تعريف الطاعون:
الطاعون لغة: جاء في لسان العرب أنه: المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان (1).
وهذا التعريف غير دقيق، بل الصحيح ما جاء في المعجم الوسيط: داءٌ وَرَمِيٌّ وبائي سببه مكروب يصيب الفئران، وتنقله البراغيث إلى فئران أخرى وإلى الإنسان (2).
ويؤيده ما ورد في التعريف الاصطلاحي الذي ذكره النووي: الطاعون: قروح تخرج في الجسد فتكون في الآباط أو المرافق أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه ورم وألم شديد، وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيء (3).
ويؤيد ما ذهب إليه النووي الحديث الذي روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: " غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط ".(4)
ومن هذا التعريف يتبين أن الطاعون مرض مخصوص بأعراض معينة، وليس كل وباء معدٍ يعد طاعوناً إلا بالقياس أو المجاز.
ويرى ابن القيم أن بين الوباء والطاعون عموم وخصوص؛ فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعون، وكذلك الأمراض العامة أعم من الطاعون؛ فإنه واحد منها. (أي: الطاعون أحد أنواع الأوبئة).
وهو ما ذكره الخليل بن أحمد فقال: الوباء: الطّاعون، وهو أيضاً كلّ مَرَض عامّ، تقول: أصاب أهل الكورة العام وباء شديد.. وأرضٌ وَبِئة، إذا كثر مَرْضُها، وقد استوبأتها وقد وَبُؤَت تَوْبُؤُ وَباءةً، إذا كَثُرت أمراضها. (5).
القدوم على بلد انتشر فيه الطاعون والخروج منه:
- يرى جمهور العلماء منع القدوم على بلد الطاعون ومنع الخروج منه فراراً من ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الطاعون آية الرجز ابتلى الله عز وجل به أناساً من عباده، فإذا سمعتم به فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه " (6).
وأخرج مسلم من حديث عامر بن سعد أن رجلا سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن الطاعون، فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنا أخبرك عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه، وإذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فراراً "(7).
وأخرج أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: قلت: يا رسول الله فما الطاعون؟ قال: غدة كغدة الإبل، المقيم فيها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف " (. - قال ابن القيم: وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها الطاعون عدة حكم:
إحداها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها.
الثانية: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.
الثالثة: أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيصيبهم المرض.
الرابعة: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
[ وهذا الذي ذكره ابن القيم هو ما يسمى " العدوى " في زماننا ].
الخامسة: حماية النفوس عن الطيرة والعدوى؛ فإنها تتأثر بهما، فإن الطيرة على من تطير بها، وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية، والنهي عن التعرض لأسباب التلف، وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل والتسليم والتفويض، فالأول: تأديب وتعليم، والثاني تفويض وتسليم. (9).
- قال النووي: والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم عليه والفرار منه لظاهر الأحاديث الصحيحة. قال العلماء: وهو قريب المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا " (10).
* أما الحكمة من منع الخروج من البلد الذي فيه الطاعون:
- لأن الطاعون في الغالب يكون عاماً في البلد الذي يقع به فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن بها، فلا يفيده الفرار، لأن المفسدة إذا تعينت - حتى لا يقع الانفكاك عنها - كان الفرار عبثا فلا يليق بالعاقل.
- ومنها: أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه - بالمرض المذكور أو بغيره - ضائع المصلحة لفقد من يتعهده حياً وميتاً.
- وأيضاً فلو شرع الخروج فخرج الأقوياء لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء، وقد قالوا: إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف ما فيه من كسر قلب مَن لم يفر وإدخال الرعب عليه بخذلانه.
- ومنها: حمل النفوس على الثقة بالله، والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضا بها (11)
- ومن الحكم أيضاً: الحرص على عدم انتشار العدوى في البلاد غير الموبوءة.
ذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ أنه حين أصاب المسلمين طاعون عمواس، خرج بهم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى الجبال، وقسمهم إلى مجموعات، ومنع اختلاطها ببعض وظلت المجموعات في الجبال فترة من الزمن، حتى استشهد المصابون جميعاً، وعاد بالباقي إلى المدن.
والمنع من دخول المناطق الموبوءة بالطاعون والخروج منها هو ما يسمى في عصرنا الحالي: " الحجر الصحي "، بحيث يمتنع انتقال المرض بالعدوى من الشخص المريض إلى السليم.
انظر مقال: الحجر الصحي