هذه مقدمة مبسطة جداً عن كم هائل من المعلومات التي توفرت للباحثين، والتي هي مع ذلك ما زالت قاصرة جدا عن السماح باستيعاب بناء وعمل المادة الوراثية.. ولا مجال للحديث هنا عما عرف التفاصيل العلمية الدقيقة لتركيب المادة الوراثية وكيفية عملها، والذي يعنيني هنا هو التذكير بأنّ هذا خلق متقن دقيق ومحبوك.. ولا يكاد يستطيع الباحث لملمة شئ من الأدلة الوفيرة التي لا تحصر على كمال الخلق ودقة الصنع.. وذلك لا يتنافى مع خلق الاتسان ضعيفا.. فضعفه أمرٌ مقصود في حد ذاته.. لا يحدث كظواهر سلبية، بل تحكم هذا الضعف وترتب له جينات وراثية وسلسلة هائلة من العمليات الدقيقة الهادفة.. إنه الإحكام وDNA صرحه الأساسي.. فليس هنالك مكان للحديث عن نواقص أو عيوب بلغة الخلق المتمثلة أمامنا في حمضDNA .. بل هي الحكمة البالغة في ايجاد هذا الخلق يتعاقب على الأرض في دورة الموت والحياة ليعقبها الحساب والجزاء..
ومن هنا فلا يصح أن يتبادر لذهن القارئ أننا نتحدث عن مواضع ضعف بلغة الوراثة، وأين النقص منها وقد أتقن الله كل خلقه وهدى.. وانما استعرض ظواهر وخواطر متعلقة بها..
يتم لف سلسلتي حمض DNA بطريقة معجزة بحيث ينتهي طوله الفعلي من عدة أمتار الى أجزاء ضئيلة من الميكرون الذي واحد من المليون من المتر، ومع هذا يتم الوصول الى أي جزء منه آنياً رغم تعقيد اللفة وطولها وارتباط عملها بعدد ضخم من الجينات المرتبطة وظيفيا أو المنظمة الصورة مأخوذة من كتاب Textbook of Genetics 3E by Jorde et al منزلة من موقع Student Consult | |
فمن هذه الظواهر:
- من المحير للباحثين أن معظم المادة الوراثية تبدو وكأنّها عاطلة عن العمل، ولايساهم من المادة الوراثية كجينات وراثية أو جينات منظمة لعمل المادة الوراثية سوى نسبة لا تصل الى خمسة بالمائة من مجموع المادة الوراثية..
فعجيب هو سر تلك الفقرات الطويلة الهائلة من المادة الوراثية التي لا يعرف لوجودها تعليل ولا وظيفة حتى تجرأ بع الباحثين بتسميتها بالسكراب والصحارئ والخرابات.. ويعلم العقلاء منهم والمؤمنون بأنّ لها حكمة خفية نجهلها,,
هنالك أيضا عدد من الظواهر البارزة ، منها:
- ظاهرة غياب التصنيف: لو أنّ أحدنا أراد أن يؤلف كتابا عن أي موضوع لصنف ما يكتب الى فصول يجمع الى كل فصل جوانبه المشتركة (كالجينات) وظيفيا أو على الأقل المتقاربة تركيبا.. كل ذلك ليسهل على القارئ البشري لملمة الموضوع والاحاطة النسبيه به.. لكنّ اللغة الربانية التي سُطرت بها المادة الوراثية لم تُـنظم على هذا الأساس.. والأمثلة لا تكاد أن تحصر هاهنا.. فجزئ الليف الرابع (الكولاجين الرابع) يتكون من ستة جزيئات، كل منها يصنعه جين وراثي هو أبعد ما يكون موقعاً عن الآخر.. المسافات التي بينها تعتبر بحق هائلة عندما تقاس بقياسات ذلك العالم المتناهي في الدقة.. وحتى يستوعب القارئ ذلك أذكر له تشبيه الباحثين لعملية العثور على جين بعملية اكتشاف موقع كورة قدم مخفية في أحد الطوابق الأرضية في عمارة ما بالولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى القارئ أن يتخيل أن أحدنا لا يستطيع أن يحافظ على لفة خيط من عدة أمتار يفتحها ويلفها، إذ سرعان ما "تتشعبط" عليه، فكيف بمائة كم من خيط الخياطة الرفيع تلف وتفك ملايين المرات باليوم ضمن نواة الخلية التي لن يزيد حجمها عن دولاب صغير.. وتتناغم فقرات منه متباعدة في عمل مشترك يصل في بعض البروتينات كبروتينات الهموجلوبين الى طبع عشرات الترليونات أو آلاف البلايين من الجزيئات البروتينية بالثانية الواحدة.. أعظم أيها القارئ بملك الله وقدرته!
|
رسم يوضح تركيب القواعد الكيميائية في جزيء ال DNA |
فما الذي إذاً يجعل هذه الجينات المتخصصة في بناء جزئ بروتيني محدد أن تتداعى آنياً من مواقعها المتباعدة من كروموسومات مختلفة لصناعة ذلك الجزيء البروتيني.. وكيف يتم استيعاب الأعداد الهائلة من المجموعات المتشتتة من الجينات استيعابها زماناً ومكانا لتنطلق فريقا واحدا متآزرا..
إنّ التصنيف والتبويب أساس في كل انشاءات البشر لمساعدة العقول البشرية على الألمام والأستيعاب وتجنب أخطاء السهو والنسيان.. لكن الخالق أغنى مَن يكون عن التذكير أو الحاجة الى وسائلة بما فيها من تصنيف أو تبويب.. وللخالق في توزيع المادة الوراثية على ما هي عليه حكمةٌ لا شك في وجودها وإن جهلها البشر وعجزوا عن اكتشافها..
ويجد القارئ للقرآن الكريم عرضاً لقضايا عديدة في مواضع متعددة من المصحف.. في كل موضع به طرح متجدد بلون أو تفصيل اضافي.. تتجدد فيه روح القارئ ووجدانه اثناء التلاوة، فالهدف ليس حشواً لمعلومات بل تربية لوجدان وروح وقلب.. لم يتم في عرض قضاياه كآيات الجهاد أو الأحكام مثلا الحرص على جمعها الى مواضع واحدة من المصحف، بل توزعت آيات الكتاب في مجموعات جميلة (السور) مؤثرة، لكل واحدة حلاوة تميزها، تحكم توزيعها عواملُ لا نعلمها يبدو من بينها وحدة النسق والنظم والموضوع أحيانا..
- ظاهرة وحدة اللغة والخلق والخالق: وهي متجلية بشكل بارز في أن هذه القواعد بنفس شفرتها موجودة في كل الكائنات الحية نباتية وحيوانية، وإن كانت الشفرة المستخدمة في جسيمات الكائنات بما فيها الانسان مختلفة بعض الشئ.. والأكثر من ذلك أن معظم هذه الجينات مشتركة بين المخلوقات المختلفة بنسب متفاوتة.. وفي ذلك دلالة بينة على وحدة الصانع والمدبر.. ولو شاء الله لأنشاء بكل كائن شفرة، ولجعل الجينات تختلف بين مخلوقاته حتى عند قيامها بنفس المهمة..
هذا المقال هو عرض لمجرد خواطر مبدئية بنيت على معلومات عامة عن المادة الوراثية، ولم يكن بها محاولة قراءة مباشرة لتسلسل القواعد وترتيباتها ضمن الجينات أو ضمن السلسلة الوراثية عامة وأرجعوا أن تجد بين علماء الوراثة المسلمين من يبني عليه محاولات قراءة ايمانية لقواعد المادة الوراثية والجينات التي تشكلها لعلنا نطلع على آفاق وآيات ربانية جديدة ونفهم به ظواهر الشبه بآيات الكتاب الحكيم.
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]