بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالهداية في أصلها شيء جميل، وشعور نبيل، فهي عنوان محبة، وبريد مودة، يهديها المحب لحبيبه، ويبعث بها الصديق لصديقه، ويقدمها الوالد لأبنائه، وقلبه يدعو لهم، ويتمنى لهم كل توفيق وهداية، ودوام صحة وعافية.
ويوم تتحول الهداية إلى قنبلة يُنتظر انفجارها في أي لحظة، ويوم تتحول إلى أداة إفساد وقتل للأبرياء، تخرج عن معناها الحقيقي إلى معنى آخر لا يرضاه الإسلام ولا يقره.
نقول ذلك لأن من الآباء من يقدم لأبنائه هدية الموت، وجائزة العجز والهلاك.
نقول ذلك لأن من الآباء من يدفعون أبناءهم إلى الانتحار، ويقدمون لهم السلاح الذي يذبحون به أنفسهم، بل ويذبحون به غيرهم من الناس.
قد تستغرب أخي الكريم هذا الكلام، ولكنها الحقيقة التي لا تزال تصدمنا كل يوم في الشوارع والطرقات والميادين العامة، والتي نطالعها كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة، غير أننا نعمى عنها، ونمر عليها مرور الكرام، دون اتعاظ أو اعتبار.
لماذا لا نتعظ بما يجري لغيرنا؟ أليس السعيد من وعُظ بغيره؟
لماذا لا نتعلم إلا إذا كان الضحية ابناً من أبنائنا حصدته هدية الموت التي حصدت آلافاً من الشباب غيره؟
إن هدية الموت أيها الأب المبارك هي السيارة التي يعطيها الوالد لولده، الذي لم يبلغ مبلغ العقلاء، ولم يأنس منه والده رشداً واتزاناً.
كيف تسمح لولدك بقيادة السيارة وأنت تعلم عن العجلة والتهور وعدم التأني في كثير من أموره؟
كيف تشتري لولدك سيارة وهو لم يبلغ السن المسموح له فيها بقيادة السيارة بنفسه؟
كيف تشتري لولدك السيارة، وأنت تعلم أنه لم يدرك قيمة النعمة، ولم يتعود المحافظة عليها؟
كيف تمكن ولدك من قيادة السيارة، وأنت تعلم أن أصدقاءه من فصيلة أصحاب السوء، وشلل الفساد، ولصوص الأوقات؟
أتظن بذلك أنك ستجعل منه رجلاً يعتمد على نفسه؟
كلا والله، فإن السيارات لا تصنع الرجال، ولكنها مع المراهقين تصنع أجيالاً من المفحطين المعربدين العابثين بأمن المجتمع، المستهزئين بحياة البشر.
إن مصانع الرجال الحقيقية هي بيوت الله عز وجل، فهل جربت أخي الوالد أن تربط أبناءك بالمساجد؟
هل جربت أن تجعلهم من المحافظين على الصلوات الخمس في الجماعة؟
هل جربت أن تربطهم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم؟
إن ذلك أخي الوالد هو الذي يصنع الشباب المؤمن التقي المؤهل لقيادة نفسه أولاً وكبح جماح رغباتها.
فمثل هذا الشاب إذا قاد سيارته كان حذراً في قيادته، عارفاً بقواعد المرور، ملتزماً بسلوكيات الطريق، محافظاً على النعمة التي بين يديه، فلا يهينها، ولا يفسدها، ولا يعرضها للحوادث والصدمات.