة، وفكر هذا المجرم الخبيث فى فضيحته ففتح قبرا من القبور المعدة للموتى ووضع الطفلة المسكينة البرئية بثيابها فى هذه المقبرة ولكن الملك يمهل ولا يهمل.
قدر الله عز وجل أن يموت رجل من هذه القرية فى اليوم التالي مباشرة ويشاء سبحانه وتعالى أن يحمل المتوفى إلى المقابر وأن يفتح نفس القبر الذى دفنت فيه الطفلة البرئية، فقد حاول الأهل أن يبحثوا عنها فلم يجدوها، فمن الذى يفكر فى هذه الجريمة البشعة ، واستطاع رجال الأمن بعد ذلك فى يقبضوا على هذا الذئب البشرى الخبيث المجرم، وحكمت عليه محكمة النقض كما قص على المستشار، حكمت على هذا الذئب البشرى بالإعدام.
لكن من منا سمع حكم الإعدام لذا فأنا أطالب المسؤولين الآن كما يذيع التلفاز فى نشرته الإذاعية أو التلفازية الأخبار، أخبار الممثلين والممثلات والساقطين والساقطات، واللاعبين واللاعبات، والمطربين والمطربات، الأحياء منهم والأموات، أن يذيعوا على الأقل فى انتهاك الأعراض والحرمات.
ثم إننى على يقين مطلق جازم فى أن الحل الناجع الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة هو القصاص، تطبيق شريعة رب الناس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة.
والله لن يرتدع المجرم القاتل إلا إذا علم أن شريعة الله تطبق، وإن من شريعة الله أن يقتل القاتل وأن يقام الحد على الزانى، هذا هو الحل الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة، أقسم بالله على منبر رسول الله أن جريمة القتل لم تكن بدافع السرقة أو بدافع فعل الاغتصاب إلا يوم أن حكم القانون الوضعى الأعمى ونحى شرع الرب العلى الأعلى الذى قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.
ثالثاً: حرمة المال:
هذا أعظم حق للمسلم فى المجتمع ثم من حق المسلم فى المجتمع الإسلامى أن يأمن على ماله، فهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء: حرمة المال.
إخوتى الكرام: المال مال الله، فهو واهبه ورازقه قال تعالى: { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (33) سورة النور. فالمال مال الله { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } وقال سبحانه وتعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (7) سورة الحديد.
وقال سبحانه: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180) سورة آل عمران.
ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرماً منه وتفضلاً من ناحية وابتلاء واختبارا لهم من ناحية أخرى، أركز فى هذه الكلمة مرة أخرى وأعيدها أيها الفضلاء وأقول : ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرماً منه وتفضلا من ناحية وابتلاء واختبارا لهم من ناحية أخرى فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (9) سورة المنافقون. قال جل وعلا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (15) سورة التغابن. وقال جلا وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء.