. الكذب في المزاح ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهَّر ، والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّاً .
الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .
عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إني لأمزح ولا أقول إلا حقّاً " .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 391 ) .
والحديث : حسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 89 ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .
وعن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : " إني لا أقول إلا حقا ".
رواه الترمذي ( 1990 ) .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
ونحوه عند الطبراني في " الأوسط " ( 8 / 305 ) وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 9 / 17 ) .
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال ما يضحككم فقالوا لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً .
رواه أبو داود ( 5004 ) وأحمد - واللفظ له - ( 22555 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7658 ) .
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها .
رواه أبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) - مختصراً - .
والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7578 ) .
6. الكذب في ملاعبة الصبيان
ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصبيان فإنه يكتب على صاحبه ، وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه ؟ " قالت : أعطيه تمراً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة " .
رواه أبو داود ( 4991 ) .
والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1319 ) .
7. الكذب للإضحاك
عن معاوية بن حيدة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له .
رواه الترمذي ( 235 ) وقال : هذا حديث حسن ، وأبو داود ( 4990 ) .
عاقبة الكذب :
وقد تُوعِّد الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة ، وبعقوبات أخروية مخزية ، ومنها :
1. النفاق في القلب .
قال تعالى : { فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } [ التوبة / 77 ] .
قال عبد الله بن مسعود : اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، قال : وتلا هذه الآية : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } إلى قوله : { نفاقا في قلوبهم } إلى قوله : { بما كانوا يكذبون } .
" مصنف ابن أبي شيبة " ( 6 / 125 ) .
2. الهداية إلى الفجور وإلى النار
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا ، وإن الكذب فجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذاباً ".
رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
قال الصنعاني :
وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية ومن تعمد الكذب وتحراه صار له سجية ، وأنه بالتدرب والاكتساب تستمر صفات الخير والشر .
والحديث دليل على عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، ودليل على عظمة قبح الكذب وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار ، وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنيا ؛ فإن الصدوق مقبول الحديث عند الناس ، مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلاف هذا كله .
" سبل السلام " ( 2 / 687 ) .
3. رد شهادته
قال ابن القيم :
[ الحكمة في رد شهادة الكذاب ]
وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية : الكذب ؛ لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية ، فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال ، وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقر ؛ فإن اللسان الكذوب بمنـزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه ، فشر ما في المرء لسان كذوب .
" أعلام الموقعين " ( 1 / 95 ) .
4. سواد الوجه في الدنيا والآخرة.
قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } [ الزمر / 60 ] .
قال ابن القيم :
ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم ، والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ، ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق ، فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان ، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة ، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه إهانة ومقتا ، فمن رآه مقته واحتقره ، وبالله التوفيق .
" أعلام الموقعين " ( 1 / 95 ) .