وجه الإعجاز:
باستقــراء ما سبق يتضــــح أن الإسلام يؤسس النظام الاقتصادي والاجتماعي على أساس احترام أسس ومبادئ معينة, تشكل في مجملها دستور هذه الأمة ومن ذلك ضرورة أن تكون الإيرادات التي تعتمد عليها الدولة دائماً من مصدر حلال.
إن الإسلام يقيم مجتمعاته على أساس التكافل والتعاون الممثل في فريضة الزكاة وغيرها من الالتزامات المالية التي قررها الإسلام.
إن الدستور الذي يرسمه الإسلام في المجال الاقتصادي وكذلك في غيره من المجالات إنما هو دستور مظلل بظلال حبيبة أليفة, دستور يحترم الآداب النفسية والاجتماعية, والآداب التي تحول الزكاة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها, وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها, وتحول المجتمع عن طريقها إلى أسرة يسودها التعاون والتكافل والتواد والتراحم، وترفع البشرية إلى مستوى كريم: المعطي فيه والآخذ على السواء.
|
يؤسس الإسلام مجتمعاته على أصول ومبادئ تميزه عن غيره من النظم. فالإسلام يقوم على طريقة البناء المتكامل وإرساء الأسس السليمة: عقدية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية. |
المشرع الوضعي لا يشترط حِلَّ الإيرادات التي تحصل أو مشروعيتها:
لا يشترط فقهاء المالية العامة في التكاليف التي تخصم أن تكون قد أنفقت في غرض مشروع. ما دمنا لا نتمسك بمشروعية الربح الخاضع للضريبة. فالأرباح الناتجة عن عمليات غير مشروعة تخضع للضريبة سواء أكان مصدرها قانونيا أو غير قانوني.
ففي إنجلترا - مثلاً - تقدر الأرباح من مصادر قانونية أو غير قانونية وسواء أكان مصدرها تجارة أم نشاطاً غير قانوني وتربط الضريبة عليها كالأرباح الناتجة من الرهان. فعندما يحضر شخص اجتماعات السباق والمراهنات بانتظام فهو يمارس مهنة يخضع فيها لضريبة ويسمح بالخصم المعتاد مقابل الخسائر والنفقات.
وفي فرنسا تفرض الضريبة بنصوص صريحة على أنشطة غير أخلاقية مثال ذلك ما نصت عليه المادة 11 من القانون المالي في فرنسا لعام 1976 الصادر في 30 ديسمبر عام 1975 والتي قررت زيادة ضريبة T.V.A على الأفلام الإباحية أو التي تحث على العنف, وكذلك رسوم دخول هذه الأفلام.
الـمبحث الثالـث
التحذير من اصطفاء كرائم الأموال
عند تحصيل الزكاة
النص المعجز:
يرشد إلى هذا الخلق الكريم السنة النبوية المطهرة , وقد جاء ذلك في أكثر من حديث منها:
(عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب, فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, فإن هم أطاعوك لذلك, فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوك لذلك, فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم, فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك لذلك, فإياك وكرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. رواه الجماعة).
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
ترشد الأحاديث السابقة إلى خلق رفيع في المجال المالي وهو ضرورة التوسط في اختيار المال الذي يشكل وعاء الزكاة. فلا ينبغي على المحصل أن يطلب أفضل الأموال ولا أقلها جودة, وإنما يتوسط في ذلك, وفي ذلك مراعاة حقيقية لظروف الممول.
وقوله صلى الله عليه وسلم (فإياك وكرائم أموالهم) كرائم منصوب بفعل مضمر لايجوز إظهاره والكرائم جمع كريمة أي نفيسة (وفيه دليل) على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال, لأن الزكاة لمواساة الفقراء, فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك إلا برضاه.
وجه الإعجاز:
تنطق النصوص السابقة بإعجاز في النص النبوي الشريف لا يمكن أن تصل إليه بحال من الأحوال التشريعات الضريبية المعاصرة, والتي تقرر حق الامتياز لَدْينِ الضريبة, أما المنهج الإسلامي فإنه يأمر محصل الزكاة بأن يأخذ مالاً من أوسط الأموال التي يمتلكها الممول.
إن مراعاة المنهج الإسلامي - على طول الخط - لفطرة الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمالية وغيرها من مجالات الحياة لهو دليل حقيقي على سمو هذا المنهج ورقي ذلك التشريع, وبنفس الدرجة يشكل دعامة قوية لنجاح النظام المالي الإسلامي.
موقف القانون الوضعي:
يتجه المشرع الوضعي في تحصيل الضريبة اتجاها يغاير تماماً المنهج الإسلامي فالإسلام يحرص على بث روح السماحة والألفة والمودة عند تحصيل الزكاة أما المشرع الضريبي الوضعي فإنه يعطي للضريبة أولوية وامتيازاً على غيرها من الحقوق.
المبحث الرابع
خلق الترفع عن الأخذ من المال العام حتى ولو كان حقاً مقرراً
النص المعجز:
ما رواه البخاري من أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني, ثم سألته فأعطاني ,ثم سألته فأعطاني, ثم قال: يا حكيم "إن هذا المال خضرة حلوة, فمن أخذه بسخاوه نفس بورك له فيه , ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه, كالذي يأكل ولايشبع, اليد العليا خير من اليد السفلى. ثم قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا, فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله, ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
يؤدي الأساس العقدي الذي تقوم عليه السياسة المالية الإسلامية دوراً جوهرياً في نجاح السياسة المالية الإسلامية في تحقيقها لأهدافها.
ويظل هذا الأساس مؤدياً دوره حتى يصل إلى مستوي الترفع عن الأخذ مما هو مقرر له من الحقوق المالية.
وتظل المثل الإسلامية تؤدي دورها في خدمة السياسة المالية الإسلامية ومساعدتها على تحقيق أهدافها حتى تصل بالفرد المسلم إلي أن يترفع عن أن يأخذ مما هو حق مقرر له في حصيلتها ويفضل العمل على ذلك , ولعل ذلك هدف يصعب أن يصل إليه أي تشريع آخرغير التشريع الإسلامي.
وجه الإعجاز:
إن التربية الإسلامية التي يتربى عليها المسلم تجعله يصل إلى مرتبة يترفع معها أن يأخذ مما هو مقرر له في حصيلة السياسة المالية الإسلامية, ونعتقد أن هذا الهدف يصعب على أي نظام مالي آخر أن يصل إليه بسبب افتقاده للأساس العقدي الذي يتمحور حوله النظام المالي الإسلامي.
الأساس العقدي يجعل المسلم يجود بأفضل أمواله:
إن التربية الإسلامية لا تصل بالمسلم لأن يترفع فقط عن الأخذ من المال العام ولو كان حقاً مقرراً له بل تصل به أن يجود بأجود أمواله وأنفسها في سبيل الله تعالى, وهو في كل ذلك يستجيب للنداء الإلهي المتمثل في قوله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
الـمبحث الخامس
أهداف تنفرد السياسة المالية الإسلامية بتحقيقها ولا مثيل لها في المالية الوضعية
(هدف تنمية الخصال الحميدة في المجتمع)
النص المعجز:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلى, قال: صلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة).
2- (عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله, أو ابن السبيل, أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك, (رواه أبو داود).
وفي لفظ: (لاتحل الصدقة إلا لخمسة: لعامل عليها, أو رجل اشتراها بماله, أو غارم, أو غاز في سبيل الله, أو مسكين تصدق عليه بها فأهدي منها لغني)
(رواه أبو داود وابن ماجه ).
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
من تمام حرص الإسلام على تنمية الخصال الحميدة داخل المجتمع المسلم, أنه أباح أن يعطي من الزكاة من غرم في سبيل الإصلاح بين متخاصمين وذلك حتى لا تموت الخصال الحميدة في المجتمع المسلم, بل وجب على المجتمع أن يتعهد تلك الطاقات بالتنمية والتشجيع بكافة الصور.
وقوله صلى الله عليه وسلم (حَمَالة) بفتح الحاء المهملة وهو مايتحمله الإنسان ويلتزمه في ذمته بالاستدانة ليدفعه في إصلاح ذات البين, وإنما تحل له المسألة بسببه, ويعطي من الزكاة بشرط أن يستدين لغير معصية وإلى هذا ذهب الحسن البصري والباقر والهادي وأبو العباس وأبو طالب. وروي عن الفقهاء الأربعة والمؤيد بالله أنه يعان لأن الآية لم تفصل وشرط بعضهم أن الحمالة لا بد أن تكون لتسكين فتنة.
وبالإضافة لما سبق فإن لهذه الوظيفة جانباً اقتصادياً هاماً (وهو المساهمة في زيادة الإنتاج والمساعدة في تمويل التنمية الاقتصادية), ويظهر ذلك حينما ينفق من حصيلة الزكاة لسداد ديون الغارمين ,فإن هذا يعني أن بيت المال يضمن للدائن وفاء دينه, وفي هذا دعم للائتمان لأن المقترض في غير معصية للقيام بتجارة أو صناعة أو فلاحة سوف يطمئن إلى أنه إذا عجز عن سداد دينه, فإن المجتع ممثلاً في الدولة سـوف يؤدي عنه دينه.
وجه الإعجاز:
إن السياسة المالية الإسلامية نظراً لقيامها على أساس عقدي, فإنه يمكن أن تذهب في تحقيق أهدافها لمدى يصعب أن تصل إليه المالية الوضعية.
فمن مظاهر الإعجاز في المجالين المالي والاقتصادي أن السياسة المالية الإسلامية تعتبر أن من الأهداف المنوط بها تحقيقها هدف الإصلاح بين المتخاصمين, وفي تحقيق هذا الهدف نشر للسلام الاجتماعي في المجتمع.
كذلك تستطيع السياسة المالية الإسلامية أن تذهب لتحقيق أهداف متعددة يصعب على السياسة المالية الوضعية أن تصل إليها, مثل هدف تزويج من يريد أن يتزوج وغير ذلك من الأهداف الاجتماعية.