ننتظر حلول شهر القرآن الذي قال عز و جل عنه:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (185) البقرة
أي: الصوم المفروض عليكم, هو شهر رمضان الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم, المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية, وتبيين الحق بأوضح بيان, والفرقان بين الحق والباطل, والهدى والضلال, وأهل السعادة وأهل الشقاوة.
لذلك وجب الاعتناء اعتناء فائقا بكتاب الله في هذا الشهر المبارك و لا شك أن كل مسلم يقرأ كتاب الله عزّ وجلّ، له رغبة أن يفهم هذا القرآن و أن يستشعر عظمته، له رغبة أن يعيش مع القرآن وأن يبكي معه، له رغبة أن يفرح ويسر بل ويضحك مع كتاب الله عزّ وجلّ. فإليكم قواعدا خمس لا بد من تقريرها و استقرارها في الذهن والقلب لتحقيق هذا الهدف، أولها بل وأجلها وأعظمها هي:
القاعدة الأولى :المؤمن حيٌ مع القرآن وبدونه ميّت
والمؤمن مع القرآن مُبصر وبدونه أعمى، والمؤمن مع القرآن مُهتدٍ وموفّق ومُسدد وبدونه ضالٌ وغير مُوفّق وغير مُسدد، هذه القاعدة لابد وأن تكون مُستحضرة في الذهن من حين أن يعقل الإنسان المكلف إلى أن يتوفّاه الله عزّ وجلّ، إذا استقرت هذه الحقيقة في قلب المؤمن عندئذٍ سيسعى مرة تلو مرة ليعيش مع كتاب الله عزّ وجلّ. عندما تتأمل في هذه الحياة الدنيا فتنظر إلى إنسان حي وتنظر إلى إنسان ميّت، انظر وقد يقع لك هذا مرة من المرات، عندما ترى ميّتًا مجندلا لا حراك له وترى بجانبه إنسانًا حيٌ فيه حراك وفيه روح، تأمل الفرق بين هذا وذاك، أترى أن نظر هذا الميت كنظر هذا الحي، أترى أن سمع هذا الميت كسمع هذا الحي، أترى أن حركة يدي هذا الميت كحركة يدي هذا الحي، انظر إلى رجليه، أترى الميّت يُحرك رجليه كما يُحركها الحي؟ تأمل الفرق بين هذا وذاك، خاطب الميت ثم خاطب الحي، اضرب الميت ثم اضرب الحي، انظر إلى هذا وانظر إلى ذاك، حرك في هذا ساكنًا وحرّك في هذا ساكنًا، ما الفرق بينهما؟ الفرق بينهما عظيم جدًا!!!
إذا استحضرت ذلك، هل ستترك كتاب الله عزّ وجلّ و ستهمله؟ هل ستغفل كتاب الله سبحانه ولا يكون لك حظٌ منه في ليل أو نهار؟ لا والله لا يفعل ذلك عاقل.
من الآيات العظيمة الجليلة في هذا الشأن قوله سبحانه وتعالى في سورة الشورى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشورى: 54] تأمل كلمة روح و هي القرآن فهو حياةٌ للقلوب كما أن الروح حياة للأبدان، فالقرآن روح للقلب و للفؤاد، روح لنفسك التي بداخل جنبيك كما أن الروح هي حياة لبدنك، كما أن الروح هي حياةٌ لجسدك، كما أن جسدك بدون الروح لا شيء فكذلك قلبك .
القاعدة الثانية : الأصل في خطاب القرآن أنه موجه إلى القلب
وقد يغفل عن ذلك كثير من المسلمين ليس إلى جوارحه، ليس إلى سمعه، إلى بصره،إلى أطرافه، لا، وإنما الكلام في أصله هو موجهٌ إلى القلب، ولذا جاء الكلام عن القلب كثيرًا في كتاب الله سبحانه وتعالى، وجاء وصف القلوب بأنواع من الوصف، جاء وصف القلوب بأنها تارة تكون مريضة، وتارة تكون ميتة، وتارة تكون عليها الران، وتارة يُختم عليها، وتارة يُطبع عليها، أوصاف كثرة جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ، وجاء مرة الوصف بأن قلوبهم قاسية، فوصف القلب في القرآن جاء كثيرًا متنوعًا، لم هذا؟ لبيان هذه الحقيقة، أن هذا القرآن جاء أصلا في أصل خطابه لعلاج القلوب، جاء القرآن ليتحدث مع قلبك أيها المؤمن، ليحاور هذا الفؤاد، قال عز و جل ﴿ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ التي هي القرآن، ﴿ وَشِفَاءٌ ﴾ يحقق لنا أنه شفاءٌ لأي شيء؟ ﴿ شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾، الذي هو في الصدور هو هذا القلب، ﴿ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ و أكرر أن القرآن خوطبت به الجوارح وخوطب به السمع والبصر والأيدي والأرجل والفروج وغير ذلك، ولكن أصل الخطاب هو موجهٌ إلى القلب.