{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} أي لا يخرج منك إلا الكلام الطيب الذي يريح الإنسان المتعب والذي يشجع الإنسان الخائف ويرفع الروح المعنوية للمحتاج لذلك كمن يذاكر دروسه أو يشكو من قضية أو لمن سيعمل عملية جراحية وخائف منها والذي يهدى به الضال أو نصلح به بين الناس أو نطلب به الحقوق أو ..أو من صنوف الكلام الطيب والنطق الحسن هكذا يكون المؤمنون والمؤمنات ولذلك فإن رسول الله علم أصحابه الذوق الرفيع العالي في آداب الكلام من النداء والخطاب والتحية والسلام والنقاش وطلب الحقوق وكل ما ينطق باللسان وهذا ما نحتاجه في هذا الزمان وتعالوا نستعرض معا في عجالة بعض الأوجه الهامة من الآداب التي يجب التمسك بها أو الآفات التي يجب أن ننتهي عنها حتى نعرف كيف نسلم من آفاتها ونتخلق بآدابها وأنا أعلم أنكم كلكم قد سمعتم ما فيه الكفاية في هذا الموضوع ولا توجد مسلمة تحتاج إلى زيادة في هذا الأمر ويكفينا في ذلك قول النبي {إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فإن الصدق يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا}[1]وكلكم تعرفون أن قول الزور يغمس صاحبه في النار وأنه من أكبر الكبائر ومن الآداب الإسلامية أيضاً فقد النبي كان يكنى أصحابه رجالا ونساءاً
فلم يكن ينادي على مسلم أو مسلمة إلا باسم ابنه الأكبر أو ابنها الأكبر أو البنت الكبرى ومن لم يكن عنده ولد أو ذرية كان حضرة النبي يقول للرجل منهم "يا أبا يحي" وبذلك يبشره بأن الله سيعطيه كما أعطى زكريا الذي كان لا ينجب وقد أنجب "يحي" بعد ثمانين عاماً وكان حضرة النبي يقول ذلك لمن لا ينجب لكي يعطيه الأمل في الله وكان يقول لزوجته عائشة التي لم تنجب عندما ينادي عليها يا أم عبد الله ليبشرها ويكرمها ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ{كَنَّانِي النَّبِيُّ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ وَلَدٌ لِي قَطُّ }[2] وقد يرى البعض أنه من العيب أن ينادى الإنسان على أخيه باسم ابنته الكبرى مع أن ذلك ليس بعيب فقد كان عمر بن الخطاب كثير الأولاد ومن أبناءه المشهورين عبد الله لكن كانت البنت المخيرة عنده هي السيدة حفصة وكان سيدنا رسول الله ينادى عليه يا أبا حفص أي يناديه باسم ابنته إذاً ليس بشرط أن ينادي المسلم أخاه باسم الابن فقط لكن يجوز أن ينادى عليه أو عليها باسم الابنة وقد علمنا رسول الله وعلم أصحابه ألا يخاطب المؤمنون أحداً بلفظ يطلق على حيوان أو على شيء لا يحبه الإنسان كأن يعمل الولد شيئا فنقول له: اسكت يا كلب
فهل هو كلب أو بني آدم؟ فنهى رسول الله أن نسمي أو نقول لأي ولد أو بنت اسم من أسماء الحيوانات أو الأسماء المكروهات المبغوضات حتى أن سيدنا عيسى والحواريون كانوا يجلسون معه في يوم ومر عليهم خنزير فقال له عليه السلام{مُرَّ بِسَلامٍ فَقِيلَ : يَا رُوحَ اللَّهِ لِهَذَا الْخِنْزِيرِ تَقُولُ ؟قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الشَّرِّ}[3]فلم يرضَ أن تخرج من فيه كلمة خنزير وذلك لكي يعود لسانه على حسن الكلام وسلامة النطق للأنام والكلام هو عنوان السعادة فسعادة الإنسان من حسن اللسان فاللسان هو ما يقول هذه وتلك لكن الكلمة الطيبة وقعها طيب ومحمود والكلمة السيئة وقعها وأثرها كما تعلمون بغض في النفس وكراهية في القلب والإسلام حريص على سلامة الصدور إذاً علمنا رسول الله ألا نقول لأحد صفة من صفات الحيوانات فلا نقول: يا حمار ولا يا جاموسة فهذه الأسماء لا تليق أن نقولها لأي إنسان حتى ولو كان غير مسلم ماذا نفعل إذاً في وقت الضيق؟بدلاً من أن ندعو عليه ندعو له مثلاً بدلاً من أن نقول له: ربنا يأخذك نقول له: ربنا يهديك فيجب علينا أن نتعود على ذلك ونعدل قاموس الألفاظ التي ورثناها ونجعله على منهج الإسلام وعلى منهج نبي الإسلام وقد كان النبي دائماً يختار الاسم الجميل اللطيف وحتى كان يغير الاسم إلى الأحسن إذا كان الاسم لا يصح في ميزان الاعتدال جاءت له امرأة وسألها عن اسمها فقالت: دميمة قال لها: لا اسمك جميلة يجب عل كل مسلم
ومسلمة أن يعلم لسانه ألا يسب ولا يشتم أحداًَ من المسلمين حاضراً أو غائباً وكذلك لا يلعن أحداً من المسلمين حاضراً أو غائباً فإنه عندما يلعن أحد من المسلمين أخاه أو أخته قائلاً لعنة الله عليك فإن هذه اللعنة تصعد إلى السماء فتردها السماء وترجع مرة أخرى فإذا كان من لعنته أهلاً لهذه اللعنة تنزل عليه هذه اللعنة ولا يوجد من هو أهل للعنة إلا إذا كان غير مسلم وإذا كان من لعنته ليس أهلاً لهذه اللعنة ترجع اللعنة على من قالها إذاً على المسلم ألا يسب أو يشتم وكذلك لا يلعن وقد وضح ذلك رسول الله في حديث آخر وقال{لَيْسَ المؤمِنُ بالطَّعانِ ولا اللَّعانِ ولا الفاحِشِ ولا البَذِيءِ}[4]وقد كان واحد من أصحاب سيدنا رسول الله يتكلم مع سيدنا بلال وكان سيدنا بلال حبشي أسود وعندما احتدمت المناقشة بينهما قال لبلال: يا ابن السوداء فعلم الرسول بذلك فغضب غضباً شديداً وقال لهذا الصحابي «أتعيره بأمه؟ يَا أَبَا ذَرٍّ! إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»[5]فما بالكم بالكلام الذي نسمعه من أولادنا الآن يا ابن كذا يا ابن كذا وكذا وهذا كلام لا يليق بين المسلمين والمسلمات بل يجب عليهم أن يثنوا على بعضهم البعض فبدلاً من أن يقول يا ابن الذين كذا وكذا عليه أن يقول: يا ابن الذين آمنوا ويعود اللسان على ذلك فيتعود أن يقول يا ابن الطيبين أو يا ابن المهديين بذلك يتعود المسلم على المدح والثناء بدلاً من السب والشتم لأن الإسلام نهى نهياً تاماً عن السب والشتم وعن اللعن لجميع المسلمين والمسلمات هذا المنهج صعب التطبيق ويلزمه جهاد شديد لنكون من المسلمين الذين يسعدهم الله يوم لقائه وعلمنا رسول الله أيضاً أن نبدأ المجالس كلها واللقاءات بالسلام قبل الكلام ويختموها بذلك عند القيام معلما أصحابه بأن الأولى- أي السلام عند الدخول - ليست بأحق من الآخرة - أي السلام عند الخروج فإذا كان الإنسان سيدخل بيتاً فعليه قبل أن يدخل إلقاء السلام وكذلك عندما يخرج وليس في قاموس المسلمين -صباح الخير أو صباح النور- إلا بعد "السلام عليكم"
لأنها تحية الإسلام وإذا أراد الإنسان أن يقول أي تحية أخرى فلا بأس بعد أن يبدأ بتحية الإسلام لنفرض أن أحدكم يدخل منزله ولا أحد فيه هنا عليه أن يقول كما علمنا حضرة النبي "السلام من الله علىَّ وعلى عباد الله الصالحين"{فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} وإذا دخلت المسجد تقول: السلام عليكم وإذا لم يكن أحد به تقول:السلام من الله علىَّ وعلى عباد الله الصالحين أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا السلام في الدخول والخروج لكل أهل البيت لنعلم أولادنا وبناتنا حتى الصغار منهم وكان النبي إذا مر على الصبيان في الشارع سلم عليهم ليعلمهم ويغرز فيهم الآداب منذ الصغر وحتى المزاح ولذلك سيدنا رسول الله لما كان يداعب أصحابه ساعات على سبيل المزاح وفي ذات مرة أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال النبي الله{ إِنَّ الجَنَّةَ لا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ}[6] فجرت وبكت فقال لهم: أخبروها أنه لا أحد يدخلها في سن الشيخوخة بل الكل يدخلها شبابا يعني سترجعين شباباً مرة ثانية وهذا ما عناه بقوله{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[7] وقد نهانا أيضاً سيدنا رسول الله أن نعيِّب أحد بصفة في جسمه كأن نعيب واحدة بعينيها أو بأنفها أو بشفتيها أو بطولها أو بقصرها فما ذنبها في ذلك؟فمن تعيب إنسانة بسبب شيء في جسمها فإنها بذلك تعيب على الصانع الذي صنعها وهو الله متى نعيِّب عليه أو عليها؟إذا كان هناك عيب في الخُلق كأن كانت مثلاً امرأة يدها خفيفة أي تسرق أو لسانها طويل ولا يسلم منها أحد لكن العيوب الخِلقية نهى عن المعايرة بها رسول الله لأنه من يفعل ذلك فإنه يعيب على الصانع عز وجل وكان النبي يتكلم أمام زوجة له عن بعض نسائه الأخريات وكان يثنى على السيدة صفية فقالت الأخرى التي يتكلم أمامها: وماذا يعجبك فيها إنها قصيرة هل ذلك في نظرنا الآن سباب خاصة أنها كانت قصيرة بالفعل ومع ذلك غضب النبي وقال {لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَ بِهَا الْبَحْرُ لَمَزَجَتْهُ }[8] وقد قال ذلك ليعودهم على سلامة النطق وحسن الألفاظ في التعامل فإن الذي يأتي بالمشاكل ويجعل الناس تكره بعضها وتحقد على بعضها هي الألفاظ البذيئة والعبارات المشينة التي يتعامل بها الناس لكن لو تعودنا على المنطق الطيب والكلام الحسن وعودنا أولادنا على ذلك لاقتلعنا البغض والشحناء من الصدور
[1] سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ ْ عَبْدِ اللَّه[2]الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ ،وفيه رواية أخرى نوردها لنري لقطة من خلق رسول الله فى معاملته لزوجاته وفيه نصحية للمرأة المسلمة أنها إذا أرادت شيئا من زوجها فلتحدثه حديثا لبقا وبوقت مناسب ولا تترك الأمر يزيد فى نفسها وهى منه متضررة الحدبث أَنَّهَا قَالَتْ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تُكَنِّينِي فَكُلُّ نِسَائِكَ لَهَا كُنْيَةٌ سواى ؟ قَالَ : " بَلَى، اكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ "، فَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ [3]الصَّمْتُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [4] رواه البزار) عن عبدِ الله [5]عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَىٰ غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ! لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إلَى النَّبِيِّ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إنَّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» صحيح البخارى ومسلم [6]عن عائشة رواه الطبراني في الأوسط[7] الطبرانى عن ابن عمر والخطيب فى التاريخ عن أنسٍ جامع الأحاديث [8] سنن أبي داوود عن عائشة[/SIZE]
منقول من كتاب [المؤمنات القانتات]
للشيخ فوزى محمد أبو زيد