من آيات الله في الأمطار
دار الجدل حول موضوع المطر والسحاب والرياح بين ثقافتين.
الثقافة الأولى: ثقافة عهود الانحطاط التي جمدت أفكارها، وقصر فهمها، وغلبت عليها السطحية. ومن تلك السطحية تصورهم أن المطر ينزل من ثقوب عديدة لخزانات كبيرة في السماء وهذا إلغاء لدور السحب والرياح التي ذكرتها الآيات القرآنية.
والثقافة الثانية: ثقافة عهود الاستعمار. وهي الثقافة التي ظهرت عندما تقدم العلم التجريبي، ونشأ في بيئة إلحادية تسعى إلى اعتساف الظواهر الكونية وتقديمها في صورة بعيدة عن الدلالات الإيمانية. إذ كلما اكتشفوا سنة من السُنن الإلهية ألبسوها ثوب زور من الإلحاد والتضليل! ولكونهم أصحاب هذه الاكتشافات وثق الناس بتفسيراتهم، ففسروها بما تهوى أنفسهم وبما يمليه عليهم جهلهم وعداؤهم للأديان وأهلها.
ومن ذلك قولهم: إن المطر شئ طبيعي، وهو عبارة عن حرارة تسخن مياه البحار، فالجزيئات الساخنة من الماء على سطح البحر تتحرر من قوة الترابط بالماء فيخف وزنها فتطير بخاراً في الهواء، ثم تأتي الرياح فتحرك هذا البخار وتسوقه إلى مناطق باردة في الجو فيتكثف مكوناً السحاب، ثم تثقل القطرات بزيادة حجمها فينزل المطر. ونتيجة لهذه العملية تحدث شحنات كهربية فتكون البرق والرعد. ويقولون عن هذه الأمور كلها شئ طبيعي؟!
فهذا التفسير لهذه السنن الإلهية جعل بعض المسلمين يتخذون موقفاً متعجلاً بقبوله وبعضهم يتخذ موقفاً رافضاً له جملة وتفصيلاً، فهيا لننظر إلى هذه الآيات وما تدل عليه من الحقائق والدلائل.
تكون السحاب
تقوم حرارة الشمس بتبخير ماء البحر فيصعد إلى السماء ماءً عذباً سائغاً. ولكن هذا البخار لا يستمر في صعوده ليصب في القمر أو المريخ، فليس المقصود أن يصب هناك إنما المقصود أن يصب غيثاً لعباد الله في أواسط القارات وشتى أجزائها، لأن الحاجة ماسة إليه هناك. وقد قدر الله نظاماً محكماً وقدْراً دقيقاً من الحرارة يصير به ماء البحر غيثاً لعباده، فلو زادت حرارة الشمس قليلاً لتبخرت مياه البحار كلها، لكنها حرارة مقدرة بقدر معين.
ولو كانت أسطح البحار أقل مساحة مما هي عليه الآن (3/4 اليابسة) لكانت الأمطار أقل مما هي عليه إذ تنقص كمية الأمطار كلما نقصت مساحة أسطح البحار، فوجود سطح واسع من البحار بهذا المقدار يتناسب مع القدر المطلوب من الأمطار على سطح اليابسة. وكل عام ترفع الطاقة الشمسية، بإذن الله، حوالي 400.000 كيلومتر مكعب من الرطوبة، يسقط ثلثاها ثانية فوق المحيطات بينما يصل الباقي إلى اليابسة في صورة أمطار أو ثلوج أو برد أو ندى.
سنن الله في تكوين ماء المطر العذب:
1- سنة الرفع والإيقاف والتحلية
لقد جعل الله سبحانه وتعالى حرارة الشمس والرياح سبباً في رفع بخار الماء من البحار إلى ما فوق مستوى الجبال وذلك لكي لا تعوق الجبال انتقال الماء من فوق البحر إلى أواسط القارات، ولكي تتكاثف جزيئاته مكونة السحاب.
وجعل الله تعالى لارتفاع بخار الماء هذا حداً يقف عنده ولا يجاوزه إلى آفاق الكون لكي لا يغادر الأرض إلى غير رجعة. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (المؤمنون:18). ورفع الله ماء البحر بخاراً ولم يرفع معه الملح الذي يختلط به كي لا يضر ذلك الملح بالإنسان والحيوان والنبات، ولو شربنا منه وهو ملح أجاج أو سقينا منه زرعنا لأهلكنا وأهلك الزرع والحيوان.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)} (الواقعة:68-70). وأجاجاً أي ملحاً.
2- سنة تجميع بخار الماء
إن بخار الماء خفيف يتصاعد إلى أعلى ولا يرى إلا إذا تكثف، فيرسل الله الرياح محملة بذرات الدخان والأتربة وحبوب اللقاح وغيرها من نويات التكاثف، فتتلقح جزيئات بخار الماء بها فتستثيرها، فيتجمع بخار الماء حول تلك الجزيئات مكوناً أغلفة مائية فتتكون قطيرات مائية يمكن رؤيتها فنشاهدها سحاباً. وبازدياد نمو تلك القطيرات تتحول إلى قطرات ثقيلة فتنزل مطراً. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الروم:48).
3- سنة سوق السحب
وهناك سنة إلهية ثالثة وهي سنة نقل هذا الماء من فوق البحار إلى أعماق القارات وذلك بواسطة الرياح التي تسوق السحب دون أن تتقاضى من الناس ثمناً أو أجراً، لأنها مسخرة لهم بأمر الله جل وعلا. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57). فهذه الآية تحدثنا عن نقل الرياح للسحب، وأنها هي التي تسوقها بأمر الله سبحانه وتعالى {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}.
وقد ثبت أن هناك مناطق صحراوية مجدبة تحولت إلى مناطق زراعية. وكما أن الله حول تلك المناطق الميتة إلى أرض حية فإن الله يبعث الموتى كذلك بإنزال مطر من السماء تنبت منه أجساد الآدميين. قال تعالى: {…فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57).
انظر إلى الحكمة في تقدير الرياح، إنها تسير وفق أقدار محكمة ومقصودة، بحيث يكون قدرها وسرعتها مناسبين جداً لاستثارة السحب ونقلها، ولا تكون مدمرة. ولقد أرانا الله عبرة ببعض العواصف والأعاصير المدمرة التي تبلغ سرعتها خمسة وسبعين ميلاً في الساعة، أما لو بلغت سرعة سير الرياح مائتي ميل في الساعة لما أبقت شيئاً على الأرض إلا ودمرته.
ولتعلم آثار رحمة الله عليك فاعلم أن هذه الرياح الفائقة السرعة موجودة في الأرض فوق رأسك، والمسافة بينك وبينها خمسة أميال فقط، حيث توجد منطقة اسمها منطقة التيار النفاث. فالرياح التي تسير بسرعة مائتي ميل في الساعة على ارتفاع خمسة أميال فوق سطح البحر لو اقتربت من سطح الأرض لاختل نظام الحياة، واختل النظام الذي يسير عليه المطر.
ولو كانت المنطقة رقم ثلاثة بدلاً من المنطقة رقم واحد الموجودة على سطح الأرض لما تحرك ماء إلى داخل القارات ولظلت الأمطار فوق البحر ولمات الناس والأنعام والزرع عطشاً. فانظر إلى التدبير الحكيم في هذه الأرض.
4- سنة إنزال المطر
إن السحاب المسخر بين السماء والأرض تعادلت فيه قوة الجاذبية التي تجذبه إلى أسفل مع قوة الرفع التي ترفعه إلى أعلى، ولو استمر هذا التعادل بين القوتين لما نزلت قطرة ماء واحدة ولكن الله جل وعلا يرسل الرياح لحمل السحاب إلى ارتفاعات أكثر برودة فيزداد التكثيف ويزداد حجم القطرات ويتبارك الماء في تلك القطرات ويزداد ثقلها فتتغلب الجاذبية على قوة الرفع فينزل المطر بقدرته سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57). ولكي لا ينزل الماء كتلة واحدة فقد جعل الله سنة التوتر السطحي في قطرات الماء سبباً في نزوله على شكل قطرات صغيرة حتى لا يحدث الدمار على سطح الأرض.
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]