الدراسة الأخيرة للباحثين من المركز الطبي لجامعة ستانفورد الأميركية لم تتمكن من إثبات تلك الجدوى المحتملة لأحد العقاقير في معالجة حالات جنون الاختلاس.
وهوس السرقة ذات الدافع الذي لا يُقاوم، «كليبتومانيا» kleptomania، أو ما تُترجمه معاجم اللغة العربية بحالات الدغر.
لكن نتائج الدراسة أبقت الأبواب مفتوحة لاحتمال أن يكون ثمة علاج دوائي مفيد لهذه الحالات من أنواع السرقة الشائعة بشكل متفاوت ونسبي في المجتمعات المختلفة في العالم.
وحالة كليبتومانيا في الإقدام على السرقة والممتزجة بالشعور بالذنب إزاء اقترافها، متجهة نحو سرقة أشياء غير ثمينة وغير لازمة لمن يسرقها ومما لا يُرجى من وراء الاستيلاء عليها أي منفعة مادية ببيعها أو استخدامها.
وغالباً لا يلجأ المُصابون بهذه الحالة إلى طلب العون الطبي خوفاً من تبعات الاعتراف باقتراف تلك السرقات وتداعياتها القانونية.
وهي حالة مختلفة عن حالات سرقة المعروضات في المحال التجارية shoplifting .
وبالرغم من إشارة الموسوعة البريطانية وبعض المصادر الطبية إلي أن حالات كليبتومانيا غير شائعة، بل ونادرة، إلا أن باحثي جامعة ستافورد، ومصادر طبية أخرى، يُشيرون إلي أن أكثر من 2.1 مليون شخص يُعانون من هذه الحالة في الولايات المتحدة وحدها.
والتتبع في البحث والاستقراء للدراسات الطبية، وحتى القانونية، لا يُعطينا أي تصور عن جانبين مهمين لها: الأول حجم تأثير هذه المشكلة النفسية الاجتماعية القانونية على منْ يُعانون منها، والثاني مدى انتشارها بين الناس في كافة أنحاء العالم.
ولذا تكتسب حالة كليبتومانيا اهتماماً طبياً واجتماعياً وقانونياً نظراً لثلاثة عناصر.
الأول هو اعتماد قوانين كثير من الدول معاقبة مقترفي السرقة المُصابين حقيقة بهذا الاضطراب في السيطرة على السلوك، أي أسوة بغيرهم من المجرمين.
وهو أمر لا يزال من ناحية الطب النفسي محل نقاش من جانب مدى قدرة المُصاب على منع نفسه بذاته ودون أية معالجة من ارتكاب حماقة كهذه.
وبالتالي فإن السؤال هو، تطبيق عقوبة اقتراف السرقة تحت سيطرة الإصابة بهذه الحالة هو على ماذا؟
بمعنى ما هو مبرر العقوبة من الناحية النفسية، وليس من ناحية الحق العام أو الخاص للآخرين، وما هي جدواها في تعديل سلوكيات المُصاب؟ وهو جدل سبق أن أُثير قبل بضع سنوات إبان اتهام النجمة السينمائية وينونا رايدر بالسرقة.
وما طرحته أيضاً العديد من الكتب القصصية والأفلام الروائية، خصوصاً مع الأخذ في عين الاعتبار أن المصادر الطبية تُؤكد أن غالبية المُصابين الحقيقيين بهذه الحالة النفسية يخشون من مراجعة الأطباء أو التصريح بمعاناتهم منها لأسباب شتى، وتحديداً إذا نظرنا إلى الأغنياء والميسورين والمشهورين المُصابين بتلك الحالة.
والثاني وضع أسس واضحة ومميزة لتعريف منْ من السارقين مُصاب بهذه الحالة، وهو ما يدل عليه أن العديد من المصادر الطبية لا تزال تقول بأن المصابين الحقيقيين بحالة كليبتومانيا هم في الواقع قليلون جداً ولا يُشكلون سوى نسبة ضئيلة بين جمهور السارقين. والثالث هو كيفية معالجة هذه الحالات.
دراسة وعقار وبحثت دراسة المركز الطبي بجامعة ستانفورد في جدوى تناول عقار إستالوبرام escitalopram، المعروف تجارياً باسم ليكسابرو Lexapro . وهو أحد الأدوية المنتمية إلي فئة مضادات الاكتئاب، التي تعمل عبر التثبيط الانتقائي لإعادة أخذ مركبات سيروتونين من قبل خلايا الدماغ.
وكانت دراسات سابقة قد أثبتت جدوى هذا العقار في بعض من حالات أنواع اضطراب السيطرة، كما أن دراسة سابقة أثبتت جدواه في معالجة حالات هوس السرقة.
وهو ما بلغ نسبة النجاح فيه حوالي 78%. إلا أنها دراسة لم يُتبع في إجرائها معايير دقيقة، ما تطلب إعادتها وفق ضوابط بحثية أدق للتأكد من دقة النتائج كي يُمكن للأطباء الاستفادة منها في معرفة جدوى هذا العقار لتلك الغاية تحديداً.
وهو ما تم بالفعل إجرائه على عدد صغير، لا يتجاوز 15 شخصا، من المصابين بهذه الحالة.
وتبين بالمحصلة عدم جدوى ذلك وفق ما تم نشره في عدد مارس من مجلة علم الطب النفسي الإكلينيكي.
وقال البروفسور لورين كوران، الباحث الرئيسي في الدراسة وطبيب علوم النفسية والسلوك، انه يتم في البحث توزيع عشوائي بين ما يتناوله المشاركون في الدراسة، إما للعقار المراد دراسة تأثيره أو للعقار المزيف.
وحينما يتبين أن نسبة الانتكاس والارتداد فيمن تحسنوا بعد تناول أي منهما هي نسبة واحدة، فإن ذلك معناه أن التحسن الذي ظهر لدى البعض عند تناول العقار الحقيقي في أول الأمر لا يختلف عن تأثير العقار المزيف.
وأضاف أن صغر عدد المشاركين في الدراسة لم يُتح الفرصة لمعرفة تأثير العقار، ما دفعه إلى القول بأن الحاجة تدعو إلي دراسة أوسع للتأكد من الفائدة أو عدمها.
والذي يبدو أن الباحثين اعتقدوا أن النتائج السابقة المشجعة جداً هي حقيقية، ما جعلهم لا يتوسعون في عدد المشمولين في دراسة التأكيد للنتائج الثانية.
والواقع أنه لا ضير طالما ان الأمر يظل ضمن التجارب والدراسة، وطالما أن الباحثين أنفسهم لم يبنوا نصائح غير سليمة على النتائج التي توصلوا إليها.
وهذه الشفافية تُحسب كشيء إيجابي في ذكر النتائج الحقيقية من قبل الباحثين وأيضاً من قبل الشركة المنتجة لهذا العقار التي دعمت مالياً إجراء الدراسة.
والواقع أن كثيراً من شركات إنتاج الأدوية لا تعتمد معايير الشفافية في ذكر حقائق النتائج والابتعاد عن سلوك لي أعناق نتائج الدراسات نحو فوائد غير واقعية وغير عملية.
لذا تظل الرغبة العلمية قائمة في استمرار البحث عن حل علاجي لهذه المشكلة النفسية سواء بهذا العقار أو غيره.
وهو ما أكده البروفسور كوران بالقول إن الناس المصابين بهذه الحالة يحتاجون بلا شك إلي معالجة، ما يعني بالمحصلة ثلاثة أمور مهمة: الأول أن حالات كليبتومنيا هي حالات حقيقية، أي ليست مما قد يدعي البعض وهم معاناته منها.
والثاني اتجاه الوسط الطبي نحو ضرورة إيجاد علاج لها. والثالث أن يكون العلاج بالأدوية، أي ليكون أكثر فائدة من العلاج النفسي السلوكي أو العائلي، الذي لم يُفلح لدى جانب من المرضى.
حالات كليبتومانيا وتُعرف المصادر الطبية حالة كليبتومينيا بأنها عدم القدرة على مقاومة اندفاع الرغبة في سرقة أشياء ليس بالضرورة أن يكون السارق بحاجة إلى استخدامها، ولا أن تتم سرقتها بهدف الحصول على الربح المالي.