وكأن المفاجأت في هذه الليلة تتوالى ، أبصرت أمامي فوج السيارات وقد توقف كليةً ، ضغطت على كوابح السيارة ، بحثت عن منفذ حتى أتجاوزهم ، سرت في المسار الأيسر تجاوزت الصف الأخير ، لكنني توقفت فالطريق قد أغلق تماماً ، أوقفت السيارة ، يبدو أنني أحتاج لوقت حتى أواصل السير ....أخرج الشباب أجسادهم من النوافذ وبدأت أصوات الغناء ترتفع ، والبعض منهم يردد ويصفق ، والبعض يرقص ...إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا أفعل الآن ؟ ...انتظرت لحظات أنصت فيها ، ربما يقوم بعضهم بالقيام بحركات مثيرة بالسيارة ، لكنني لم أسمع أصوات التشجيع وأصوات كوابح السيارات كما هو الحال في تجمعات الشباب .....شعرت بانقباض ، قلت في نفسي : لعله حادث ؟ ....زاد قلقي عندما رأيت الشباب يتوقفون عن الغناء والرقص والتصفيق ، ثم يخرجون من نوافذ السيارات ، ويركضون إلى الأمام .....هممت أن أنزل لأرى ، لكنني خشيت أن يأتي أحدهم ويأخذ السيارة ، أو يصطدم بها أحد العابثين ...انتظرت في مكاني لحظات ، الوضع لم يتغير ، أغلقت السيارة ، وقبل أن أخرج منها ، أقبل شاب يجري على قدميه ، يضرب السيارات بيديه ويركلها بقدميه ، وهو في حالة انهيار عصبي ، لم تسلم سيارتي من ضرباته المتتالية ، حاولت أن أوقفه لكنه ركض بعيداً عني ....وقبل أن يبتعد كثيراً ، أقبل شابٌ أخر يجري على قدميه يبكي ويصرخ بصوتٍ عالٍ : إللي ما راح لا يروح ، إللي ما راح لا يروح ، مواقف شنيعة ، مواقف شنيعة ، أوقفته وسألته : ماذا حدث ؟ ....يا أخي أقول لك مواقف شنيعة ، الأن يلقنونهم الشهادة ، اللي ما راح لا يروح ...تركته وانطلقت إلى المكان الذي جاء منه ...تجاوزت الجميع ، أشلاء متناثرة ، وأجساد ملقاة على الأرض ، وأخرى لازالت محجوزة في السيارة ، لا تسمع إلا الأنين ، ولا ترى إلا باكياً حزيناً ، قد أصابه الموقف بالدهشة والحيرة فانعجم لسانه ...شاب في العشرين من عمره ارتفع صوته ، قد انكب على رجل تجاوز الأربعين مُلقى على الأرض قد فقد ساقيه ونزف الدم من جميع أنحاء جسمه ، يعالج سكرات الموت ...أخذ الشاب يهزه ويصرخ قل : لا إله إلا الله ، قل : لاإله إلا الله ، سبحان الله ، الله أكبر ...أخذ يردد أذكاراً متنوعة ، ويهزه هزاً عنيفاً يكاد يقتلعه من الأرض ....رفع الرجل رأسه ، انطلقت من شفتيه كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، ثم سكت ، وعيناه تتوسلان للشاب أن يتركه ....أسرعت نحوهما ، جذبت الشاب نحوي ، أقبل عليّ ، فانبعثت من فمه رائحة الخمر ، أذهلني الموقف ، تركته و ابتعدت عنه قليلاً ، صاح بي أحد أصدقائه : إنه مخمور ...عدت إليه ، حاولت أن أبعده ، فصاح بي : لازم يقول : لا إله إلا الله ، أنت عارف ، لازم يقول لا إله إلا الله ...محاولاتي لم تنجح ، والرجل يوشك أن يفارق الحياة ، تركتهما وانطلقت نحو مصاب آخر قد تجمع رفقاؤه من حوله ...اقتربت منه ، وجدتهم ينادونه ويسألونه : كيف حالك ؟ لكنه لا يجيب ، قد انثنت رقبته على كتفه ، والدماء تغطي جسده ...وضعت يدي على صدره ، ضربات القلب ضعيفة جداً ، دنوت منه وهمست بصوت خاشع ، قل : لا إله إلا الله ، قال لي أحد الواقفين : إنه في غيبوبة ولن يجيب ....لكن الشاب فتح عينيه ، وعض على شفتيه ، فانطلقت زفرة مكتومة من صدره ، تبعتها آهات وحشرجة افرعت الجميع ، ثم قال : ما أدري إيش فيني ...قلت له : هل تشعر بغشيان ...قال : أحس بدوخة ...قلت له : قل لا إله إلا الله ....فزفر وعض على شفتيه مرة أخرى ، وقال : أقولك ما أدري إيش فيني ...قلت له : هل تؤلمك قدماك ...قال : نعم ...كررت عليه الأسئلة ، وفي كل مرة يجيب بنعم ...انتهزت الفرصة مرة أخرى ، قلت له : قل لا إله إلا الله ...التفت نحوي وقد عض على شفتيه وأطلقها زفرة قوية ، وقال : أقولك ما أدري إيش فيني ...لحظة رهيبة ، لم أعد أرى إلا الدموع ، و لم أعد أسمع إلا البكاء ، انهار رفقاء الشاب وهم يشاهدون صديقهم لا يستطيع أن ينطق بلا إله إلا الله ....تركته على الأرض ، واتجهت نحو المصاب الأخير ...سبقني إليه الضابط ومعه مجموعة من الشباب ، يحاولون إخراجه من السيارة ، حاولت مساعدتهم ، وكلما حاولنا رفع الباب يرتفع جسد الشاب ، قررنا سحب الباب أوخلعه ، فلم نستطع ، فقد أخترقت أجزاء من الباب جسد الشاب ، التفت الضابط نحوي وقال : نحتاج إلى الدفاع المدني ، وأجهش بالبكاء ....اقتربت من المصاب ، أدخلت رأسي من النافذة ، اقتربت بفمي من أذنه ، وهتفت : لا إله إلا الله ، قل لا إله إلا الله ، التفت نحوي ، وأطبق بأسنانه على شفتيه ، وانبعثت زفرة مكتومة ، راح يحمحم بعدها ، ويصدر أصواتاً غريبة ، جثى الحاضرون على الركب وارتفع البكاء ، أما الضابط فقد أجهش بالبكاء وكأنه فقد والده أو ابنه ....مال الشاب على جنبه الأيسر ، وبقي جسده معلقاً ....لحظات من الانتظار حضر خلالها رجال الدفاع المدني وتم تخليصه ، وأثناء نقله إلى سيارة الإسعاف تابعته ، وفي آخر لحظة وضعت يدي على صدره ، أتحسس ضربات قلبه التي توقفت ، ليفارق الحياة ...انطلقت سيارات الإسعاف ، تحمل جثث الموتى ، وبقي الجميع في حالة ذهول ....تحولت ساحة الحدث إلى تجمع كبير من الناس الذين خرجوا لأداء صلاة الفجر ، اختلط البكاء بالتساؤلات التي انطلقت من أفواه الناس ....فهذا يصف الحادثة ، وذاك يهدئ الباكي ، وآخر شارك الباكين بكاءهم ، ومن بين الجميع ، انطلق الشاب ذو العشرين عاماً يجري قد فقد صوابه ، يجري في اتجاهات شتى ذهاباً وإياباً ، يضرب بيديه وجهه وصدره ، ثم يلقي بجسده على الأرض ، توجهت الأنظار نحوه ، ابتعد عن الجميع ثم وقف ليطلقها صرخة مدوية اهتزت لها أرجاء المكان ، وتزلزلت لها قلوب الحاضرين ....إن الله عظيم ، إن الله عظيم ، ليه هو قال لا إله إلا الله ، وهم ما قالوا ، أشار نحو رفقائه وقال : أنتم مجانين ، أنتم مجانين ، ثم صرخ لا ... أنا مجنون ، أنا مجنون لأني مشيت معكم ، انخرط في بكاء شديد ثم قال : ليه هم ماتوا وأنا ما مت ليه هم ماتوا وأنا ما مت ، ليتني مت معهم ...أمسكت به ، هززته ، احمد الله الذي أمد في عمرك لتتوب ، التفت نحوي بدأ يضربني بيديه على صدري ، ثم يحتضنني ، ألقى برأسه على كتفي وأخذ يبكي مثل الطفل الصغير ، حاولت تهدئته ، نظر إليّ ، وقال: إن الله عظيم ، أنت عارف أن الله عظيم ، خنقتني العبرة وأنا أهز رأسي مؤكداً له أن الله عظيم ، نعم إن الله عظيم ، بكى الحاضرون من هذا الموقف ....=
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]