أثناء سيره في الطريق لأداء امتحان اللغة العربية في المرحلة الأولى من الثانوية العامة، أحس سامر بوحشة في قلبه وقبضة في صدره، أحس بها كثيرًا قبل ذلك، ولكن جاءته أقوى هذه المرة. واستطاع بصعوبة التغلب عليها مؤقتًا حتى دخل اللجنة، وبعد تسلمه لورقتي الأجوبة والأسئلة، وأثناء شروعه في حل الأسئلة، فوجئ سامر أنه نسى كل ما ذاكره، حاول كثيرًا مرة بعد مرة أن يسترجع معلوماته، ولكن دون جدوى. فتعجب بصوت خافت مليء بالدهشة والحيرة قائلًا: "ماهذا ياربي....؟! ماهذا...؟! لقد راجعت المادة أكثر من ثلاث مرات...!! ما الذي حدث لي....؟!".
خرج سامر من اللجنة بعد انتهاء الوقت حزينًا. فلم يتمكن من أن يجب سوى عن السؤال الأول والقليل من النقاط الأخرى التي استطاع أن يلملم ما تبعثر من ذاكرته فيها.
رجع إلى البيت تعلو وجهه كآبة يعرفها من ينظر إليه. وعند دخوله إلى المنزل سمع صياح!! إنه صوت والده!! فتساءل في نفسه قائلًا: "ترى ما الذي أغضب والدي إلى هذا الحد؟! لابد أن هناك أمر عظيم فأبي هادئ الطبع ولايغضب إلا للأمر الشديد!!".
واندفع إلى والدته مستفسرًا منها فأخبرته أن أحد أبناء الحي قد غازل أخته التي تكبره بثلاث سنوات أثناء عودتها من السوق، وأن والده عرفه وذهب إليه وتشاجر معه ومع والده ومنذئذٍ وهو في حالة غضب شديد.
دخل سامر حجرته وجلس على مكتبه واجمًا واضعًا يديه على خديه واستغرق في التفكير: "ما هذا يا ربي..؟! ماهذا الذي يحدث لي اليوم..؟! ما هذه المصائب المتوالية التي تنـزل عليّ..؟! إنه أمر غير طبيعي..!!".
لم يستطع سامر أن يصل إلى نتيجة من تفكيره سوى أنه قرر أن يذهب إلى صديقه محمد ذلك الشاب المهذب الملتزم، والطالب في كلية العلوم قسم الجيولوجيا، والذي تعرف عليه في المسجد وكان دائمًا يسدى له النصائح النافعة، وكان دائما يقول له: "إذا واجهتك أي مشكلة في حياتك أو في دراستك تعالى إليَّ نبحث لها عن حلٍ سويًا".
ولكن سامر لم يكن يلقى بالًا لكلامه لأنه كان مستغرقًا مع رفاقه في سمرهم ولهوهم.
نام سامر قليلًا ثم استيقظ لصلاة العصر وقرر أن يتحدث إلى محمد في مشكلته بعد الانتهاء من الصلاة، وبالفعل وبعد انتهاء الصلاة، ذهب إلى سامر الذي كان يجلس في الصف الأول وعندما رآه محمد تهلل وجهه، وبعد السلام أخبره سامر بما حدث له، فطلب منه محمد أن يقص عليه كل ما حدث له في يومه بالتفصيل لعلهما يصلان إلى السبب في هذا، ولكن شرط عليه محمد أن يكون صادقا وصريحًا. أخبره سامر بما حدث في يومه بالتفصيل وبصراحة، وكان مما قال له أنه وبعد خروجه من منزله وجد فتاة جميلة تمر من أمامه فأعجب بها وأخذ يتبعها بصره حتى غابت عن نظره، وبعد انتهاء سامر من قصته، قال له محمد: "السبب واضح ومعروف مما قلته، إنه النظر المحرم، إنه عدم غض البصر، إنها المعصية، وفسر لهم محمد ماحدث له قائلًا: "أما ضيق صدرك [فلأن للمعصية ألم في القلب، فان قلب الإنسان لايتسع لشريكين: نور وإلا ظلمة، ملك وإلا شيطان، هداية وإلا غواية، إذا غلب جند الإيمان في القلب كانت نوازع الخير وأنوار الهدى وأدوية الطاعات، وإذا غلب جند إبليس كانت نوازع الشر وآفات الهوى وسموم المعاصي].
وأما نسيانك [فلأن النظرة إلى مالا يحل تشغل فكرًا في الحرام لو كان تفكرًا في ملكوت السموات والأرض لكان من أفضل العبادات ولأثمر زيادة تقى وعلو يقين وارتفاع درجات] ولأعلى من قدراتك الذهنية.
كما أن من آثار المعاصي (حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وقال الشافعي -رحمه الله-:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم فضـل *** وفضل الله لايؤتـاه عاصي)
وأما ماحدث لك في أختك فانه أيضًا بسبب هذه المعصية. فقد قال -تعالى-: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ....} [آل عمران: 165].
ولتلحظ أن هذه المصيبة من جنس ما فعلته أنت عند النظر إلى من قد تكون أخت أو زوجة أو أم لأحد المسلمين الغيورين مثلك ومثل أبيك...! واستطرد محمد في نصائحه لسامر الذي تأثر بها كثيرًا ثم قال له محمد: "سأدلك على بعض الكتب التي تعينك على غض البصر، هناك كتابان أحدهما للإمام ابن القيم وهو "الداء والدواء" والثاني للدكتور/ خالد أبوشادى وهو "صفقات رابحة" لعل الله أن ينفعك بهما.
وبعدما انصرف سامر توجه فورًا إلى أقرب مكتبة إسلامية واشترى هذين الكتابين وكان فرحا بهما أشد الفرح ثم توجه إلى المنزل ودخل حجرته، وأخذ يقلب في الكتابين وكله حرص على الانتفاع بما فيهما والعمل به.
فكان مما قرأ في كتاب"صفقات رابحة":
الصفقة الأولى: لاتتبع النظرة النظرة
أرباح الصفقة
1- نشوة الانتصار:
إن قوي الإيمان يملك نفسه ويحزم أمره فيغض من بصره، لهذا استحق حب الله والوصف بالخيرية على لسان خير البرية -صلى الله عيه وسلم- الذي قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» [رواه مسلم].
2- بركة الطاعة:
قال الله -عز وجل-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]. يقول الإمام الغزالي في تعليقه على الآية: "فنبه على أن في غض البصر تطهيرًا للقلب وتكثيرًا للطاعة، والدليل على ذلك أنك إن لم تغض بصرك وأرخيت عنانه تنظر فيما لا يعنيك فلا تخلو من أن تقع عيناك على حرام، فإن تعمدت فذنب كبير، وربما تعلق قلبك بذلك فتهلك إن لم يرحم الله -تعالى-".
3- الثمن الجنة:
فإن مجاهدتك لنفسك، وتقييدك لشهوتك، وتغلبك على هواك جزاؤه عند الله هو الجنة، قال -تعالى-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، كما أن لك جزاء خاص من جنس ما فعلت كما قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "من غض بصره عن النظر الحرام زوج من الحور العين حيث أحب".
وأما إن غلبتك نفسك، وفلتت منك شهوتك، وتغلب عليك هواك فإن الجزاء كما قال -تعالى-: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37- 39]. نسأل الله أن يعافينا من عذابه.
الشروط الجزائية
1- هاوية العشق:
وقد ألف ابن الجوزى كتابًا كاملًا عن العشق أسماه "ذم الهوى" عرض فيه إلى من بلغ منهم العشق منتهاه، حتى دفع بعضهم إلى قتل نفسه أو قتل محبوبه، أو إلى الزنا أو إلى الكفر والعياذ بالله، وغير ذلك من كبائر الذنوب وفواحش الفعال، والعاقل من وعظ بغيره، ومن لم تنفعه أذناه لم تنفعه عيناه، أخبروني بالله عليكم أي ضلال وكفر يدرك رجلًا ككفر من انخلع عن دينه بقوله:
أراني إذا صليت يممت نحوها *** بوجهي وإن كان المصلى ورائيا
2- النظرة ولادة:
تأمل هذه السلسلة: النظرة تولد الخطرة، والخطرة تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، والإرادة تولد العزيمة، فإذا قويت العزيمة وقع المحظور، وسقطت في المعصية، فإذا عرضت لك نظرة لاتحل فاعلم أنها سهم مسموم من سهام إبليس، وجهه إلى قلبك وأراد بها قلبك، فتترس منها بدرع: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] حتى تكون من الذين عافاهم الله {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174].
3- أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير:
- فإن النظرة التي تورث حزنا على فوات لذة محرمة لو كانت حزنًا على أحوال المسلمين وعروقهم النازفة في أرجاء الأرض، لكان علامة إيمان ودلالة على متانة الرابطة وصدق عقد: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
- وهي تصرف وقتا في إثم ومعصية هما ثمن شراء النار، ولو صرفت هذا الوقت في طاعة الله لأورث الفوز بالجنة ولذة النظر إلى وجه الله الكريم.
- وهي تسيل مدامع حزنًا على فراق حبيب القلب ولو كانت سيالة من خشية الله لنعم صاحبها بظل عرش الرحمن يوم لاظل إلا ظله.
تسهيلات الصفقة
أخي لكي تتغلب على النظر الحرام قم بما يأتي:
1- اعقد مقارنة:
لتتعلم الفارق بين هذه وبين الحور العين، الحور وما الحور.... تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من ثناياها إذا ابتسمت، لو اطلعت على الدنيا لملأت مابين السماء والأرض ريحًا، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلًا وتكبيرًا وتسبيحًا، بياض لحمها يسطع من وراء سبعين حلة من فوقها فكيف ضياؤها؟!
فقدم لنفسك المهر الذي سبق وأرشدك إليه أبو الدرداء -رضي الله عنه- فقال: "من غض بصره عن النظر الحرام زوج من الحور حيث أحب".
2- اسلك طريقهم:
تنسم شذى عبير السلف، وليكن لك فيهم أسوة:
- كان الربيع بن الخيثم -أنجب تلامذة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- يغض بصره فمر به نسوة فأطرق حتى ظن النسوة أنه عمى فتعوذن بالله من العمى.
- وحين خرج حسان بن أبي سنان إلى العيد قيل له لما رجع: ما رأينا عيدًا أكثر نساءًا منه فقال: ما لقيتني امرأة حتى رجعت.
3- شغل بالحق وإلا فبالباطل:
اشغل نفسك دائمًا بمعالي الأمور التي تقربك من الله -عز وجل- فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
4- خوف يطفئ الشهوة:
قال -تعالى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قال مجاهد: هو الذي إذا هم بمعصية ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى. فإذا هممت أخي بإطلاق بصرك تذكر رقابة الله عليك وانتهِ.
5- أكثر من الصيام:
أصل الشهوات واحد كما أن أصل الصبر واحد، فمن صبر عن شهوة الطعام قويت إرادته واستطاع الصبر عن شهوة النظر الحرام، لذا أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- من لم يستطع الزواج: «فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [متفق عليه].
وانتهت قراءة سامر عند هذا الحد وقد تأثر بما قرأه تأثرًا بالغًا وعزم في نفسه ألا يعود للنظر الحرام أبدًا، وأن تكون شيمته الأولى والرئيسية هي "غض البصر". وبالفعل بعون الله تحقق له ما عزم عليه وكبرت هذه الشيمة وترعرعت معه حتى أنه كان يحكي قصته هذه لزملائه بالجامعة ثم في العمل لكي ينتفعوا منها. وهو الآن أب لخمسة أبناء اثنين من الذكور وثلاثة من الإناث يغرس فيهم شيم الإسلام وعلى رأسها شيمة "غض البصر".
مابين القوسين [ ] نقلًا من كتاب صفقات رابحة للدكتور خالد أبو شادي
ومابين القوسين ( ) نقلًا من كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم