ما يجري هذه الأيام في غزة أمر يصعب على الكبار تحمله، فكيف بالصغار، خاصة مشاهدة مناظر الدماء والدمار. ربما يكون الكبار قادرين على فهم هذه المشاهد والتأقلم معها، لاسيما أنها أخذت تتزايد في السنوات الأخيرة نتيجة لكثرة الحروب والكوارث، ولكن الصغار -بالتأكيد- يحتاجون إلى تهيئة تجعلهم أكثر قدرة على التعايش مع الوضع دون أن يترك في نفسياتهم آثاراً سلبية.
من المهم في البداية التنبه إلى مدى مناسبة الصور المعروضة في التلفاز أو في الصحف لعمر الطفل وقدرته على فهمها والتعامل معها بشكل مقبول. فحرص بعض محطات التلفاز أو الصحف على نشر ما تَعُدُّه سبقاً إعلامياً من صور دامية من قلب الحدث يجعلها أحياناً لا تفكر أو تبالي بالتنوع العمري لمن يجلسون أمام الشاشة، أو يتصفحون أوراق الصحيفة أو المجلة. وللأسف فإن قليلاً -إن وجد أصلاً- من القنوات العربية يحذر مشاهديه قبل عرض الصور الدامية أو غير المناسبة للمشاهدين الصغار، أو ممن لديهم حساسية مفرطة ضد مشاهد العنف أو الدمار أو الأشلاء.
ولكن الحذر مهما بلغ فإنه لن يمنع تعرض الأطفال لبعض تلك المشاهد على الأقل، ولذلك فإن هناك قدراً من المسؤولية يقع على عاتق الوالدين، يتمثل في المشاركة الوجدانية مع أطفالهم في مثل هذه الأزمات، والسعي لتخفيف المشاعر السلبية التي ربما عانوا منها.
وللتعامل الإيجابي مع مثل هذه المواقف، يُنصح الوالدان بالقيام بما يلي:
1) تقبل مشاعر طفلك: وهذا يعني أن الطفل عندما يبدي قلقاً أو خوفاً مما يرى أو يسمع فإن دور الوالدين ينبغي أن يكون موجهاً نحو تقبل هذه المشاعر على أنها طبيعية، وأن كل إنسان يرى مثل هذه المشاهد -حتى الكبير- سيشعر بشيء مما يشعر به الأطفال. عندما يعرف الطفل بأنه شعوره طبيعي وأن مخاوفه طبيعية فإن هذا يجعله يتعامل معها بشكل أكثر إيجابية؛ لأنه يرى الآخرين من حوله يتصرفون بشكل طبيعي بينما هم يحملون مشاعر مشابهة لمشاعره.
2) احذر من إنكار مشاعره: يعتقد بعض الناس أن عبارات مثل (لا داعي للخوف) أو (لا تكن خوّافاً) تساهم في تقليل مشاعر الخوف أو القلق لدى الأطفال، والواقع أن مثل هذه العبارات التي تنكر مشاعر الطفل تجعله أكثر خوفاً وقلقاً، إضافة إلى أنها تجعله غير مستقر نفسياً؛ لأنه يشعر بأنه مختلف عن غيره، مثل شعوره بأنه جبان؛ لأن المفترض ألاّ يخاف في مثل هذه المواقف. لابد أن يعرف الطفل أن الخوف أمر طبيعي، وأن الناس جميعهم يخافون من بعض الأشياء في أوقات مختلفة من حياتهم.
3) اجعله يعبر عما في نفسه: يميل بعض الأطفال إلى الحديث إما بشكل مباشر أو غير مباشر عما يجول بخاطرهم، وقد تختلط فيه مشاعرهم الحقيقية مع المتخيلة. مجرد الحديث نفسه يساعد الطفل على الشعور بالراحة؛ لأنه يرى أنه بإمكانه التعبير عما يختلج في نفسه كل مرة يشعر فيها بالضيق أو الخوف، وهذا التعبير لابد أن يصاحبه تقبل المشاعر وعدم إنكارها كما سبق.
4) أجب على أسئلته بشكل صحيح: لابد أن يدور في ذهن الطفل تساؤلات عديدة أمام مثل هذه الأزمات، كما أن خيال الأطفال الخصب يجعلهم أحياناً يتخيلون أشياء لا وجود لها على أرض الواقع. لذلك عندما يسأل الطفل سؤالاً مهما كان معقداً أو سخيفاً في نظر والديه فإن عليهما محاولة الإجابة عليه بصدق ودقة قدر الإمكان، أو بقول (لا أعرف) إن كان الوالدان لا يعرفان الجواب. فهذا يساعد الطفل على معرفة الحقائق وفصلها عن الخيالات التي ربما تضخمت في نفسه نتيجة جهله أو عدم قدرته على البوح بها لشخص مقرب موثوق.
5) ساعده على وصف مشاعره: بعد أن يتحدث الطفل عن مشاعره، بإمكان أحد الوالدين أن يسمي مشاعره أو يصفها، مثل قوله (أنت خائف على إخوانك المسلمين)، أو (أنت تخشى من أن يصيبنا ما أصابهم). تسمية المشاعر أو وصفها لا يزيد الأمر سوءاً كما يعتقد بعض الناس، ولكنه يجعل الطفل يرتاح نفسياً بسبب معرفته لما يدور في نفسه، وأن من حوله قادرين على فهم مشاعره وتقديرها.
6) علّمه الطريقة المناسبة لتجاوز مخاوفه: إظهار التعاطف مع مخاوف الطفل يساعده على تجاوزها، فعندما يقول الطفل إنه يخاف من سقوط القذائف عليه، يمكن إخباره بأن الجميع يخافون من سقوط قذائف على بيوتهم، ولكن يمكن طمأنته بأنكم بعيدون عن المكان الذي تدور فيه الأحداث. وعندما يعبر عن قلقه بشأن ما يحدث لإخواننا هناك يمكنك تعليمه الدعاء بأن يعينهم الله ويثبتهم وينصرهم.
7) حول هذه المشاعر إلى فعل إيجابي: الأطفال من أكثر الفئات العمرية تفاعلاً وتضحية، لذلك يمكن أن يُطلب من الطفل اقتراح أفكار لمساندة إخواننا في غزة، مثل التبرع بشيء من ماله ولو كان قليلاً، فإن هذا من شأنه أن يرفع مستوى التضامن، ويقلل مشاعر الخوف، ويزيد من رغبة الطفل مستقبلاً في البذل بسخاء في المصارف التي تستحق أن يصرف فيها. ولا أقل من تعويدهم على الدعاء لهم كلما رأوا موقفاً صعباً يمرون به.
استثمر هذا الموقف تربوياً: كثير من الأطفال لا يقدر بعض الأمور التي وُلد وهي عنده، مثل نعمة الأكل الوفير واللعب وغيرها. ولذلك فإن مثل هذه المواقف يمكن توظيفها تربوياً لتعليم الطفل أهمية شكر الله تعالى على نعمه، وأن غيرنا قد لا يجد الأكل الذي يرفض الطفل تناوله أحياناً. كما ينبغي على الوالدين أن يشرحا لطفلهما أن ما يشتكي منه أي طفل لا يُقارن بما يعاني منه أطفال غزة الذين افتقدوا تقريباً كل شيء، ولم يبق لهم بعد الأمل بالله تعالى إلاّ أقل القليل. 9) وضح بما يتناسب مع عمر طفلك أن ما يحصل لأهل غزة هذه الأيام ليس شراً خالصاً، بل إن الله تعالى قد أراد لهم الخير وابتلاهم؛ لأن هذه علامة حبه تعالى لعباده. فما نراه من عذاب لهم قد يكون فضلاً من الله عليهم إن هم صبروا وأيقنوا بوعد الله تعالى. فإن هذا من شأنه أن يساعد الطفل على تقبل المصائب التي قد تقع في أي وقت.
10) أظهر الحب وعبر عنه بوضوح: يحتاج الطفل أحياناً أن يظهر والداه الاستعداد لبذل كل شيء لحماية الطفل من كل ما يخيفه، وأنهما سيكونان بقربه قدر الإمكان، مع احتضانه وتقبيله إن شعرا أنه قلق أو متوتر. ولكن من المهم الحرص على إعطاء الطفل جرعة تتناسب مع عمره بأن الله تعالى كتب كل شيء على بني آدم، وأنه ليس بالضرورة أن يكون الإنسان في غزة ليتعرض للخطر، وأن البعد عنها ليس بالضرورة ضماناً للأمان. بل لابد من التوكل على الله الذي يدبر الأمور بحكمته سبحانه.
ربما تكون هذه التوجيهات للأطفال ترفاً عندما تُقارن بما يعانيه أطفال غزة من جحيم الصهاينة، إلاّ أن الهدف منها هو بناء نفسية متوازنة تستوعب ما يجري، وتسعى للتفاعل معه بشكل إيجابي. نسأل الله تعالى العون والنصر والتأييد لإخواننا في غزة، إنه تعالى وحده القادر والمعين.