القبر يُبكي عيون الأحرار، القبر يفرق الجماعات، ويقطع الأمنيات، ويقرّح القلوب، ومن مات انتقل إليه، فيومه يوم مصرع الفتى، ينتقل من سعة بيته إلى ضيق لحده، بعد أن يتخلى عنه الصديق والأخ والوالدين والأبناء، وكربات الموت عسيرة صعبة على المحتضر، وإنما لا يفر ولا يصيح لأن الكرب قد بالغ فيه، فإذا بدأ الملك ينزع روحه تبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، ثم بطنه، ثم صدره، ثم تبلغ به الحلقوم.. فحينذاك ينقطع نظره إلى الدنيا وأهله، ويغلق دونه باب التوبة.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)[أحمد صحيح الجامع 1903].
كان بعض الصالحين قد حفر في بيته قبراً، كلما نازعته نفسه إلى الدنيا من شهوة أو معصية، نزل فيها وأغلق على نفسه، يريها حقيقة الموت، والحال في القبر، لترجع عن غيها، فكم ذا نحن بحاجة إلى قبور نعظ ونزجر بها أنفسنا عن السفاهة.
إن القبر عظة تزلزل القلوب، وتوقظ النفوس من رقدتها، لكن بعض النفوس أصابها العمى فما تحس بهول القبر، فتدخل إلى القبور وتخرج منه كما دخلت، ملطخة بنجاسات الدنيا، دون أن تتطهر أو تتزكى.
كان رسولنا الكريم إذا دخل القبر يخشع ويبكي، ويجلس والصحابة حوله، ينكت بالعود في الأرض من هول الفاجعة، فيعظهم ويأمرهم بالدعاء للميت وسؤال المغفرة له والرحمة والتثبيت، ليخفف الله عنه ما هو فيه من سؤال منكر ونكير، وما هو فيه من الهلع والفزع لشيء لم يمر به قبل يومه ذاك.
إن الوحشة والجزع تأخذ الميت حتى يتمنى على دافنيه أن لو لم يبرحوا مكانهم لعل ذلك يخفف عنه لحظات الشدة والغربة، قال عمرو بن العاص: " إذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وانظر ماذا أراجع به رسل ربي"[رواه مسلم].
فأما الصالح فيجلس في قبره غير فزع، وأما السيء فإنه يجلس في قبره فزعاً غير مستجمع عقله، فإذا جاءه الملكان فسألاه ذهل فلم يدر ما يقول.
أخي! إذا دخلت القبور فسلم على أهلها، وقل: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) مسلم، وتذكر أنك لاحق بهم، فإذا كنت اليوم حاملاً فغداً أنت محمول، وإذا دخلت القبور فلا تدخل إلا وأنت عازم على تزيين قبرك بالعمل الصالح، ولا تكثر من حجج الله عليك، إذ يريك آياته الباهرة فلا تزداد يقيناً، ولا تنزجر عن معصية، وإذا ظننت أنك ستدعى للنزول إلى قبر ميت، فاحرص على التطهر من الخطايا قبل ذلك، فإنا سمعنا أن رسول الله ماتت له بنت، فقال: (هل منكم رجل لم يقارف الليلة)؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: (فانزل في قبرها)، فنزل في قبرها فقبرها.
قال ابن المبارك: فليح: " أراه يعني الذنب" البخاري، الجنائز، باب من يدخل قبر المرأة.
واعلم أن رسول الله قد:
- نهى عن رفع القبور وتشييدها، وتزيينها والبناء عليها، لأن فيها تمييز بعضها على بعض، وذلك يمنع الاتعاظ والاعتبار بها، ويدخل في الغلو والرياء والشرك.
- وكذا نهى عن الجلوس عليها أو الوقوف لأن فيه امتهاناً لها، وتضييعاً لهيبتها.
- ثم إن القبر منه لحد ومنه شق، فاحرص على أن يكون قبرك لحداً فهي السنة، وقبره - عليه السلام - كان لحداً، فاللحد لنا، والشق لغيرنا.
وبعد:
فإن القبر حقيقة مرة لا مفر منها، ومنزل آت لابد منه، فيا أخي! كما وقفت على القبر فقف على حقيقته، ولا تلقي حقائق الدنيا وراء ظهرك، وتقبل على أكاذيبها وزخارفها الزائلة الخادعة، قال - تعالى -: (( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )).
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]