[size=24]من آيات الله في خلق الأرض وجعلها صالحة للعمران
الأرض هي أحد أفراد المجموعة الشمسية التي تتكون من تسعة كواكب، أساسية، يدور كل منها حول نفسه، ويجري في مدار محدد له حول الشمس، وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر، وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد، ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية.
وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هي من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي:عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، الكويكبات، المشتري، زحل، يورانوس، نبتيون، بلوتو، بروسوبينا (أوبريينا).
وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقة أو مفتوحة علي مسافات بعيدة جدا وتعتبر جزءا من المجموعة الشمسية.
ويقدر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها (عطارد) بحوالي 58 مليون كيلو متر (بين 46 مليون، 69 مليون كيلو متر)، ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي 150 مليون كيلو متر، ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي 6000 مليون كيلو متر، ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافة (12 بليون كيلو متر)، ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة.
وعلي ذلك فالأرض هي ثالثة الكواكب بعدا عن الشمس، وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني (اهليلجي) قليل الاستطالة بسرعة تقدر بحوالي 30 كيلو متر في الثانية (29، 6 كيلو مترا في الثانية) لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها365، 25 يوم تقريبا.
وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها حوالي30 كيلو مترا في الدقيقة (27، 8 كيلو متر في الدقيقة) عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره 24 ساعة تقريبا، يتقاسمه ليل ونهار، بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول، التي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا، ويعزي للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية، وهبوب الرياح، وهطول الأمطار، وفيضان الأنهار بإذن الله.
والأرض كوكب فريد في كل صفة من صفاته، مما أهله بجدارة أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها، ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق (تبارك وتعالي) وفي الأرض آيات للموقنين ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلي:
أولا: بعد الأرض عن الشمس
يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلو مترات، وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون، ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس.
وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها، بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها (وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس)، اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس.
فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية، ولا يصل الأرض سوي جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة، وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية، ولتنشيط القوي الخارجية التي تعمل علي تسوية سطح الأرض، وتكوين التربة، وتحريك دورة المياه حول الأرض، وغير ذلك من الأنشطة الأرضية.
ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها:
الضوء الأبيض، والحرارة (الأشعة تحت الحمراء)، والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها، وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط علي أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان.
وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة (الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلي، والبنفسجي) وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلي الأرض بحوالي 38%.
ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان، وتبلغ أقصي مدي عند منتصف النهار عموما، وعند منتصف نهار الصيف خصوصا، لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء.
أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض بحوالي 53%، ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة، وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم علي سطح الأرض وفي غلافها الجوي، الذي يرد عنا قدرا هائلا من حرارة الشمس.
فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي 2 سعر حراري علي كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء، وقطرات الماء، وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض، ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء، ومتوسط درجة الحرارة علي سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالي 74 درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و55 درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا.
أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي %9 من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلي الأرض وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلهما ربنا (تبارك وتعالى) من نطق الحماية للحياة علي الأرض.
ويقدر ما يصل إلي الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصانا ميكانيكيا علي كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله عليه...!!!
ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلي الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة علي سطحها، ولتبخير مياهها، ولخلخلة غلافها الغازي.
فكوكب عطارد الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي 0.39 من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين 220 درجة مئوية في وجهه المضيء و27 درجة مئوية في وجهه المظلم، وكوكب الزهرة الذي يقع علي مسافة تقدر بحوالي0.72 من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة علي سطحه إلي 457 درجة مئوية (730 درجة مطلقة).
وعلي النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض (المريخ، المشتري، زحل، يورانوس، نبتيون، بلوتو) لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية علي تحملها.
ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا (تبارك وتعالي) بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية علي سطحها، وفي كل من مياهها، وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة.
فلو كانت الأرض علي مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلي أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدي ذلك إلي تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة علي سطحها..!!!
ولو كانت الأرض علي ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلي ربع كميتها الحالية، وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل.
وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قربا أو بعدا يختلف طول السنة، وطول كل فصل من الفصول نقصا أو زيادة مما يؤدي إلي اختلال ميزان الحياة علي سطحها، فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياة علي سطحها من كل سوء...!!!
ثانيا: أبعاد الأرض
يقدر حجم الأرض بحوالي مليون كيلو متر مكعب، ويقدر متوسط كثافتها بحوالي 5.52 جرام للسنتيمتر المكعب، وعلي ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن، ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا (تبارك وتعالى) بدقة وحكمة بالغتين.
فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية، والمائية، وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية، ولبلغت درجة الحرارة علي سطحها مبلغا يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية، وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها.
فهو يرد عنا جزءا كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة، كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة، وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك، وهي تهطل علي الأرض كحبات المطر في كل يوم.
ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة، ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي علي سطحها إن وجد، وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض.
كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض، كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية علي سطحها.
ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها، بكل من بعد الأرض عن الشمس، وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره، ويجري في مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلي من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي (بنهاره وليله) قصرا مخلا، ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولا مخلا، وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلي إفناء الحياة علي سطح الأرض بالكامل.
إن لم يكن قد أدي إلي إفناء الأرض ككوكب إفناء تاما، وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته (بنهاره وليله) يخل إخلالا كبيرا بتوزيع طاقة الشمس علي المساحة المحددة من الأرض.
وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة، والتنفس والنتح، وغيرها، كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة، والجفاف والرطوبة، وحركة الرياح والأعاصير والأمواج، وعمليات التعرية المختلفة، ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة.
كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول، وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة علي الأرض.