بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد فإن الله فطر الإنسان على حب العزة، فهو يسعى للوصول إليها بشتى الطرق وبكل الوسائل، لكن هذه العزة لها أسباب موصلة إليها ولا تنال بدونها، وكثير من الناس يبحث عنها في غير محلها ويطلبها في غير مُتَطَلَّبِها، فجمهور الطالبين للعزة يبغونها بأمور الدنيا الفانية بما فيها من سلطان ووسائل قوة عاتية، وبما فيها كذلك من ملك وكثرة وثروة وغير ذلك، وهذه كلها ليست أسبابا للعزة، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه نصا بقوله: {أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}، فالعزة كلها لله سبحانه وتعالى، وإنما ينال المخلوق العزة بالاتصال بالخالق سبحانه وتعالى والاعتماد عليه والتوكل عليه سبحانه وتعالى وحده، ولهذا قال الله تعالى، {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون}، فالمنافقون كانوا يظنون أن الفقراء من المهاجرين الذين ليس لهم وطن ولا مال وليسوا في ديارهم وقد أخرجهم أحب الناس إليهم وأولاهم بهم ليس لهم حق في العزة، ولذلك قالوا في غزوة بني المصطلق: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}، فيظنون أن هؤلاء الفقراء الذين امتدحهم الله بالفقر وأثنى عليهم به في كتابه ليس لهم ملجأ وليست لهم عزة، ولا يمكن إلا أن يخرجوا من هذه المدينة بعزة المنافقين الذين لهم المال والأولاد والمكانة الاجتماعية، لكن الله سبحانه وتعالى بدد هذا الرأي ورد على زاعميه وأبطله بالكلية، فرسول الله r هو من المهاجرين، وقد خيره الله بين أن يكون نبيا ملكا وأن يكون نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا، وكان يسكن في حجر لو قام الرجل للامست يده سقفها، وينام على حصير يؤثر في جنبه بأبي هو وأمي r، فإذا استيقظ إذا أثر العيدان في أضلعه بأبي هو وأمي r، ويمكث ثلاثة أشهر تباعا لا توقد في بيوته نار،ويجتمع على عداوته أهل الأرض جميعا فيرد الله كيدهم في نحورهم ولا ينالون منه أي نيل، وينال هو ما كتب الله له وما تعهد له به من النصرة والتمكين، إن رأي المنافقين رأي داحض لكنهم عبروا عنه في عدة مواقف، فعندما كان يوم الأحزاب وحوصر رسول الله r والمؤمنون بين لابتي المدينة وهم نفر قليل لا يتجاوزون ألفا وخمسمائة رجل، وليس لهم أي مدد خارجي، وقد جاءهم الكفار من أهل جزيرة العرب من المشركين من فوقهم، وجاء اليهود من أسفل منهم ووصف الله ذلك الموقف بالوصف العظيم إذ قال: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}، عبر المنافقون عن هذا الموقف فقالوا فيما حكى الله عنهم: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}، فقالوا: يزعم محمد أنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وقيصر، وها أنتم اليوم لا يستطيع أحد منكم أن يخرج لقضاء حاجته، فلم تمض ست سنوات حتى فتح الله كنوز كسرى وقيصر على أولئك الفقراء المحصورين في المدينة وأنفقت في سبيل الله، فعلم أن زعم المنافقين داحض باطل، وأن ما كانوا يتوقعونه من أن النبي r وأصحابه لن يعودوا أبدا ولن تكون لهم أية دولة في هذه الأرض هو الزعم الباطل وهو ظن السوء، وقد عبروا عن ذلك أيضا في موقعة أخرى عندما خرج رسول الله r لغزو اليهود في خيبر، وقد جمع اليهود كل قواهم وناصرهم مشركو العرب ونصارى الشام واجتمع لهم من المال والكراع والسلاح فوق ما كانوا يتوقعون، وملؤوا حصونهم بأنواع الأزواد والتجارات، فخرج إليهم رسول الله r غازيا في ألف وخمسمائة مقاتل وهو يركب حمارا، فقال المنافقون: أتظنون أن محمدا يعود إليكم، تالله لن يعود إليكم بعد عامه هذا، وليقتلنهم اليهود قتل عاد وإرم، فأنزل الله تعالى على النبي r في سورة الفتح: {ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء}، وقد بين الله هذا الظن فيما حكى عنهم في قوله: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}، فقد كتب الله العزة لرسله أجمعين، وقَفَّى على آثارهم بمحمد r وكتب له العزة وكتب المذلة والصغار على كل من خالف أمره،ونصره بالرعب مسيرة شهر وترك ذلك النصر لأتباعه، إن هذه العزة التي يبغيها الناس ويلتمسونها إنما تبتغى بالتذلل إلى الله سبحانه وتعالى والخضوع بين يديه وبأداء عبادته على وفق ما شرع، وباتباع رسوله الكريم r في كل ما جاء به، ولذلك فلا شك أن الله سبحانه وتعالى قد كتب القبول في الناس لأولئك الفقراء والمساكين الذين لا يملكون شيئا وليس لهم ناصر، فالمؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم يود أي إنسان منهم لو رأى ثوبا قد لبسه بلال بن رباح، أو عمار بن ياسر، بمجرد رؤية شيء قد لامس تلك الأجساد الطاهرة يفرح المؤمنون لأن الله كتب في قلوبهم المحبة لأولئك الناصرين لله ورسوله، الذين جعل الله لهم العزة الباقية الخالدة، وما تشهدونه في قلوبكم من محبة أولئك النفر لا يساوي شيئا مما أعد الله لهم من العزة في الدار الآخرة، فقد ذكروا في الملإ الأعلى قبل أن يذكروا في الملإ الأدنى وقد صح عن النبي r أنه قال: (إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي به جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)، إن هذه العزة التي نشهدها في قلوبنا لأولئك النفر الذين ضحوا وبذلوا في سبيل الله ولو كانت تضحيتهم قليلة يسيرة فلا يمكن أن تقارن بشيء مما يأتي من بعد، فقد قال رسول الله r: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، مجرد مد من الشعير ينفقه أحد أولئك الفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم في سبيل الله ونصرة لرسوله r لو أنفق أحد من مَن يأتي بعدهم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ ذلك المد عند الله، فميزان الله ليس مثل موازين أهل الدنيا الذين ينظرون إلى الماديات الفانية وينظرون إلى الغناء والفائدة كما قال أحد المنافقين
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]