إنهم استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للتخلف عن الجهاد مع قدرتهم، وسعة ما بأيديهم، ثم ها هم يفرحون بهذا الخزي، ويظنونه نعمة -نعوذ بالله من الخذلان-؛ ذلك بأنهم كرهوا الخير، كرهوا الجهاد، كرهوا البذل والتضحية في سبيل الله.
إنهم أهل كفر ونفاق، وقد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، لا يفقهون الخير والإيمان، ولا يعرفون سنن الله الكونية والشرعية.
بل استمع إليهم فرحين أنهم لم يشهدوا ذلك مع المؤمنين (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً)(النساء:72).
فيعدون التخلف عن الجهاد نعمة والخذلان الذين هم فيه رخاء! قال -تعالى-: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)(آل عمران:179).
اسمع: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)(التوبة:46)، ما منعهم أن يستعدوا للجهاد؟!
وبيـَّن -سبحانه وتعالى- كراهته لخروجهم في صفوف المؤمنين، والحمد لله أنهم لم يخرجوا ولم يقاتلوا... لماذا؟! (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(التوبة:47).
إنها نعمة من الله -تعالى- ألا يشارك المنافقون في الحرب ولا يعلنونها، كيف لا وهم سبب التخذيل والهزائم والفتنة والشرك والشك؟!
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا)(التوبة:49)، يتعلل بخوف الفتنة على نفسه، وقد وقع فيما هو أعظم فتنةً، وهي البراء من نصرة الدين، والولاء للشيطان وحزبه من حيث يشعر أو لا يشعر.
ثم يبين -تعالى- فرحهم بمصاب المؤمنين وحزنهم لانتصارهم (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)(التوبة:50).
إن لهم صفات دائمة: (كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ)(التوبة:54).
وتمضي بنا السورة لتبين كذبهم وحلفهم الباطل أنهم من المؤمنين وما هم منهم، وإنهم أهل جبن يريدون الفرار، وإنهم يؤذون الله ورسوله والمؤمنين، وإنهم إذا اجتمعوا استهزءوا بالله وآياته ورسوله، وإنهم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويعاهدون ولا يوفون.
فبينما المؤمنون تتقطع قلوبهم لما يصيب إخوانهم، ويبكون على فوات الخير والجهاد في سبيل الله؛ إذ بالمنافقين على العكس تماما، بل إنهم ليفرحون بجبنهم وتخلفهم.
وبين الله -تعالى- فرحهم بالتخلف عن الجهاد؛ لأنهم لا يؤمنون (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ . فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(التوبة:81-82).
قال -تعالى-: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)(التوبة:92). انظر إلى ثناء الله عليهم، فالله يعذرهم بأنهم ليس عليهم سبيل وقد أدوا ما عليهم.
إنهم يبكون على فوات الجهاد والخير، وتأمل.. لم يبكوا أمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل تولوا وأعينهم تفيض من الدمع، فهذا دليل على الصدق والإخلاص.
ثم إنهم يبكون حزنا -حقا يبكون حزنا- ليس تكلفا ولا رياء، تتحرق قلوبهم على فوات البذل والتضحية في سبيل الله، إنها صفحة رائعة من صدق وإخلاص المؤمنين.
وقد تسأل: لمَ هذا الإطناب في ذكر المنافقين؟
أقول لك: لأنهم يتدسسون في صفوف المؤمنين، ويلبسون زيـّهم، ويتسمون بأسمائهم، وربما يصلون في مساجدهم، وربما يظهرون التعظيم لدينهم، ويدعون أنهم منهم، وينطلي حالهم على كثير من المسلمين حَسَنِي النية، وطيبي القلب، فيـُخدعون بهم، ومن ثمَّ يطالبونهم بنصرة الإسلام وأهل الإسلام.
فالحذرَ الحذرَ من أولئك! إنهم أكبر أسباب الخبال والهزيمة (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)(آل عمران:126).
فنعوذ بالله من النفاق وأهله، ونسأل الله أن يقينا وأمتنا شر النفاق والمنافقين، والحمد لله رب العالمين.
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]