الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين ، أما بعد، فإن الإنسان يسير إلى مستقر له هو لاقيه لا محالة فعليه أن يتدبر فيما أمامه وأن يتذكر تلك المشاهد التي تنتظره لأن ذلك مدعاة للإعداد لها ، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة ، فلما وضع الميت في قبره نظر إلى أصحابه ، فقال: \\\"أي إخواني أعدوا لمثل هذه الضجعة\\\" فعلى الإنسان أن يستعد لمثل هذه المشاهد التي يؤمن بها ويعلم أنها آتية لا محالة وأنه ليس له ملجأ ولا مفر ، وليس له ملتحد عنها فهي أمامه في طريقه لا بد أن يمر إليها ، فيحتاج إلى التفكير فيها والتدبر ، فهو ما يلين الله به القلوب الغليظة ، ونحن محتاجون إلى لين قلوبنا فما أقساها ، يقرأ علينا القرآن الذي لو عرض على الجبال لتفجرت بالماء ، ولا نتأثر به وقد قال الله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) فلا بد إخواني من ساعات يدور فيها أمر الآخرة في خلد الإنسان فيفكر في عرضه على الله سبحانه وتعالى ماشيا حافيا عاريا أغرل ليس معه إلا عمله ، وأن نفكر في مشاهد القيامة وتباين نتائج الامتحان فنحن اليوم في هذه الدار ، في دار الامتحان ، وقد وزعت علينا صحائفنا وأقلامنا وكل إنسان منا يبادر إلى ما ينجيه أو يبادر إلى ما يرديه: \\\"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها\\\" والنتائج تعلن ليس فيها تزوير ولا غش ينادي المنادي على رؤوس الأشهاد (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) والفصل حيئذ لا معقب له فإنه يضرب بين أهل الجنة وأهل النار بسور له باب باطنه في الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، فتلك النتائج ليس فيها تعقيب ولا طعن ولذلك لا بد أن نستعد لها من الآن ما دامت الفرصة سانحة والعمر مواتيا ، فسيحال بين الإنسان وبين أن يقول لا إله إلا الله ، فلا بد أن يبادر ما دام يمكن أن يقدم شيئا لنفسه أن يتدارك ذلك قبل فوات الأوان إن القيامة قيامتان قيامة صغرى وقيامة كبرى ، فالقيامة الصغرى هي الموت ، «إذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الأعراب فيسألونه متى الساعة؟ فينظر إذا أصغرهم فيقول لا يموت هذا حتى تقوم قيامته ، فسئل عن ذلك فقال: \\\"إذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته\\\" وذلك أن الإنسان بمجرد الموت تنكشف عنه الغشاوة فيرى ما لم يكن يحتسب ويبدو له ما كان مختفيا عنه كما قال الله سبحانه وتعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) كثير من الناس يرى الأجداث فيرى القبور الضيقة وقد وضعت فيها الجنائز ثم ردت عليها التراب ، ودارت عليها السوافي وهجرها أهلها وانقطعت أخبار أهلها فلا اتصال ولا أخبار ولا سلام ولا إجابة: فلئن صرت لا تحيل جوابا لبما قد ترى وأنت خطيب فيرى هذا الأمر فيظنه هينا وأنه مجرد انتقال من حال إلى حال أو أنه فناء وانعدام ، وكل ذلك محض هراء ، فإن الإنسان بمجرد الموت يدخل في مسلسل من الانشغالات لا حصر لها ، فالموت ينسيه كل ما سبق ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت فما ذكر في سعة إلا ضيقها وما ذكر في ضيق إلا وسعه»، أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت ، هاذم اللذات أي قاطعها ، فهو يقطع على الإنسان لذات ومشاريعه وآماله ما دام الإنسان حيا يؤمل أن يعيش ويؤمل أن يعمل كثيرا من الأعمال حتى يأتي الموت فينقطع به الأمل ، ولذلك خط رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس خطا ثم خط خطا مربعا فجعل ذلك الخط في وسطه ثم أخرج منه خطا خارجا وأدخل فيه خطوطا صغيرة عن يمينه وعن شماله ، فوضع يده على الخط الذي في داخل المربع فقال: هذا ابن آدم ، ووضع إصبعه على الخط الخارج منه وقال هذا أمله ، ووضع إصبعه على الخط المربع وقال وهذا أجله ثم أشار إلى الخطوط الصغيرة فقال وهذه أعراض إن أخطأه هذا أصابه هذا ، فأنتم تشهدون في حياتكم هذه كثيرا من الأعراض والأمراض ، يمر بالإنسان السرور والحزن واللذة والألم والرخاء والفقر ، والفراغ والانشغال والصحة والضعف ، وانشغال البال وسعادته ، كل ذلك يمر على الإنسان في اليوم الواحد ، وبعد ذلك تأتي التقلبات التي لا حصر لها ولا تخطر على بال الإنسان بمجرد الموت بخروجه من هذه الدار ، فالإنسان إذا تصور أنه لو أخرج من دار أهله فجرد من كل ما يعرفه من ملابسه وغطيت عيناه وأذناه ثم رمي به في الصين مثلا ـ وهو لا يعرف اللغة الصينية ـ أليست الدنيا ستظلم في وجهه و ستتغير عليه أحواله لا يعرف شيئا فيراه ، لا يسمع كلاما يفهمه ، ولا يرى شيئا من الملابس التي يعهدها ولا من المطاعم التي يعهدها ولا من المشارب ولا من المنازل والمساكن ، كل شيء يتغير لديه ، خرج وعهده بالشمس في رابعة النهار فجاء في ليل دامس ، وألقي في نفس اللحظة في ذلك المكان الموحش ، هذا لا شك مؤثر في حياة الإنسان فكيف بالانتقال بالكلية من هذه الدار إلى دار أخرى تغايرها بالكلية ، هذه الدار فيها الكذب وفيها المعاذير وفيها الضحك ، وفيها البكاء وفيها الأعذار ، ودار الآخرة ليس فيها شيء من ذلك ، (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون) تتغير الأحوال على الإنسان بالكلية وتزول الغشاوة عن عينيه وهو يشاهد ما لم يكن يخطر له على بال ، كما قال الله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ينكشف الغطاء عن الإنسان فبصره في ذلك اليوم حديد ، يرى من الأمور ما لا يمكن أن يدرك بالبصر في الحياة الدنيا ، (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) وهذه القيامة الصغرى مشاهدها تبدأ بإدبار الدنيا وإقبال الآخرة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: \\\"إن العبد إذا كان في منقطع من الدنيا وإقبال من الآخرة أتاه ملك الموت فإن كان محسنا جلس عند رأسه فقال: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، فتتهوع نفسه كما تتهوع القطرة من في السقاء فتكون في يد ملك الموت فلا تمكث في كفه طرفة عين حتى يسلمها إلى ملائكة كأن وجوههم الشموس قد جلسوا مد البصر وهم باسطوا أيديهم فيضعونها في كفن من أكفان الجنة ويعطرونها من طيب الجنة ويرتفعون بها إلى السماء فيستأذنون فتفتح لهم أبواب السماء ويقال مرحبا بالنفس الطيبة حتى تخر ساجدة تحت العرش ، ثم يؤذن لها بالرجوع إلى السؤال ، لسؤال الملكين ، وإن كانت النفس خبيثة ، جلس عند رأسه فقال: يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وعقوبة ، فتتفرق في البدن فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فلا تمكث في كفه طرفة عين حتى يسلمها إلى أولئك الملائكة وهم (باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ، وكنتم عن آياته تستكبرون ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) فيضعونها في سفط من أسفاط النار ويضعون عليها من قطران النار ، ويرتفعون بها فيستأذنون عند باب السماء ف(لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين) ثم بعد هذا عندما تقبض روحه وتسير في هذه الرحلة ، إما أن تقبل فتفتح لها أبواب السماء وإما أن ترد فلا تفتح لها أبواب السماء ترجع وقد بدأ الدفن فيصل إلى القبر وهو أول منازل الآخرة وهو أعظم من كل ما قبله وأعظم منه كل ما بعده ، فكل درجة من درجات السلم هي أعظم من سابقتها تنسي الإنسان كل ما مر عليه من قبل ، ولذلك فإن الإنسان عند موته يبشر بمقعده من الجنة أو بمقعده من النار فملك الموت ،
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]