الطب جماع كل المعارف ، وهو هدف الإنسان . وهو يستخدم طرق الكيمياء الحديثة ومجالات الفيزياء من صوت وضوء والكترونيات . وهو إذ يسجل هذه المعلومات المكدسة ويجمع الخيوط المتشابكة لا يقف منها موقف المتفرج ، بل عليه أن ينسج منها صورة متكاملة أقرب ما تكون إلى الحقيقة ، فهو في حوار دائم بين الممكن والموجود ، بين الظاهر والباطن ، ومحكه دائما هو الاحتكام إلى الواقع . فالتشخيص في الطب ، والمنطق في الفلسفة وجهان لعملة واحدة : التفكير العقلاني .
سنعرض الآن وسائل الفحص الرئيسة في تشخيص أمراض الجهاز الهضمي ، وهي تخصصات قائمة بذاتها تحتاج إلى مجلدات .
القصة السريرية
وأول شيء نفعله في لقائنا مع المريض أن نصغي إليه جيدا ونستمع إلى قصته وشكواه وأعراضه . فالاستماع نصف التشخيص ، فنسأله عن الألم أهو مستمر أم متقطع، ثابت أم متنقل ؟ متى بدأ ، وكيف تحول وتطور ؟ وعلى الطبيب أن يساعد مريضه ويقوده ، وعلى المريض مثل ذلك ، فهما شريكان في محاولة حل المشكلة .
ويقال إن الكبد من الأعضاء التي تبكي في صمت ، ولكن هل هناك بعض الأعراض التي يشكو منها مرضى الكبد ؟
نعم ، فإن أمراض الكبد لا تعطي مؤشرات منذرة بصورة واضحة ، ومن هنا يأتي أهمية الفحص الدوري الإكلينيكي والمعملي ، ولكن في حالة ظهور الأعراض التالية فاستشارة الأخصائي واجبة :
1. صفراء بالعين وتلون البول .
2. الضعف العام والهزال المستمر .
3. النزيف المتكرر من الأنف واللثة .
4. القيء الدموي أو إخراج براز بلون القار
5. الحكة الجلدية المستمرة .
6. انخفاض الوزن .
الفحص السريري
يعني أن نفحص المريض فحصا مباشرا وهو راقد في السرير، وذلك باستعمال الوسائل الطبيعية البسيطة : المعاينة ، واليد ( الجس والقرع ) ، والأذن (الإصغاء )
ويستلقي المريض على السرير ويكشف عن بطنه ، فيجسه الطبيب . وفحص البطن والبحث عن علاماته يتبع خريطة تقسم البطن إلى 9 مناطق :
* ثلاث في الوسط – فم المعدة ( فيه نفكر في أمراض المريء والمعدة والاثني عشرى ، وفي الفص الأيسر للكبد ) ، ووسط البطن حول الصرة ، وفوق العانة . يرمز إليها في الشكل بـ أ ، ب ، ج على الترتيب .
* ثلاث في كل جانب – المراق ، والقطن ، والحفرة الحرقفية ( فيه نفكر في التهاب الزائدة الدودية ، أو التهاب القولون ، أو تدرن الأمعاء ) . يرمز إليها في الشكل بـ د ، هـ ، و على الترتيب .
فلأن البطن هو جزء الجسم الذي يحوي معظم الجهاز الهضمي ، لذلك نركز فحوصنا عليه. إلا أن فحص أجزاء الجسم الأخرى لا تقل عنه أهمية .
الفحص المخبري
هناك فحوص مخبرية روتينية ، بسيطة وغير مكلفة ، وهناك فحوص أخرى خاصة :
فحص البراز : من ألزم الفحوص الروتينية لأمراض الجهاز الهضمي ، نتبين شكله وقوامه ولونه ، ثم نفحص البراز فحصا مجهريا بحثا عن بويضات الديدان كالبلهارسيا والأسكارس ، وعن الطفيليات الأخرى كالأميبا . أما الفحوص الخاصة للبراز فمن أمثلتها فحص البراز للدم الخفي وهدفه التعرف على مصادر النزف من القناة الهضمية .
فحص الدم : تكشف عن الأنيميا ، وكذلك ارتفاع سرعة ترسيب الدم . وزرع الدم بكتريولوجيا يحدد لنا الحمى التيفوئيدية . أما تحاليل الدم الكيميائية فشتى : وظائف الكبد مثل إنزيمات الكبد ومعدل البروتين ، وإنزيم البنكرياس ، والصفراء في الدم ولها دور أساسي في تشخيص أسباب اليرقان .
التحاليل المناعية والمصلية : وهي تحاليل تهدف إلى الكشف عن ميكروبات أو مكونات ضارة وأجسام مضادة تتفاعل معها .
ثم هناك فحوص خاصة الجهاز المراري .
فحوص خاصة بالكبد :
يلزم لتشخيص أمراض الكبد عمل تحاليل خاصة تسمى وظائف الكبد وهي :
1. تحديد نسبة الصفراء ( البليروبين ) في الدم ونوعها .
2. نسبة الأنزيمات الكبدية المختلفة .
3. تحليل البول لتحديدي وجود البليروبين .
فإذا كانت نسبة الصفراء عالية دل ذلك على إصابة الكبد بالمرض ، أما إذا كانت نسبة الصفراء عالية بالدم مع عدم وجود ارتفاع في باقي التحاليل من الأنزيمات الكبدية ، فإن ذلك يدل على أن السبب هو تكسير في كرات الدم الحمراء ويكون الكبد في هذه الحالة غير مصاب وليس له يد في الصفار .
أما إذا كان هناك تليف بالكبد .. فعادة تكون وظائف الكبد في حدود النسبة الطبيعية ونقول إن الكبد في حالة تكافؤ مع المرض ، أي أن وجود وظائف الكبد الطبيعية لا يعني أن الكبد خال من المرض .
من التحاليل الهامة للكشف عن أسباب الصفراء الناتجة عن إصابة الكبد بالفيروس
( أ – ب – د – لا – أ / لا – ب ) فيوجد علامات مميزة لكل فيروس من هذه ، ويمكن الكشف عنها بعمل تحاليل خاصة بكل نوع . وأيضا بواسطة هذه التحاليل يمكن معرفة حاملي الفيروس ب الذي يعتبر أكثر الفيروسات ضررا ، والذي لا يظهر عليهم أي أعراض مرضية .
ومن التحاليل الهامة أيضا تحديد نسبة البروتينات بالدم وتصنيفها لمعرضة مدى إصابة الخلايا الكبدية بالمرض ، وعجزها عن تصنيع البروتين الذي يؤدي إلى تورم القدمين .
وبفحص البول والبراز يمكن التوصل إلى الطفيليات التي تصيب الإنسان وتؤثر على الكبد مثل البلهارسيا والأميبا والدودة الكبدية والاسكارس وغيرها .
ويمكن الكشف عن هذه الطفيليات بالتحليل السيرولجي باستعمال الأمصال الخاصة لكل نوع من أنواع هذه الطفيليات للكشف عنها بالاختبارات الجلدية .
أما التحليل الخاص بالكشف عن سرطان الكبد فهو يسمى البروتين الجنيني ( أ ) .
الفحص التصويري
وهي تصور الكبد بطريقة لا تنتهك حرمة الكبد .
وهذه الطرق هي المسح الذري للكبد ، الموجات فوق الصوتية ، الأشعة المقطعية ، أشعة الصدى المغناطيسي . ولكل وسيلة من هذه الوسائل إمكانيتها ، والمرض الذي يغفل تشخيصه بوسيلة من هذه الوسائل يمكن تشخيصه بالأخرى .
* الأشعة السينية :
نبدأ فيه بصورة بسيطة للبطن توضح لنا المعالم الرئيسة للجهاز الهضمي وتوزيع الهواء فيه . ففقاعة الهواء التي تملأ قاع المعدة مثلا تحدد لنا مكانه ، وهل هو في وضعه السليم ؟ والغازات في جوف الأمعاء هل هي محتبسة من التواء ؟ وارتفاع الحجاب الحاجز الأيمن هل هو من تضخم في الكبد ؟ والبقع البيضاء المعتمة هل هي حصوات في المرارة ؟ فإذا أضفنا إلى ذلك تلوين القناة الهضمية بمادة معتمة مثل الباريوم ، أو تلوين المرارة بصبغة خاصة تكشف عنها .
* الموجات فوق الصوتية :
يمكن أن يعطي صورة عن حجم الكبد والطحال ، كما يشخص وجود حصوات المرارة بسهولة وكذلك سبب الصفار الذي يحدث بعد عملية استئصال المرارة . ويوضح وجود أي بؤرة مرضية بالكبد كالورم أو تليف بالكبد .
المبدأ فيه أن تسلط على الجسم موجات ترددها أعلى من تردد الصوت ، وعندما تخترق هذه الموجات ثم تصطدم مع أجزاء الجسم المتفاوتة في كثافتها فإنها تنعكس وترتد إلى شاشة تلفزيونية يمكن رؤيتها . وبذلك نميز الكبد إن كان متليفا أو طبيعيا ؟ والمرارة إن كانت ملتهبة أم طبيعية ؟ والطحال ما حجمه وما تكوينه ؟
إلا أن الموجات الصوتية قد تفشل في تشخيص البؤر الكبدية الصغيرة أو الانسداد المراري في 20 % من الحالات ، وتعتبر غدة البنكرياس من الأعضاء التي يصعب على الموجات فوق الصوتية تشخيصها .
* الأشعة المقطعية :
هي طريقة يستخدم فيها الكومبيوتر والأشعة التقليدية في رسم صورة مقطعية للكبد كل صورة على بعد 1 سم من الأخرى . وقد تستعمل لتقييم أمراض الكبد ، ولكن عادة ما تستخدم كحكم لتأكيد المظاهر المرضية في الكبد .
وسيلة سهلة وحساسة خاصة إذا حقن المريض بصبغة ملونة لأنها توضح القنوات الصفراوية والانسداد بها ، كما تظهر أي بؤرة مرضية صغيرة أغفلتها الموجات الصوتية .
من مزايا الأشعة المقطعية : أنها تخص أمراض البنكرياس بدقة عن الموجات الصوتية . كما يمكن أن تميز تورم الغدد اللمفاوية في المنطقة البابية للكبد . ولكن من سيئات هذه الطريقة أن تكلفتها مرتفعة بالإضافة إلى أنها متوافرة فقط في المراكز الكبيرة .