نعيش اليوم في خضم أزمة عالمية لشح توفر إمدادات الطاقة ، مما يتطلب البحث عن أسبابها ومعالجتها.
والأزمة مشكلة لا علاقة لها بالبترول من قريب أو بعيد، بل علاقتها بشكوى الكثيرين من التعب طوال الوقت والمعاناة من الإرهاق البدني والنفسي والشعور بعدم وجود طاقة في أجسامهم وفي أدمغتهم.
ومن أبرز مظاهر البحث عن الطاقة لأجسام الناس، ذلك الارتفاع الصاروخي، وخلال أقل من عقد، في المبيعات العالمية لأنواع مشروبات الطاقة.
وأصبحت تُنافس مشروبات الكولا الغازية، التي لم يحلم يوماً منتجوها أن يظهر للكولا أي منافس.
والنساء هن الأكثر معاناة من هذه المشكلة، والأكثر في الشكوى منها. ولذا نجد منهن منْ يقضين الساعات في النوم والكسل، ومع ذلك يشتكين من التعب والإرهاق.
ونجد منهن من لا تقوى على استجماع همتها وجهدها للقيام بأعباء مهمة ربة الأسرة وفق ما تطلبه تلك المهمة السامية.
ويشكو بعض الأزواج من تكاسل الزوجات وتدني رغبتهن، بدعوى الإرهاق أو التعب، في جانب التواصل الجنسي.
وتُلمّح بعض الصديقات من آن لآخر حول تقاعس فلانة عن المشاركة في الزيارات أو المناسبات الاجتماعية، بدعوى شكواها من الشعور بالتعب وعدم القدرة على حضور تلك المظاهر الاجتماعية للتواصل بين الصديقات. والملاحظ أن الكثيرات يذكرن أنهن لم يكن كذلك في السابق.
مراجعة طبية لمشكلة التعب
ومع تفنن الكثيرين في التفكير بأسباب وعوامل الشعور بالتعب، أقرب للخيال أحياناً، كانتشار فيروسات غريبة في الأجواء العالمية، أو إشعاعات كونية، أو غيرها مما لم يثبت وجوده أو تأثيره أصلاً، فإن علينا أن نكون واقعيين ونُراجع الأسباب الأهم والأكثر شيوعاً لدى النساء، للشعور المتواصل بالتعب وفقد الطاقة في الجسم.
وبالمراجعة لما تقوله خبيرتان طبيتان في شأن صحة المرأة، يُمكننا إجمال الأسباب الرئيسية للتعب لدى النساء، وهما الدكتورة نايكا غولدبيرغ، مديرة المركز الطبي لبرنامج قلوب النساء التابع لكلية الطب بجامعة نيويورك، والدكتورة ربيكا أماريا، المدربة الإكلينيكية لطب النساء والتوليد في مركز ماونت ساناي الطبي في مدينة نيويورك.
وتقول الدكتور غولدبيرغ، ان أكبر شكوى وحيدة أسمعها من مرضاي في كل يوم، هي الشعور بالتعب والإرهاق. ومن الطبيعي أن تكون المشكلة لدى الكثير منّا نتيجة لاجتماع عوامل متعددة، كالاهتمام بأداء عدة أعمال، وبأقصى طاقة، في وقت واحد، أو نتيجة لقلة الخلود في نوم عميق ومُريح.
إلا أن للدكتورة ربيكا تعليقا إضافيا، وهو: إن كانت المرأة لا تنام في كل يوم إلا خمس أو ست ساعات، واستمر الوضع كذلك بها، فإنها حتماً ستبدأ بالشكوى من التعب والإرهاق، مهما كان مقدار عمرها.
وتستدرك الدكتورة غولدبيرغ بالقول: ولكن إن كانت تنجح في الحصول على سبع أو ثماني ساعات من النوم الليلي يومياً، ومع ذلك تشكو من التعب والإرهاق، فإن الحالة تتطلب بذل الجهد في البحث عن الأسباب المُؤدية للشعور بالتعب.
وتُضيف قائلة: إذا كان تعب المرأة يستمر لديها لأكثر من أسبوع، ولا يُوجد تفسير منطقي لذلك، من طريقة عيش الحياة اليومية، فإن عليها أن تُراجع الطبيب.
ويكاد يُجمع الخبراء الطبيون على أن أسباب التعب والإرهاق في غالب الأحوال ليست بسبب وجود أمراض مهمة وخطرة، بل غالباً ما تكون الأسباب مشاكل صحية صغيرة، يُمكن معالجتها وتعديلها بسهولة.
ومع هذا، لا تستطيع المرأة معرفتها دون مراجعة الطبيب. وهناك مجموعة من المشاكل الصحية الخفيّة، والتي لا يتنبه لها الكثيرون، من الناس وحتى بعض الأطباء، قد تتسبب بغالبية حالات الإرهاق والتعب، تشمل فقر الدم وكسل الغدة الدرقية والتهاب مجاري البول والتشبع بالكافيين والحساسية من الأطعمة وانقطاع التنفس أثناء النوم.
فقر الدم
الدم هو الوسيلة التي يتم عبرها نقل الأوكسجين والمواد الغذائية والماء والمعادن والأملاح، لتوصيلها إلى أنسجة أعضاء الجسم كله.
والهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء، عبارة عن مركب بروتيني غني بعنصر الحديد. وهو العربة الناقلة للأوكسجين من الرئة إلى القلب، ومنه إلى كافة أرجاء الجسم. والمرأة، التي في مراحل الإخصاب من العمر، تحصل لديها الدورة الشهرية، من حين البلوغ إلى سن اليأس. وخلال مراحل الدورة الشهرية، المتكررة في كل شهر قمري تقريباً، تحصل فترة نزيف دم الحيض.
وتتفاوت، من امرأة لأخرى، كمية الدم التي يفقدها الجسم شهرياً. وهناك حالات يحصل فيها فقد كميات، من دم الحيض، أكثر من الطبيعي. وهناك أسباب عدة تُؤدي لذلك.
وخلال مرحلة الحمل والولادة وما بعدها، يفقد جسم المرأة كميات من الدم وكميات من الحديد ومن العناصر الأخرى المُستخدمة في بناء الدم ومكوناته.
وبالتالي فإن احتمالات إصابة المرأة بفقر الدم، أو الأنيميا، عالية. ما قد يتسبب لها بظهور أعراض فقر الدم، والتي من أهمها وأكثرها شيوعاً، هو التعب والإجهاد البدني لدى بذل المجهود.
والسبب وراء التعب والإجهاد هنا هو تدني قدرة الدم على توصيل الكميات اللازمة، لأنسجة الجسم، من عنصر الأوكسجين. وبالتالي لا تتمكن الأنسجة، خاصة العضلات، من إنتاج الطاقة اللازمة لتحريكها بكل راحة وكفاءة.
وبالإضافة إلى الدورة الشهرية، والحمل والولادة، فإن هناك أسبابا أخرى لفقر الدم لدى النساء. ومن أهمها سوء التغذية، وهو ما ينجم عن عدم أكل الأطعمة المفيدة والغنية بالحديد والفيتامينات اللازمة لبناء الدم.
مثل فيتامين فوليت وفيتامين بي-12. كما أن حصول نزيف، خارجي أو داخلي، أو وجود أمراض مزمنة في الجسم، قد تكون سبباً في فقر الدم. ولهذه الأسباب المنطقية والممكنة الحصول بسهولة لدى أي امرأة، فإن من الضروري إجراء الفحوص التي قد تدل على وجود فقر الدم، وعلى أسباب ذلك.
وحينما يثبت وجود فقر الدم، فإن المعالجة ضرورية. وهي ما تتم بتحسين نوعية الغذاء ومكونات محتوياته، لتوفير العناصر اللازمة للجسم كي يتمكن من إنتاج دم غني وجيد.
وربما يتطلب الأمر من الطبيب وصف تناول المرأة لحبوب الحديد أو الفيتامينات. وتعتبر اللحوم الحمراء أفضل مصدر للحصول على الحديد من الغذاء.
ويظهر التحسن في أعراض التعب، خلال أسبوعين أو أربعة أسابيع من بدء المعالجة لحالة فقر الدم بشكل سليم.