والإعاقة مظهر من مظاهر الابتلاء التي يمتحن الله عز وجل بها قلوب المؤمنين، فمن صبر عليها كان له الثواب الجزيل يوم القيامة. قال تعالى " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن" (الفجر: 15-16)، وقال سبحانه وتعالى " إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا أنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا" (الإنسان: 2-3) ، وقال رب العزة والجلال " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم" (محمد: 31)، كما قال تعالى " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" (البقرة: 155-156). وهذه الآيات تبين موقف الإسلام العام من الأمراض والإعاقات وهو القبول والرضا عملاً بقوله تعالى " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا" (النساء: 19). وما قصة مرض نبي الله أيوب عليه السلام بغريبة على الجميع حيث كانت ابتلاء له جزاه الله به خيراً عندما صبر واحتسب ، فقد قال الله عز وجل " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم" وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أصابه خير شكر وإن أصابه شر صبر" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته فيهما الجنة". رواه البخاري، ويعني بحبيبتيه "عينيه" .
وقد جاء في تفسير ابن كثير لقول تعالى " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أست بربكم .... الآية" (الأعراف: 172)، أن أبي هريرة رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الأجذم، والأبرص، والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ فقال عز وجل: كي تشكر نعمتي"
وابتلاء الله لعبده في الدنيا ليس دائماً نتيجة لسخط الله عليه عز وجل ، بل قد يكون لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، قال تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربهُ بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" (البقرة: 124). فإذا تلقى الإنسان ذلك البلاء بالرضا والصبر نال رضا الرب وحقق المراد بالإيمان الصادق بقضاء الله وقدره. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال " إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلا، كان شكر تلك النعمة " أخرجه الطبراني والترمذي.
ومن المفترض أن يُلفت ابتلاء الله لعبده بالإعاقة انتباه المؤمنين المحيطين به ويساعدهم على التعلق أكثر بالطاعات من تلاوة قرآن وصلاة وفعل النوافل، وشكر وحمد الله عز وجل على نعمه التي أنعم بها عليهم وجنبهم ذلك النقص، وبهذا يخلصون التوجه إلى الله تعالى بالرجاء والدعاء، فتكون الإعاقة بذلك سبيلاً لتكفير الذنوب والسيئات والخطايا، ففي حديث للرسول صلى الله عليه وسلم رواه سعد بن أبي وقاص أنه قال " فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة" رواه ابن ماجه. وقال الله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" (فصلت: 53).
وكما هو معروف ومتداول أن رعاية المعوقين قد مرت بمراحل عديدة متباينة عبر الأزمنة التاريخية المتلاحقة والحضارات المتعاقبة، حيث تأرجحت الرعاية ما بين الرفض والعزل التام والاندماج في طبقات المجتمع المختلفة. لقد ظل المعوقون لفترة طويلة عرضة للسخرية وسوء المعاملة والاضطهاد الذي وصل في بعض المجتمعات القديمة إلى درجة استخدام أساليب وحشية في تعذيبهم وقتلهم، أو حرمانهم من كافة حقوقهم وواجباتهم. غير أن ظهور الأديان السماوية، وخاصة الدين الإسلامي بدل تلك النظرة الدونية والاتجاهات السلبية للمجتمعات تجاه المعوقين حيث ظهر تفهم تلك المجتمعات لحالات الإعاقة، وبدا مظهر من مظاهر التقبل وكفل الحقوق عندما بزغت فكرة إنشاء الملاجئ التي توفر للمعوقين والمعوزين والعجزة المأوى والغذاء والكساء وبعض مظاهر العلاج البسيط .
ومن أبرز الشواهد على حرص الإسلام والمسلمين على رعاية كافة فئات المعوقين ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عندما مر على قوم مجذومين من النصارى وهو في طريقة إلى الشام، أمر بان ينفق عليهم من بيت المال وأن يُجعل لكل واحد منهم من يخدمه ويقوم على شؤونه. وكذل ما جاء عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه عند ما خصص للأعمى قائداً وللعاجز خادماً، تجري نفقاتهم جميعاً من بيت المال. وقد أنشأ الوليد بن عبدالملك ديواناً خاصاً لهذه الفئة في دمشق أسماه "ديوان المرضى".
بيد أن الاتجاهات السلبية من قبل أفراد المجتمعات المختلفة لم تتبدل تجاه المعوقين إلا مع تطور المفاهيم الحديثة في التربية الخاصة، وتطبيق أساليب الدمج المختلفة التي أعطت لأفراد هذه الفئة الحقوق المسلوبة وجعلتهم يجلسون جنباً إلى جنب مع أقرانهم العاديين، وهذا الوضع ليس بجديد على المجتمع الإسلامي الذي آخى بين الحر والعبد والأبيض والأسود والفقير والغني والضعيف والقوي حين قال الله تعالى " .... إنما المؤمنون إخوة.... الآية" (الحجرات: 10)، وقال جل وعلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات: 13). وأكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الاتجاه الإنساني حين قال " أبغوني في الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" .
والوقاية من الإعاقات من أبرز المفاهيم الأساسية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة التي لم يغفل عنها التشريع الإسلامي، بل وكان الرأي فيها صريحاً لتجنيب المجتمع الإسلامي الضعف الناتج عنها. أضف إلى ذلك المكانة العظيمة للأبناء في نفوس آبائهم حيث قال تعالى " المال والبنون زينة الحياة الدنيا.... الآية" (الكهف: 46).
الوقاية من الإعاقة في التشريع الإسلامي:
الوقاية في اللغة بمعنى الصون والسترة عن الأذى، أي حفظ الشيء من التلف أو الآفات الضارة، وحماه منها، قال تعالى "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا" (الإنسان:11)، وقال عز وجل " فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم" (الطور:18)، وقال تعالى " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم" (الدخان: 56)، أي حماهم وستر عنهم عذاب النار. وقال رب العزة والجلال " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم... الآية" (النحل: 81)، ويقول عز وجل " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة... الآية" (التحريم: 6)، بمعنى صيانتهم وسترهم عن نار جهنم.
وقد وردت كلمة وقاية في القرآن الكريم بألفاظ عدة وفي مواضع كثيرة لتؤكد فريضة حماية الإنسان لنفسه ومن يعولهم من جزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأن السبيل إلى ذلك هو تجنب المعاصي وترك الشهوات والالتزام بأوامر الله وطاعته والتقرب منه في السر والعلن، قال تعالى " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً فقنا عذاب النار" (آل عمران: 190-191).
وتعرف الوقاية اصطلاحاً بأنها مجموعة الإجراءات والخدمات المقصودة والمنظمة، التي تهدف إلى الحيلولة دون/ أو الإقلال من حدوث الخلل أو القصور المؤدي إلى عجز في الوظائف الفسيولوجية أو السيكولوجية، والحد من الآثار السلبية المترتبة على حالات العجز، بهدف إتاحة الفرصة للفرد لكي يحقق أقصى درجة ممكنة من التفاعل المثمر مع بيئته، بأقل درجة ممكنة من المحددات، وتوفير الفرصة له لأن يحقق حياة أقرب ما تكون إلى حياة العاديين. هذا يعني أن إجراءات الوقاية من الإعاقة لا تقتصر على الحيلولة أو التقليل من احتمالات حدوث الإصابة وحسب، بل يجب أن تشتمل على إجراءات أخرى للحيلولة دون تطور الإصابة إلى حالة من العجز، أو تطور العجز إلى حالة من الإعاقة. وعلى هذا الأساس فإن إجراءات الوقاية قد تكون ذات طابع طبي أو اجتماعي أو تربوي أو تأهيلي .
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]