عيد العمال-مناسبات جوجل
عيد العمال أحتفل به ولو بهدوء. على مدار العام أتفكر فى كل عامل من حولى. أنظر لنفسى فأحاسبها إن لم تتقن العمل كما ينبغى الإتقان، وأكافئها حين أتقدم لعمل جديد فأطالب بحقوقى. أذكر مثلا أن أحد أساتذتى فى جامعة واشنطن كان يعطى النصيحة لصديقة تسبقنى فى العمر كانت على وشك الانتهاء من برنامج الدكتوراة. قال لها: «حين تتقدمين لإجراء المقابلة الشخصية، كونى واثقة، اعرفى ما يُميًّزك. ودائما تفاوضى!
Negotiate!
فهذا فرق واضح بين الرجال والنساء. كثيرٌ من النساء لا يتفاوضن بخصوص الراتب، المزايا، الحقوق. فى حين الرجال يفعلون ذلك طيلة الوقت، فيُصبح الأمر حقا مُكتسبا، بديهيا، بل مُتوقعا!».
قدَّرتُ له نصيحته التى أُكررها الآن للجميع فى مصر، رجالا ونساء، فمن حق أى موظف أن يحصُل على حقوقه. ومن حق العمال أن يُطالِبوا بشكلٍ جماعىٍ برفعِ سقف مُكتسباتِهم. قد تكون هناك استراتيجيات وتوقيتات للقيام بالمطالب: سواء فى صورة طلب بشكل شخصى، أو القيام بمسيرة للتعبير عن تظلمات مُحددة، أو التهديد، بل القيام بإضراب جماعى يكون محسوب الخطة ومعروف التبِعات. فحتى لو توقف العمل لوهلة كى يحصل عمالنا على مكاسب مادية، فهذا فى مصلحتنا كمجتمع. ففى النهاية الموظف الأكثر سعادة وشعورا بالتقدير أكثر إنتاجية.
أنا شخصيا شهدت إضراب المدرسين المساعدين بجامعة واشنطن عام ٢٠٠١ ومعه تغيرت المُستحقات. أُدرك أن بعض الاقتصاديين يُرجعون المُطالبة بمزايا أكبر إلى أنها قد تنعكس على الخفض من الوظائف الكلية المتاحة، حيث تحاول الشركات والمؤسسات تعويض «خسارتها» بتقليص الوظائف، مما يؤدى إلى زيادة البطالة. لكنى أعلم أيضا أن خلق وظائف أكثر بمزايا أكبر يجب أن يكون هدفنا الأشمل وليس الاقتطاع من أساسيات من يعملون بالفعل!
فعندما بحثت عن قصة نشأة يوم العمال الدولى تأكدت أن الحقوق لا تُمنح وإنما تُنتزع. فالأهمية التاريخية لعيد العمال ترجع إلى ١ مايو ١٨٨٦. فى هذا اليوم قررت عدة نقابات عُمالية، فى شتى أرجاء الولايات المتحدة، القيام بإضراب عن العمل، مطالبة بأن يُحدد «يوم العمل» فى كل الولايات ليكون ثمانى ساعات فقط. فى النهاية، أثبتت
الاحتجاجات فاعليتها فتوحد يوم العمل فى كثير من دول العالم ليصبح كذلك.
أعرف أن هناك من سيقولون: «٨ ساعات عمل؟ يا ريت نشتغل بجد ٨ ساعات فى مصر، لكننا هنا كسالى! هذا شعب لا يريد أن يعمل ويكدح. هذا شعب يشتكى فقط. هذا شعب لا يُتقن عمله.. هذا شعب الطلسقة.. هذا شعب...»، ربما رددت الحوار الذى تخيلته كى أطرده من تفكيرى. فكم سمعت مثل هذه الأقوال وأيدتها، ولو ضمنيا، من فرط تأثيرها علينا. الآن أود حقا أن نبعد هذه الصفات والنعوت عن أنفسنا. أود أنه حتى لو كان يوم العمل لدينا فعليا ٤ ساعات، أن تكون ساعات حركة ونشاط وإنجاز. فلنبدأ بتغيير الصورة الذهنية الذاتية عن أنفسنا، ولنحمس بعضنا البعض على العمل المُتقَن بالترغيب والإشادة بالجودة وتأكيد الثقة لمن حولنا فى أنهم قادرون، موهوبون. فكم تستطيع كلمة تشجيع أن تجعل شخصا يصنع إنجازات ما كان له أن يتخيلها لولا إيمان شخص آخر به.
الآن، وتحديدا بخصوص من يعمل بيده، أذكر حديثى مع طبيب جراح عبرت له عن تقديرى للعامل الكفء، نظرا لقدرته على حل مشكلات ليس باستطاعتى حلها. قال لى الطبيب الذى قدّرت له تصوره: العمال هم دكاترة «البيئة المبنية
The Built Environment».
نحن نُشيًّد مبانى، ويجب أن يكون لها سباك، وهو دكتور مسالك المبنى، ولها نجار، وهو دكتور عظام المبنى، ولها كهربائى وهو دكتور أعصاب المبنى! إذا نظرنا إلى عُمالنا هكذا فسنُدرك كم هم موهوبون وأذكياء ووظائفهم غاية فى الأهمية. وبالتالى نهتم بحقوقهم فى حياة كريمة وصحية وآمنة.
اليوم أعيّد على كل من يعمل. وأعتذر لعمالنا الذين حاول البعض إقصاءهم إعلاميا بمصطلح «مطالب فئوية» الذى نجح إلى حد ما فى تهميش مطالبهم المشروعة وإحباط قدرتهم على «التفاوض» الذى نُنصح به «نحن» مَنْ نَشغل وظائف بعينها، ولا تُقبل منهم «هم». قد أختلف بخصوص التوقيتات والاستراتيجيات للقيام بعمل احتجاجى جماعى فى وقت محدد من عدمه، لكن لا أختلف على مبدأ المطالبة بالحقوق والسعى للحصول عليها، وفق خطة واستراتيجية بعيدة المدى. فى الأخير، أعتقد أن لُب «العدالة الاجتماعية» هو أن نحترم كل من يعمل وأن نُكافئ ماديا وبيئيا ومعنويا قوتنا العاملة.