كل إنسان في هذه الحياة الدنيا ينشد السعادة و يبحث عنها، ولكن لابد من السؤال
أولاً: ما هي السعادة؟ أهي الغنى بعد شدة الفقر، أم الصحة بعد المرض و القوة بعد الاستضعاف، أم هي التخلق بالحكمة و العفة؟ هل هي تناول الشهوات، وأن يعيش الإنسان حراً طليقاً دون قيود يفعل ما يحلو له، ولو كان معارضاً للخلق والدين؟ كل هذه الأمور يمكن أن تخطر ببال الإنسان؛ فالسعادة شيء حقيقي وليست وهماً، فالعالِم يسعد بعلمه، والكريم يسعد بكرمه، و المجتهد يسعد باجتهاده، ولذة هؤلاء أعظم ممن يسعد بأكله وشربه و كسبه، ولكن هل هذا هو منتهى حلم الإنسان و تطلعاته؟
فالإنسان بفطرته يتوق دائماً إلى أشياء أخرى. يتوق إلى الأفضل أو الأجمل، ويريد الازدياد؛ فالغني يريد شيئا آخر، والذي حقق فكرته يبحث عما هو أعظم، وليس هناك نهاية إلاّ أن يصل الإنسان إلى الله، و يطمئن إليه ويأنس بعبوديته له، وأنه معه يحفظه ويرشده، وعندما وصل عمر بن عبد العزيز إلى الخلافة ، تاقت نفسه إلى شيء أسمى وأعلى، قال: "ولم يبق إلاّ الجنة".
مهما عمل الإنسان ومهما سعُد، فإن الدنيا فيها آلام وهموم يعجز عن تحملها، فإذا عمل للآخرة فعندئذ يرتاح من هذه الهموم، وليس هنالك طريق آخر.
السعادة هي أن يكون للإنسان هدف سامٍ يسعى إليه، وغاية كبيرة و رسالة يحملها، ومهما أصابه في سبيلها فهو راضٍ، الثقة بالله هي التي تعطي الإنسان صفاءً في النفس وهدوءاً في البال، وشجاعة في القلب؛ فلا يفرح كثيراً بما أصاب ولا يحزن لما فقد، إننا لو نظرنا إلى وجوه الناس فسوف نلاحظ كيف تعبر عما بداخلها من الهموم، مع أن مظهرهم في لباسهم وابتسامتهم لا يدل على هذا، ولكن التنافس في اقتناء الأشياء قد أخذ جزءاً كبيراً من اهتماماتهم، وسدّ عليهم منافذ السعادة الحقيقية، وإن من معجزات القرآن أن يصف هذه الظاهرة الأبرز ما تكون في عصرنا، قال تعالى: (ألهاكم التكاثر،حتى زرتم المقابر)هكذا تذهب سريعاً عند هؤلاء، فقد أخذ جلّ وقتهم التكاثر حتى فاجأهم الموت.
ليست السعادة في الراحة التي يتوهمها كثير من الناس، بل السعادة في التغلب على الصعاب، ومعالجة المشاكل بنفس راضية، و التغلب على الضعف؛ فالخامل هو الذي لا يجد لذة العزيمة و ركوب الأخطار، هذا الخامل الذي يعيش كَلاًّ على غيره كالجنازة تُحمل على الأعناق، والسعادة في الألم الذي يعقبه انتصار، وفي الحزن الذي يأتي بعده الفرح وانشراح الصدر، وفي تسخير ما في الكون لمصلحة الإنسان، ولتحقيق إنسانية الإنسان