فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلي من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي (بنهاره وليله) قصرا مخلا، ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولا مخلا، وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلي إفناء الحياة علي سطح الأرض بالكامل.
إن لم يكن قد أدي إلي إفناء الأرض ككوكب إفناء تاما، وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته (بنهاره وليله) يخل إخلالا كبيرا بتوزيع طاقة الشمس علي المساحة المحددة من الأرض.
وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة، والتنفس والنتح، وغيرها، كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة، والجفاف والرطوبة، وحركة الرياح والأعاصير والأمواج، وعمليات التعرية المختلفة، ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة.
كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول، وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة علي الأرض.
وبالإضافة إلي ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاني (الإهليلجي)، وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا علي مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلي كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة علي سطحها، وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة (النابذة) المركزية التي دفعت بالأرض إلي خارج نطاق الشمس، وشدة جاذبية الشمس لها.
ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة، أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن عليها وما عليها، أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية، أو تصطدم بجرم آخر، أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم.
والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله (تعالى)، والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته (سبحانه وتعاليى) ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثا: بنية الأرض
أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطق محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب(الداخلي) ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحا للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها.
وتقسم النطق الداخلية للأرض علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء، وتترتب بنية الأرض من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي:
(1) لب الأرض الصلب (الداخلي)
وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد (%90) وبعض النيكل (%9) مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور، الكربون، السيليكون (%1)، وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا.
ويبلغ قطر هذه النواة حوالي 2402 كيلو متر، ويمتد نصف قطرها من مركزها علي عمق 6371 كيلو مترا إلي عمق 5170 كيلو مترا تحت سطح الأرض.
ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي 5.52 جرام للسنتيمتر المكعب، بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين 2.7 جرام للسنتيمتر المكعب، وحوالي 3 جرامات للسنتيمتر المكعب، فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلي أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين 10 و 13.5 جرام للسنتيمتر المكعب.
(2) نطاق لب الأرض السائل (الخارجي)
وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب، وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا وإن كانت مادته منصهرة، ويبلغ سمكه 2275 كيلو مترا (من عمق 5170 كيلو مترا إلي عمق 2885 كيلو مترا تحت سطح الأرض).
ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها 450 كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلي ذلك فهي شبه منصهرة (وتمتد من عمق 5170 كيلو مترا إلي عمق 4720 كيلو مترا تحت سطح الأرض) ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي 31% من كتلتها.
(3)، (4)، (5) نطق وشاح الأرض
يحيط وشاح الأرض بلبها السائل، ويبلغ سمكه حوالي 2765 كيلو مترا (من عمق 2885 كيلو مترا إلي عمق 120 كيلو مترا تحت سطح الأرض).
ويفصله إلي ثلاثة نطق مميزة مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل، يقع أحدهما علي عمق 670 كيلو مترا، ويقع الآخر علي عمق 400 كيلو متر من سطح الأرض، وبذلك ينقسم وشاح الأرض إلي وشاح سفلي (يمتد من عمق 2885 كيلو متر إلي عمق 670 كيلو متر تحت سطح الأرض). و
وشاح متوسط (يمتد من عمق 670 كيلو مترا إلي عمق 400 كيلو مترا تحت سطح الأرض)، ووشاح علوي (يمتد من عمق 400 كيلو مترا إلي عمق يتراوح بين 65 كيلو مترا تحت المحيطات، وعمق 120 كيلو مترا تحت سطح القارات).
وقمة الوشاح العلوي (من عمق 65 ـ120 كيلو مترا إلي عمق 200 كيلو متر تحت سطح الأرض) يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي لوجوده في حالة لزجة، شبه منصهرة (أي منصهرة انصهارا جزئيا في حدود نسبة 1%).
(6)، (7) الغلاف الصخري للأرض
ويتراوح سمكه بين 65 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات، 120 كيلو مترا تحت القارات، ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازية المسمي باسم الموهو إلي قشرة الأرض وإلي ما تحت قشرة الأرض وتمتد قشرة الأرض إلي عمق يتراوح بين5 و8 كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات، وبين 60 و80 كيلو مترا تحت القارات، ويمتد ما تحت القشرة الي عمق 120 كيلو مترا تحت سطح الأرض.
وللأرض مجال جاذبية يزداد مع العمق حتى يصل إلي قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الأرض ولبها (علي عمق 2885 كيلو مترا تحت سطح الأرض) ثم يبدأ في التناقص (بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق) حتى يصل إلي الصفر في مركز الأرض.
ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي، ولو حدث ذلك ما أمكنها أن تكون صالحة لاستقبال الحياة، وذلك لأن هناك حدا أدني لسرعة الهروب من جاذبية الأرض يقدر بحوالي 11.2 كيلو متر في الثانية، بمعني أن الجسم لكي يستطيع الإفلات من جاذبية الأرض فعليه أن يتحرك في عكس اتجاه الجاذبية بسرعة لا تقل عن هذه السرعة.
ولما كانت حركة جسيمات المادة في الغلاف الغازي للأرض أقل من تلك السرعة بكثير فقد أمكن للأرض (بتدبير من الله تعالى) أن تحتفظ بغلافها الغازي، ولو فقدته ولو جزئيا لاستحالت الحياة علي الأرض، ولأمطرت بوابل من الأشعات الكونية والشمسية، ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيلة بتدميرها...!!!
كذلك فإن للأرض مجالا مغناطيسيا ثنائي القطبية، يعتقد أن له صلة وثيقة بلب الأرض الصلب وحركة إطاره السائل من حوله، ويتولد المجال المغناطيسي للأرض كما يتولد لأي جسم آخر من حركة المكونات فيها وفيه، وذلك لأن الجسيمات الأولية للمادة (وهي في غالبيتها مشحونة بالكهرباء) تتحرك سواء كانت طليقة أو مرتبطة في داخل ذرات المادة.
وهي حينما تتحرك تولد مجالا مغناطيسيا، والمجال المغناطيسي لأية نقطة في فسحة الكون يمثل بمحصلة اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للمادة إلي قطبها الشمالي في حركة معاكسة لاتجاه عقرب الساعة ومماثلة لحركة الطواف حول الكعبة المشرفة.
والمجال المغناطيسي للأرض كون لها (بإرادة الله تعالى) غلافا مغناطيسيا يعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض وهو يلعب دورا مهما في حماية الأرض من الأشعة الكونية بتحكمه في حركة الجسيمات المشحونة القادمة إلينا من فسحة الكون فيجعلها تدور من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين إلي الآخر دون الدخول إلي المستويات المنخفضة من غلافها الغازي.
ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلي مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها، وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هلالي الشكل علي ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر علي التوالي يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها.
ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق علي المستوي الاستوائي المغناطيسي لها، وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة.
ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا، والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية، وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض.
وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها، الممزق بشبكة هائلة من الصدوع، وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد علي عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار.
وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية، وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية، و الثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة.
والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض، ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة، ولا دارت دورة المياه، ولا خزنت المياه تحت السطحية، ولا نبتت نبتة، ولا أمكن لكائن حي أن يستقر علي سطح الأرض.
كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهما في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه، وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها. ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم، وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران.
هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد، أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالي): {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ}.
فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الأحكام والإتقان، وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة، وإحكام الصنعة، وشمول العلم كما يشهد له (تعالى) بجلال الربوبية وعظمة الألوهية، والتفرد بالوحدانية.
وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان، وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وأن نبينا محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) هو خاتم أنبياء الله ورسله، وأنه (صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}... (النجم: 3 ـ10).
المصدر: موقع موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]