جبريل والروح
القدس :
1ـ يعتقد النصارى أن ملاك الله جبريل ـ عليه السلام ـ غير الروح
القدس ، ويستدلون على الفرق بينهما ببعض النصوص من كتابهم المقدس ، التي تذكر ملاك
الله جبريل أنه يأتي بالبشارة لمن يرسله الله إليهم ، وأنهم بعد هذه البشارة يحل
عليهم الروح القدس ، وهذا هو دليلهم على الفرق بينهما .
2ـ واستناداً
على هذا الفرق بينهما فإن جبريل في تعريفهم هو : (( ملاك ذي رتبة رفيعة
، أرسل ليفسر رؤيا لدانيال ، وبعث مرة في زيارة لنفس النبي ليعطيه فهماً ، وليعلن
له نبوة السبعين أسبوعاً ، وقد أرسل إلى أورشليم ليحمل البشارة لزكريا في شأن ولادة
يوحنا المعمدان ، وأرسل أيضاً إلى الناصرة ليبشر العذراء مريم بأنها ستكون أماً
للمسيح ، وقد وصف جبرائيل نفسه بأنه واقف أمام الله )) .
3ـ ومن النصوص
التي ذكرت بشارة ملاك الله جبريل لمن أرسله الله إليهم ، ثم حلول روح القدس عليهم ،
بشارة جبريل لزكريا بميلاد يوحنا وقوله له :
(( ومن بطن أمه يمتلئ
من الروح القدس )) ، وبشارة جبريل لمريم بميلاد المسيح وقوله لها :
(( الروح القدس يحل عليك )) ، وحينما قامت مريم بزيارة
أليصابات زوجة زكريا وسلمت عليها : (( فلما سمعت أليصابات سلام مريم
ارتكض الجنــين في بطنها ، وامتلأت أليصابات من الروح القدس )) ، وكذلك
زكريا : (( وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس ))
.
4ـ فهذه النصوص
من أدلتهم على الفرق بين جبريل والروح القدس ، ثم بعد حين من الزمن اعتقدوا إلوهيته
وقالوا في قانون إيمانهم إنه : (( الرب المحيي المنبثق من الأب ،
المسجود له والممجد مع الأب والابن ، الناطق في الأنبياء )) ،
5 ـ أن الروح
القدس في عقيدتهم هو الإله الذي حبلت منه العذراء مريم ببشارة جبريل لها لتلد
المسيح (الابن) ، فالأقنوم الثالث حل في بطن مريم لتلد الأقنوم الثاني
(الابن) .
6ـ وهذا
الاعتقاد ظاهر البطلان ؛ إذ كـيف يكون الروح القـدس جبريل ـ عليه السلام ـ وهو أحد
الملائكة المخلوقين من الله ـ كما عرفنا حقيقته ـ يبشر مـريم الإنسان المخلوق ،
بحلول الإله الروح القدس عليها ، لتلد الإله المسيح ، فهـذا يتنافى مع مقام الإله
سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر ، وهذا افتراء على الله ، تعـالى الله عن قولهم
.
7 ـ ثم ـ على
فرض صحة قولهم ـ كيف يتجسد الإله الأعلى فالأقنوم الثاني وهو المسيح ، من الإله
الأدنى فالأقنوم الثالث وهو الروح القدس ، في بطـن الإنسـان المخلوق مريم ، وهـذا
أيضاً من الافتراء والقول على الله وعلى رسـله وملائكته بغير علم
8 ـ كما أن
الروح القدس الإله ـ على زعمهم ـ هو الذي حل في أناس مختارين لكتابة الوحي الإلهي ، فكيف يكون الوحي الإلهي من الله الأب ، إلى الله الروح
القدس ، ومن ثم إلى أناس مختارين ؟ وهذا أيضاً من التناقض والافتراء .
9 ـ كما أن في
الإنجيل أن أبا يحيى امتلأ من الروح القدس : (( وامتلأ زكريا أبوه من
الروح القدس )) , وكذلك أم يحيى حين زارتها مريم أم المسيح وسلمت عليها
: (( فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها ، وامتلأت
إليصابات من الروح القدس )) ، فهل يعني هذا
أن الروح القدس ، وهو الإله ـ حسب عقيدتهم ـ حل أيضاً في هؤلاء ؟ تعلى الله عن
قولهم .
10 ـ وإذا كان
الروح القدس الإله في عقيدتهم ، له كل هذه الأفعال والأعمال ، فما هي فائدة وجود
إله ثان هو المسيح ، وما هو أثره في حياتهم ؟ أليس من الواجب على النصارى حينئذ أن
يتوجهوا في دعائهم إلى الروح القدس بدلاً من المسيح الذي على زعمهم : ((
صعد إلى السموات وجلس عن يمين الأب )) ، والذي على زعمهم أيضاً :
(( يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء ))
، وزعمهم هذا يخالف صريح المعقول ، وصحيح المنقول
،
11ـ فالمسيح ـ
عليه السلام ـ أمرهم أن يتوجهوا في صلاتهم إلى الله وحده الذي له الملك والقـوة
والمجد إلى الأبد ، قال عليه السلام :(( فصلوا أنتم هكذا : أبانا الذي
في السموات ، ليتقدس اسمك ، ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك ، كما في السماء كذلك على
الأرض ، خبزنا كفانا أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا،
ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير ، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد
آمين )) .
12ـ ثم قال لهم
المسيح : (( فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي،
وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم )) ، وفي
الإنجيل : (( ونعـلم أن الله لا يسمع للخطاة ، ولكن إن كان أحـد يتقي
الله ويفعـل مشيئته فلهذا يسمع )) ، وقال المسيح عليه السلام :
(( ليس كل من يقول لي يارب يا رب يدخل ملكوت
السموات ، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات )) .
13ـ هذه النصوص
وغيرها ، تفيد أن المسيح ـ عليه السلام ـ كان يأمر تلاميذه بالتوجه إلى الله في
الصلاة وطلب المغفرة ؛ لأن الله لا يستجيب لأحد ما لم يتقه ويفعل مشيئته ، ولا أحد
يدخل ملكوت السموات ما لم يفعل إرادة الله وحده .
ولو كان المسيح
نفسه ، أو الروح القدس ، لهم شيء من هذه الصفات الإلهية ، لكان المسيح أولى بها من
الروح القدس ، فكيف وأن المسيح نفسه يأمر تلاميذه وكل المؤمنين به أن يكون توجههم
لله دون سواه ، قال المسيح عليه السلام : (( لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد
وإياه وحده تعبد )) ، وقال أيضاً : (( وهذه هي الحياة
الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته ، أنا مجدتك
على الأرض ، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته )) .
14 فالمسيح ـ
عليه السلام ـ عبد الله ورسوله ، وكذلك الروح القدس هو
ملاك الله جبريل ـ عليه السلام ـ فهو رسول الله بالوحي للأنبياء ، وبالنصر والتأييد
لهم ولغيرهم من أولياء الله الصالحين ، كما تبين لنا ذلك عند الحديث عن حقيقة الروح
القدس .
15 ـ كما أن في
قولهم في قانون إيمانهم : إن الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب ـ حسب عقيدة
الأرثوذكس ـ أو المنبثق من الأب والابن ـ حسب عقيدة الكاثوليك والبروتستانت ـ قولهم
هذا فيه تناقض واضطراب ، فكيف يكون الروح القدس رباً محيياً وهو منبثق من موجد
الحياة وهو الله سبحانه وتعالى ، أو منبثقاً من الأب والابن ، والابن ـ حسب زعمهم ـ
مولود من الأب ، ومعلوم أن الابن متأخراً عن وجود الأب ، وهذا يعني أن الانبثاق من
الابن جاء متأخراً ، فهل هذا الانبثاق جاء على مرحلتين ـ هذا على فرض صحة معتقدهم ـ
الواقع أنهم لن يجيبوا على ذلك بأفضل مما جاء في قانون إيمانهم المقدس
.
16 ـ ثم إن
الروح القدس المنبثق من الأب ، أو من الأب والابن ،
والابن هو المسيح عندهم مولود من الأب ، فهل الانبثاق والولادة شيء واحد أم يختلفان
؟ ، وهم لن يقولوا إن المسيح مولود من الأب ولادة تناسلية من الله ، ولا يعتقدون
ذلك ، بل سيقولون إن الولادة روحية ، لأن المسيح ـ حسب اعتقادهم ـ هو الكلمة التي
خرجت من الذات ـ وهو الله ـ فصارت الكلمة ابناً للذات ، وصارت الذات أباً للكلمة ،
وصارت كلاً مـن الذات والكلمة أقنوماً قائماً بـذاته ، يـدعى الأول الله الأب ،
ويـدعى الثاني الله الابن.
17ـ والروح
القدس ـ عندهم ـ يمثل عنصر الحياة في الثالوث المقدس ، ويعتبر أقنوماً قائماً بذاته
، وإلهاً مستقلاً بنفسه ، والثالوث المقدس ثلاثة أقانيم هي : الذات والنطق والحياة
، فالذات هو الله الأب ، والنطق أو الكلمة هو الله الابن، والحياة هي الله الروح
القدس ، ويعتقدون أن الذات والد النطق أو الكلمة ، والكلمة مولودة من الذات ،
والحياة منبثقة من الـذات أو من الذات والكلـمة على خـلاف بين الكنـائس
.
18ـ ويتضح أنه
لا يوجد فرق بين معنى الانبثاق ، ومعنى الولادة ، إذا
كانت روحية ، فكلاهما : الابن ـ وهو الكلمة ـ مولود من الله ، والروح القدس ـ وهو
الحياة ـ منبثق من الله ، فيلزم أن يكون الابن والروح القدس أخوين ، وأن الله
أبوهما ، تعالى الله وتقد
س عن ذلك
.
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb