يابُنيتي: عليكِ باحتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج، وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لابد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت.
يا بُنيتي: إن تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس:"تهادوا تحابوا". فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن عن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة.
بُنيتي: تعقلي في الطلبات بحيث لا تكلفين زوجك بما لا يطيق، فترهقين ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيفين عليه أعباء جديدةلم يكن قادراً على توفيرها. وكذلك الزوج مطالب هو أيضاً ألا يحمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: "..لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا.."(البقرة:133)
أي بُنية: ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن انفرد به. مع إنزاله منزلته، من كونه رب الأسرة وحاميها والمسؤول الأول عنها، وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبين لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصر الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ المناخ لمناسب لمعاودة الطرح. فمن الأهمية بمكان التشاور وتبادل الرأي من خلال عقد جلسات عائلية دورية يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة، ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل. وذلك عبر رؤية مشتركة. فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لاشك أنها أفضل من نظيراتها الفردية.
يا بُنيتي: يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات الزوجية والأسرية، والبعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعير الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثر في الدين والخلق أو يجرح الاستقامة والسلوك، وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً ثم المصارحة بأسلوب المشفق الودود.
وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا"، وكذلك ما عاب طعاماً قط، فالانتقاد الحاد والهجوم الصارخ قد يقود إلى التعنت والعناد، ويؤدي إلى العزة بالإثم.
يا بُنيتي: كثيرا ما تهتم الكتابات التي تُعني بالسعادة الأسرية، بمجموعة من السلوكيات الإيجابية، والنصائح الثنائية لطرفي الرابطة الأسرية، كي تستقر الأسرة، وتستمر أسباب سعادتها ومودتها:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21)، لكن ـ وبمفهوم المخالفة الذي يتعرف الأخطاء والسلبيات مخافة الوقوع فيها ـ قليلا ما يأتي التحذير من تلك الأمور التي تؤشر على قرب انهيار تلك الرابطة المقدسة، وتدق ناقوس الخطر بشأن معاول الهدم التي تنخر بقوة في ذلك الحصن لتهدمه، وفي تلك السفينة لتغرقها، وذلك بالانفصال المعنوي داخل الأسرة أو الكلي بالطلاق ـ(والذي ارتفعت نسبته في مجتمعاتنا..سواء فيما بات يعرف بـ"الطلاق المبكر" خلال العام الأول من الزواج، أو في زيجات قد مضي عليها عقود من الزمان، فحذار من معاول تهدم حصن الأسرة، وتأذن له بالانهيار وابتعدي عنها.. وقايةً، أو ليكن التصارح بشأنها ـ إن حدثت ـ لتدارك آثارها..علاجا، ومن ثم بذل الجهود لبناء السعادة الأسرية.. رسوخا واستقراراً.
يا بُنيتي: إن الشعور بعدم الرغبة في العودة إلي المنزل، ومداومة البحث عن أسباب أو أعمال إضافية، أو أصدقاء للانشغال بهم عن العودة لعش الزوجية من علامات الإنذار المبكر..إذ المرء يهرب مما يسبب له ألما ومعاناة، واستمرار ذلك يولد مزيدا من الشقاق والنزاع الأسري، مما يأذن بهدمها. إن تفريع الأوقات للأسرة، واللهفة للتواصل واللقاء الحميمي، وتحمل المسئوليات العائلية والتربوية نحو الأبناء، مؤشر صحة وسعادة وتماسك واستقرار الأسرة.
يا بُنيتي: يشكو بكثرة كده وجهده وعمله لتوفير الحاجيات والنفقات المتعاظمة والمتزايدة، في حين لا يري حرصا أو ترشيدا في الإنفاق، أو الاستهلاك الترفي غير الضروري، بل يُدفع بسياط "الحرص والرغبة في زيادة الدخل أكثر مما هو عليه الآن". وإن كانت الزوجة تعمل ينشأ الجدل حول مساهمتها في الأنفاق على الأسرة؟، إذ ان وقت عملها من حق البيت والأسرة. إن إساءة التعامل مع الجانب الاقتصادي من أهم وأخطر معاول الهدم الأسري، والطعن في مبدأ" القوامة" وتمييعه، نذير شؤم عائلي، فلتكن الثقة متبادلة، وبذل المزيد من الطاقة ـ معاـ علي حسن إدارة دفة البيت في ظل تحولات اقتصادية متسارعة، مع تقدير جهود الزوجة "العاملة" داخل وخارج المنزل، ثم لا تحمّـلوا أنفسكم فوق طاقتها:"لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق:7).
يا بُنيتي: حذارِ من فقد الاهتمام بأخباره/ أخبارها، وعدم العناية بأقربائه / أقربائها، وجفاف ينبوع التعاون والتواصل وبث المشاعر عن الهموم والصعوبات والمشكلات اليومية التي مرت بكما، وغيرها من أمور التواصل اللفظي والفكري والوجداني والاجتماعي. إن الفتور و"الصمم" الأسري مدعاة لانهيار المنزل إذ يحوله إلى فندق، يعيش فيه الجميع في وحيدة وعزلة كحاضرين غائبين.. فإذا ما تحدثوا فعن "أحوال الطقس، وعناوين الجرائد"، والقاعدة الأساسية: "الصمت من ذهب"، "وليخدم كل واحد نفسه بنفسه Help yourself".
يا بُنيتي: إن استمرار إحراج/ نقد/ معارضة/ تكذيب أحد الطرفين أمام الأبناء والأهل والغرباء، والتظاهر بمعرفة ما سيقوله مسبقاً سلوكيات سلبية قد تكون تنفيساً عن مواقف سلبية أخري بدرت من أحد الطرفين، لكنه كفيل برد فعل من الزوجة استمرارا في السلبية أو من الزوج بفصم عري هذا الزواج الذي لا يحظي فيه بالاحترام اللائق من زوجته. إن الاعتذار عند الخطأ ـ والذي قد يكون تافهاًـ دليل علي الأخلاق السامية، وبيان عن مدي الحرص علي عش الزوجية من أن تتقاذفها الأنواء والهواء، أما الإصرار علي هذه السلوكيات السلبية فمن دواعي الشقاق والدمار الأسري.
يا بُنيتي: "للطاهرة خديجة" رضي الله عنها كان الفضل، والمكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ثمّن نبيك عالياً لمن عاشت معه "حلو الحياة ومرها". بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها وفاء لها وردا لأعتبارها:"إني قد رزقت حبها". فلم يفعل مثلما يحابي ويجامل ازواج زوجتهم الثانية بذم الأولى، فما بالنا وإن كانت الأولى في عداد الموتى؟!. ولنترك الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها إذ تقول: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد رزقت حبها"(صحيح مسلم، ج 4، ص 1888). إنه صلى الله لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها؛ إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها، وتروي أيضا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:"إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"(صحيح البخاري، ج 3، ص 1389). وأيضا تروي عائشة في ذلك فتقول: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: "إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان"،(المستدرك على الصحيحين، ج1، ص 62).