أما نعيم الجنة فإنه لا يزول ولا ينقطع ولا يمل شيء مما فيها، {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها}، فلا يملون شيئا مما فيها، بحال من الأحوال، ولا ينقطع شيء من ملذاتها، فاللذة الأولى التي ينالها الإنسان عندما يصل إليه شيء من روحها وريحانها تستمر ولو جاء بعدها مليارات الملذات كل ملذة تبقى ردفا للأخرى دون انقطاع، فلا ينقطع شيء من نعيمها، إن أولئك القوم حين صدقوا بهذا وشربته قلوبهم، وكتب الله الإيمان في قلوبهم، عرفوا أن ما يتنافس الناس فيه لا يساوي شيئا، وأن الذين ينشغلون به هم الذين ينشغلون بالتوافه الفانية فرأوهم على قدر هممهم، فمن كان همه مقصورا على هذه الحياة الدنيا وزخارفها الفانية فإن همته نازلة ضعيفة إنما يهتم بالحضيض المملول الزائل ولذلك لو أراد الإنسان أن يعرف قيمة ما يتنافس الناس عليه في الدنيا فلينظر إلى القمامات، فسيجد نماذج كل ما يتنافس الناس عليه، يتنافس الناس على المباني الشاهقة وستحطم بعد سنوات قليلة وتجد حطامها في القمامات، يتنافسون على الملابس الجميلة والفرش الوثيرة، وستجد بقاياها مرمية في القمامات، يتنافسون على المآكل والمشارب وغير ذلك وستجد آثارها مرمية في القمامات، يتنافسون على السيارات أوالطائرات أوغير ذلك، وستجد بقاياها مرمية في القمامات، إن الدنيا هكذا كلها، وقد صح عن النبي r أنه قال: كان حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، لهذا احتجنا إلى أن نراجع قليلا هذا الأصل من أصول التصور وهو أصل مبتغى العزة من أين تطلب وما هي وسيلة الوصول إليها؟
إن الإنسان أول ما ينبغي أن يتصوره أنه عبد مملوك لله، وأنه موظف في مهمة محددة، وأن عليه الرقابة التي لا يفوتها شيء، لا يمكن أن يخفي شيئا من شؤون نفسه عن الله، وأن له أمدا محددا ووقتا محددا إذا لم يؤد فيه المهمة فلا يمكن أن يتداركها أبدا، إذا عرف الإنسان هذا عرف أنه هنا ما جاء إلى هذه الحياة الدنيا ليعيش أبدا سرمدا ولا جاءها ليبقى أبد الآبدين، ولا جاءها لتكون داره الباقية، إنما جاءها ليجعلها زادا يتزود به في رحلته إلى الدار الآخرة، ومن هنا فسيحرص على ما هنالك وعلى ما أمامه، وسيعامل هذه الدنيا معاملته لشجرة يقيل تحتها ينتظر زوال الشمس أو دلوكها ليخرج في سفره الطويل، قال رسول الله r: ما لي ومال الدنيا، إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة، فالدنيا هكذا هي مثل ظل الشجرة يستظل تحته الإنسان ليقيه حر الهاجرة لكنه وهو مسافر لا يمكن أن يركن إليه ويستقر فيه بل لا بد أن يقطع المسافة في الوقت المحدد، إن الذي يريد العزة لا بد أن يتحرر من الأغيار كلها وأن يكون عبدا خالصا لله، فما دام الإنسان يجد في نفسه ركونا وميلا ومحبة لشيء مما في هذه الدنيا حبا غير طبيعي بمعنى الحب الذي يقتضي تجاوزا لكل القناعات والتصورات فليعلم أنه لا يمكن أن ينال العزة بذلك بل ما زال رقيقا ذليلا لشيء من الدنيا الفانية وما دام يستجيب للضغوط في هذه الحياة وتأخذه في الله لومة لائم، يخاف من أحد سوى الله، يتذكر أن عقوبة ستحل به من أحد غير الله فإنه لا ينال هذه العزة، ألا ترون إلى الموقف العزيز الذي وقفه إبراهيم عندما كاد له أهل الأرض جميعا وأولهم أبوه وأعمامه وأقاربه، فألهمه الله الحجة عليهم وأظهره، {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم}، فإنهم عندما جاجوه قالوا له: نحن نملك كل شيء وسنوقد لك النار ونرميك فيها ولن تؤثر في شيء من أمورنا ولن تغير شيئا من قناعاتنا، فماذا كان جواب إبراهيم: {قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}، إنها الحجة البالغة التي ألهمه الله فقطعت على أولئك القوم كل ما كانوا يلهجون به من الحجج وكل ما كانوا يفكرون فيه من آلياتهم وقوتهم المادية فإن إبراهيم ذكر لهم علاقته بالله وتوكله عليه، وهذه العزة أيضا ظهرت في تجل آخر لموسى عليه السلام عندما خرج ببني إسرائيل يسري بهم ليلا هجرة في سبيل الله، فلما طلع الفجر إذا البحر من أمامهم، وإذا فرعون وجنوده من ورائهم، فقال له أصحابه: {إنا لمدركون}، فماذا كان موقف موسى؟ قال بكل ثقة وطمأنينة: {كلا إن معي ربي سيهدين}، وقد شاهد قومه ذلك عندما أمره الله أن يأخذ تلك العصا النحيلة النحيفة فيضرب بها البحر فينفلق البحر، ويكون أطوادا كالجبال العظيمة، ويسلك موسى وقومه طريقا في البحر يبسا {لا تخاف دركا ولا تخشى}، ويتبعه فرعون بجنوده حتى إذا توسطوا البحر اغتلم وفاض فابتلعهم ولم يترك منهم أية باقية، ونجد هذا الموقف أيضا يتكرر مع محمد r وأصحابه، عندما أتاهم نعيم بن مسعود، فقال: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله}، إن الذي يصل إلى مقام التوكل على الله سبحانه وتعالى وتمام الثقة به هو العزيز الذي لا يعتري عزته أي تراجع، لأنه يعلم أن عزته من عزة الله الباقية الخالدة، وقد كتب الله هذه العزة للسالكين لهذا الطريق، فليست خاصة بأشخاص فلا يمكن أن يقول إنسان كانت تلك المواقف لأولئك الأنبياء وقد انتهت، بل هذا الحال متكرر مستمر كل مؤمن مكلف يؤمن بالله ويرضى به ربا يتكرر معه الموقف نفسه إذا تراكمت الضغوط وجمع أهل الدنيا قواهم وحشروها، فإن كان هو صاحب عزة بالله فإنه سيقول ما قال نوح: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون}، ويقول ما قال هود {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}، وبذلك سيرى أن الأرواح كلها بيد الله سبحانه وتعالى متى شاء قبضها ومتى شاء أرسلها، {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}، ويعلم أن القلوب أيضا بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]