ذكرنا في الجمعة السابقة أن الله تبارك وتعالى من سنته ابتلاء المؤمنين قبل نصرتهم وهذا البلاء يشتد جداً لدرجة يصل فيا الرسل الذين لا يقادر صبرهم – إلى حد استبطاء نصر الله تبارك وتعالى ... وعليه فإن الأمة الإسلامية وإن كانت تعاني من ابتلاءات عديدة في شتى مناحي الحياة على ذروتها ظلم أعداء المسلمين لهم إلى حد لقتل والتشرد والتضييع وغير ذلك من صنوف البلاء .. فإن هذا كله ما هو إلا مقدمة لنصر الله الذي وعده هذه الأمة في كثير من الآيات وما صح من أحاديث عن الرسول " صلى الله عليه وسلم " ولنا مع هذه المحن وقفات وفوائد : -
الأولى : - إن هذه الابتلاءات من ذنوب الأمة من ذنوبنا نحن أبناء هذه الأمة وبعدنا عن صراط الله
المستقيم وفتنو البدع والمنكرات والوبقات .
قال تعالى :- أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير " آل عمران 165 "
فما نزل وينزل بالمؤمنين من ابتلاءات ومصائب هو من ذنوبهم ... وهزيمة المسلمين من عدوهم بسبب ذنوبهم التي ارتكبوها .. قال تعالى :- إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما
استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا .. " الآيه 155 آل عمران " .
وإنني بذلك لست أغلظ على إخواني الأحباب من المسلمين واتهمهم ولكني إريد منهم ومن جميع
المسلمين أن يعلموا أن ما نزل بالأمة في كل مكان سببه الحقيقي هو الذنوب والعاصي وذلك
يٌظهر الفائدة الثانية وهي:
الفائدة الثانيه :- إن الله سبحانه وتعالى لم يظلم أمة رسوله " صلى الله عليه وسلم " " صلى الله عليه وسلم "
بل هذا الذي جرى
مقتضى سنته الربانية التس لا تتبدل ولا تتغير فالواجب على المسلمين ألا يسيئوا الظن بربهم
بل يتهموا أنفسهم ويحاسبوها .
الفائدة الثالثه :- إن هذه المحن وإن كانت تظهر في شكل مؤلم مفجع إلا أنها في الوجه الآخر رحمةٌٌ
من الله بأمة نبيه " صلى الله عليه وسلم " حيث روى أبو داود وغيرة عن أبي موسى الأشعري ..
وصححه الحاكم وأقر الذهبي .. قال : قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " .. أمتي هذه
أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة ، إنما عذابها في الدنيا : الفتن والزلازل والقتل
والبلاياء الحديث صححه العلامة الألباني كذلك .
قال الفاري في المرقاة : " بل غالب عذابهم أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن والأمراض
وأنواع البلايا ... أهـ
وجعل المناوي والطيبه رحمهما الله هذه النعمة العظيمة من خصائص أمته " صلى الله عليه وسلم " ..
فأنت إذا تدبرت هذا الوجه وكيف يكفر الحق سبحانه وتعالى بمثل هذه المحن والمصائب ذنوب الأمة وتكون سبباً لرحمتها يوم القيامة عند الله تعالى هان على صاحب المصاب مٌصابه ولو لم ينصره من
أهل الأرض أحد لأن ما يحدث له سيكون سبب نجاته يوم القيامة وإذا ضم لذلك أن هذا مما خص
الله به الأمة زاد فرحه ولم يقع في إساءة الظن بربه ودفعه ذلك لمزيدمن الصبر والرضا والتسليم .
الفائدة الرابعة :- إنك إذا علمت أن الذي حلَّ بالأمة من ذنوبها استفدت فائدتين هامتين :
1- أن ذلك يدعوك إلى التوبة والعودة إلى الله على وفق الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة بعيداً عن
التعصب والتحزب الممقوتين .
2- إذا علمت الداء الصحيح ودواء ذلك الداء نجوت من أخطاء عظيمه وقع فيها غيرك وقد أضرت بالأمة ومنا مثلاً :
- ظن البعض أن سبب ما حلَّ بالأمة ضعفها وتفرقتها فذهب يجمع الناس من كل حدب
وصوب مهما اختلفوا وتباينوا والكثرة على هذا النحو يست سبباً للنصر حيث قال تعالى:
" ويوم حنين إذ أعجبتم كثرتكم فلم تغن عنكم من الل شيئاَ وضاقت عليكم الأرض بما
رحبت ثم وليتم مدبرين " التوبة الآيه 25 . فالكثرة هنا جرت العٌجْب الذي كان سبب
الهزيمة .
- ظن البعض الآخر أن السبب في الحكام : فراح يدبر لقتلهم واغتيالهم ونحو ذلك مما
أشاع الفساد في الأمة أكثر حيث يقول ابن القيم كلاماً معناه " إن سبب كل فتنه وشر إلى
آخر الدهر هو الخروج على ولاة الأمر " .
- ظن البعض أنه لابد من التحرك وعدم الصمت فذهب ينظم مظاهرات هنا وهنالك وربما
أخذ البعض الحماسة فذهب يخرب ويدمر وربما اشتجر رجال الأمن في تلك الدولة
- أيا كانت – مع هؤلاء المتظاهرين فوقع شر وفساد عريض . وغير ذلك من أسباب غير
صحيحة .. بل سبب النصر هو العمل بطاعة الله والعودة الحميدة إلى الكتاب والسنة بفهم
السلف الصالح والأهتمام بالعلم الشرعي .
الفائدة الخامسة :- معرفة الواجب على المسلمين في مثل هذه المحن ويكون كالأتي :
أولاً : وجوب جهاد عدو المسلمين حيث يجب على جميع المسلمين في الديار المحتلة من
عدوهم أن يجاهدوا هذا العدو الذي نزل بأرضهم ولكن شرط القدرة والاستطاعة
وإطاقة الجهاد ...
فإن عجزوا : وجب على من يليهم من المسلمين أن يعينوهم بقدر الوسع والطاقة فإن
فإن لم يأذن ولي أمر البلاد المجاورة لهذه البلاد المحتلة لأبناء بلده بالجهاد لم يجب
عليهم الجهاد وعليهم طاعة ولي أمرهم ولا يفتاتون عليه بالذهاب دون إذن لما يترتب
على ذلك من مفاسد وأضرا قد تفوق ذهاب أفراد معدودين للجهاد ... ولكن إن لم يأذن ولي الأمر
بالجهاد ماذا يصنع أبناء المسلمين ؟؟
1- يجب عليهم المعونة بمالٍ إن أمكن حيث الجهاد يكون بالنفس والمال وأحياناً يقدم جهاد المال على جهاد النفس .
2- ينصروا إخوانهم بالدعاء لهم بالنصره في كل وقت وفي كل سجده من سجدات الصلاة ... وقد يستهين بعض المسلمين بأمر الدعاء ويظنه غير مؤثر وهذا غير صحيح فقد قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " "إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم لله تعالى " .. فالنبي " صلى الله عليه وسلم " جعل من أقوى أسباب الرزق والنصر على الأعداء الدعاء من الضعفا . فأنت الأن ضعيف عن الجهاد وإن كنت من أقوى الناس لعدم الإذن لك به أو لعدم إطاقة الجهاد لضعف المسلمين .. فعلينا أن نترك الحماسات التي لاتُجدي ونتجه لما عَلَمْنَا بنبينا " صلى الله عليه وسلم " ونخلص الدعاء ونجتهد فيه أن ينصر الله هذه الأمة ويهيئ لها أمر رشد وخير سبحانه وتعالى .. كما أنه ينبغي ألا نقطع الدعاء في رخاء ولا شدة لقول رسول الله " صلى الله عليه وسلم " "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء " رواه الترمذي وحسنه الألباني ... فلا بد من المداومة على الدعاء في كل حين .
3- أن أن يتوحد المسلمون في كل مكان ويظهروا بمظهر واحد كالجسد الواحد يشتكي كله إذا اشتكى اقل الأعضاء فيه وأضعفها فيه ...
قال تعالى " ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " وقال تعالى " ومن يعظم شعائرالله فإنها من تقوى القلوب "
ففي الآية الأولى : يظهر ما في تعظيم حرمات الله من الثواب العظيم الجزيل للعبد عند الله وكان له بذلك التعظيم الخيرعند الله في الدنيا والآخرة والخير في دينه كذلك إذ أن تعظيم حرمات الله من الأمور المحبوبة لله المُقربة إليه سبحانه وتعالى