الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فتتردد كلمة الحضارة على ألسنتنا وألسنة الناس، فهذا يتكلم عن "صراع الحضارات"، والثاني يجيب عليه بأن المطلوب هو "حوار الحضارات" لا الصراع بينها، ونسمع من يفتخر بانتسابه "للحضارة الفرعونية"، وأنها حضارة السبعة آلاف سنة، فينازعه هذا وذاك بأن حضارته "بابلية" أو "آشورية" أو "فينيقية"، ويتباهى الغرب ويتطاول على هذه الأمة بإقامة حضارة معاصرة، يحلو للبعض أن يصفها بحضارة القلق!
وتكاد كلمة الحضارة تقترب وتترادف في حس الكثيرين مع التطور والتقدم والرقي، بحيث يغلب الطابع المادي من حيث التقنية، وألوان الفنون والعمارة، وهذا كله يقترب من المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها الفلاسفة، وما هي إلا لوثة مادية انفصلت فيها الأرض عن السماء، والدنيا عن الآخرة، فصار حالهم كما وصفهم الخالق -جل وعلا-: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)(الروم:7).
ونحن بصدد التعرف على أسباب قيام الأمم وانهيارها، وعوامل قوتها وضعفها، كان لابد من تحديد الغاية من خلق الخلق، والهدف من وراء التعمير والبناء.
وإذا كان المسلم له شأن وللناس شأن، فما هي الحضارة التي ننشدها ونسعى لإيجادها؟
الحضارة هي التي تقوم على أساس تعبيد الدنيا بدين الله، أي على أساس واجب العبودية التي خلق ربنا الخلق لأجلها، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(الذاريات:56-58)، وهذا الواجب يمتد حتى الممات (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر:99).
والعبادة مفهوم واسع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأفعال، الظاهرة والباطنة، يؤمر بها الحاكم والمحكوم، وقد تعدت الإنسَ إلى الجن، فالجنُ مُتـَعبَّد بأصل الشريعة، وهذه العبادة شاملة لكل ألوان النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي، شاملة المسجد والسوق، والحرب والسلم، فلا تقتصر على مجرد بناء المساجد -رغم قيمتها- فضلاً عن أن تـُقصر الحضارة الإسلامية على الزخارف والنقوش!!
الحضارة الإسلامية يتواصل فيها الخلق من لدن آدم -عليه السلام- حتى نبينا -صلى الله عليه وسلم- (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)(الزخرف:24)، (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)(النساء:165)، وما من نبي إلا قال لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف:59)، فهذا هو مفتاح دعوة الرسل، وهو منتهى هذه الدعوة، ومادة الإصلاح للبلاد والعباد في هذا الزمن وغيره، ومبدأ وأساس الحضارة الحق التي يرضى عنها خالق الأرض والسماء، فلا يستعاض عن منهج الأنبياء والمرسلين بمناهج أرضية اشتراكية أو ديمقراطية، ولا بنظرات تبعيضية تجزيئية تتعلق بالسياسة والاقتصاد، ولا بأديان محرفة، كما هو الحال بالنسبة لأهل الكتاب.
لقد بدأت البشرية بنبي مكلم وهو نبي الله آدم، أي بدرجة هي أعلى درجات الهداية، فلم تتطور العقيدة كما يحلو للبعض أن يزعم، وسينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- في آخر الزمان حكماً عدلاً مقسطاً، يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويحكم بشريعة الإسلام، فهذا هو المنهج الذي ينبغي على البشرية أن تسير عليه في إقامة حضارتها (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)(الأنعام:90).
ليس لأحد أن يـُغيِّر أو يبدل في هذا المنهج، ولا أن يُحسِّن القبيح، ويقبح ما حسنته الشريعة (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ)(يونس:15)، ما قيمة أن تكسب الدنيا وتخسر ربك ودينك وآخرتك فركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها؟!
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]