حقيقة
الروح القدس عند المسلمين
هذه الصــفات
للروح القــدس ـ حسب المصادر الدينية السابقة ـ هي التي صدقها القرآن الكريم المنزل
على خاتم المرسلين ، والمصدق لما بين يديه من الكتب
السابقة ، والمهيمن عليها ، فقد جاء الروح في القرآن الكريم ، على عدة أوجه:
أحدها
:
الوحي الإلهي ، قال تعالى : (( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من
يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )) ، وقال تعالى :
(( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان
، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا )) ، وقال تعالى :
(( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق
)) .
الثاني
:
القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من يشاء من عباده المؤمنين ، قال تعالى:
(( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ))
.
الثالث
:
ويأتي الروح بمعنى جبريل ـ عليه السلام ـ قال تعالى : (( نزل به الروح
الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ))
،
وقال تعالى : (( قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على
قلبك بإذن الله )) ، وهو روح القدس
،
قال تعالى : (( قل نزله روح القدس من ربك بالحق
)) ،
وقال تعالى :
(( وآتينا عيسى ابن مريم البينان وأيدناه بروح القدس
))
وقال تعالى :
(( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك
بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً )) .
الرابع
:
الروح التي سأل عنها اليهود ، فأجيبوا بأنها من أمر الله
،
قال تعالى : (( يسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي
)) ، وقد قيل إنها الروح المذكورة
في
قوله تعالى : (( يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ))
،
وقـال تعـالى : (( تـنزل الملائكة والروح فيـها بإذن ربـهم
من كل أمـر )) .
الخامس
:
المسيح بن مريم ، قال تعالى : (( إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ))
،
وقال تعالى : (( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا
وجعلناها وابنها آية للعالمين ))
،
وقال تعالى :
(( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا
فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ))
.
ووجه اختصاص
إضافة روح عيسى ـ عليه السلام ـ إلى الله تعالى ، أنه لما كان الله تعالى خلقه
بكلمته ، أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل ـ عليه السلام ـ إلى مريم فنفخ فيها
من روحه بإذن ربه عز وجل فكان عيسى بإذنه عز وجل ، وكانت تلك النفخة التي نفخها في
جيب درعها ، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم ، والجميع مخلوق الله عز
وجل ، ولهذا قيل لعيسى : إنه كلمة الله وروح منه ، لأنه لم يكن له أب تولد منه ،
وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان ، والروح التي أرسل بها جبريل ـ
عليه السلام
قال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة : (( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ))
،
هو كـقوله :
(( كن فيكون )) .
قال ابن أبي
حاتم : (( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )) قال : ليس
الكلمة صارت عيسى ، ولكن بالكلمة صار عيسى )) . إنها الكلمة التي جاء
بها جبريل إلى مريم ، فنفخ فيها بإذن الله فكان عيسى ـ عليه
السلام
ـ قال البخاري
بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من شهد أن لا إله إلا
الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ،
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما
كان من العمل )) ، فقوله في الآية والحديث (( وروح
منه)) كقوله تعالى : (( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض
جميعاً منه)) ،
أي : من خلقه ومن عنده ، وليست من للتبعيض كما
تقوله النصارى .. بل هي لابتداء الغاية ،
وقال مجاهد في
قوله (( وروح منه )) أي : رسول منه
، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة ، وأضيفت
الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله
في
قوله:
(( هذه ناقة الله )) ،
وفي قوله :
(( وطهر بيتي للطائفين ))
،
وكما روي في
الحديث الصحيح : (( فأستأذن على ربي في داره
)) ، أضافها إليه إضافة تشريف ، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد
.
ويقول الإمام
القرافي ـ رحمه الله ـ في معنى الروح : إن الروح اسم للريح الذي بين الخافقين ،
يقال لها ريح وروح لغتان ، وكذلك في الجمع رياح وأرواح ، واسم لجبريل عليه السلام ،
وهو المسمى بروح القدس ، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني ... إن معنى
الروح المذكورة في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام ، هو الروح الذي بمعنى
النفس المقومة لبدن الإنسان ، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى ـ عليه السلام ـ مـن
روحه ، أنه خلق روحاً نفخها فيه ، فـإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله ، وروح
كل حيوان هي روح الله تعالى ، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى
الملابسة،
كقول أحد حاملي
الخشبة للآخر : طرفي مثل طرفك ، وشل طرفك : يريد طرف
الخشبة ، فجعله طرفاً للحامل ،
ويقول
: طلع كوكب زيد ،
إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل ، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقـط، فكيف
لا يضاف كل روح إلى الله تعالى وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها
؟
وكذلك يقول بعض
الفضلاء : لما سئل عن هذه الآية ، فقال : نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحاً
من أرواحه ، أي : جميع أرواح الحيوان أرواحه ، وأما تخصيص عيسى عليه السلام بالذكر
، فللتنبيه على شرف عيسى عليه السلام ، وعلو منزلته ، بذكر الإضافة إليه
،
كما قال تعالى :
(( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ))
، و (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) ، مع أن الجميع
عبيده ، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص .
لكن النصارى مع
هذه البينان الصريحة الواضحة عن حقيقة الروح القدس المذكورة في كتب الله السابقة
واللاحقة ، يأبى عليهم ضلالهم وانحرافهم عن الحق إلا تحريف مثل هذه النصوص المحكمة
، وتأويلها على غير مراد الله عز وجل ، أحدثوا ذلك وأقروه في مجامعهم بعد عدة قرون
من رفع المسيح ـ عليه السلام ـ فأولوا تلك النصوص وحرفوها ، وحرفوا الكثير من أحكام
تلك الكتب لتوافق اعتقادهم إلوهية المسيح وإلوهية الروح القدس ، فأحدثوا عقيدة
التثليث الذي يتكون عندهم من الأب والابن والروح القدس ، وغير ذلك الكثير مما حرفوه
وبدلوه ، وخالفوا فيه كتب الله المنزلة.
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb