جواز النظر إلى المخطوبة
الحديث الأول:
حديث الواهبة:
عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن امرأة جاءت
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي"، فنظر
إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصعّد النظر
إليها وصوّبه، ثم طأطأ
رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد منها شيئاً جلست. الحديث،
رواه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي.
رد العلماء على من استدل بهذا الحديث
على كشف الوجه بالتالي:
1) قبل نزول
الحجاب:
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري,
رحمه الله: لا يُدرى هل كان هذا قبل الحجاب أو بعده؟ فهذا النص لا يصلح للاحتجاج..
وسياقه على أن ذلك كان في أوائل الهجرة, لأن الفقر كان قد تخفف كثيراً بعد بني
قينقاع والنضير و قريظة, ومعلوم أن الأمر بالحجاب نزل عقب قريظة أو قبلها
بقليل.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص64)
2) تصويب النظر لا يفيد
رؤية الوجه دائماً:
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه
الله: ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه، ونظر النبي، صلى الله عليه وسلم، إليها
لا يدل على سفورها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صعد النظر إليها وصوبه, ومعلوم أن
تصويب النظر لا يفيد رؤية الوجه، فيمكن أن يكون نظره إليها لمعرفة نبلها، وشرفها
وكرامتها، فإن هيئة الإنسان قد تدل على ذلك.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور
والحجاب)
3) النظر إلى المخطوبة
جائز:
وقد ترجم الإمام البخاري –رحمه الله- في
الصحيح في كتاب النكاح(6/109) بـ(باب النظر إلى المرأة قبل التزويج), وترجم أيضاً
البيهقي لهذا الحديث (7/ 84): باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن
يتزوجها.
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري, رحمه
الله: ثم السياق يدل على أنها كانت راضية بأن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم أو
يتزوجها أحد غيره, حتى رضيت بالزواج من رجل فقير لم يكن يملك خاتماً من حديد, فإذا
كان هذا هو قصدها ونيتها فلاشك أنها جعلت نفسها في معرض الخطبة لكل من أراد الزواج
بها من الموجودين, فجاز لها أن تكشف وجهها للجميع لهذه المصلحة الراجحة التي أبيح
لأجلها النظر إلى الأجنبيات والسفور أمام الأجانب, فتدبر فإنه ليس بحيلة, بل هو
مبحث نفيس يريحك عن كثير من التعب والعناء.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور
والحجاب ص64-65)
4) هذا خاص بالنبي صلى
الله عليه وسلم:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والذي تحرر
عندنا أنه، صلى الله عليه وسلم، كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات
بخلاف غيره (فتح الباري[9/ 210]).
الحديث الثاني: حديث سبيعة بنت الحارث
رضي الله عنها:
عن سبيعة الحارث، رضي الله عنها،: أنها كانت
تحت سعد بن خولة، فتوفي عنها في حجة الوداع، وكان بدرياً، فوضعت حملها قبل أن ينقضي
أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها، وقد
اكتحلت واختضبت وتهيأت، فقال لها: اربَعي على نفسك- أو نحو هذا- لعلك تريدين
النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم،
فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال: "قد حللت حين وضعت" رواه البخاري ومسلم
وأحمد والترمذي والنسائي.
رد العلماء
على من استدل بهذا الحديث على كشف الوجه بالتالي:
1) ليس في الحديث تصريح
بكشف الوجه:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه
الله: ليس في الحديث دليل على أنها كانت سافرة الوجه حين رآها أبو السنابل، بل
غاية ما فيه أنه رأى خضاب يديها وكحل عينيها، ورؤية ذلك لا
تستلزم رؤية الوجه. (عودة
الحجاب[3/369])
قال الشيخ عبد العزيز بن خلف، رحمه الله:
والمستمسك من الحديث هو أنه عرف منها أنها كانت مكتحلة ومخضبة، وله أن يعرف أنها
كانت مكتحلة حين تكون قد لوت الجلباب على وجهها، وأخرجت عيناً كما وصف ابن عباس،
رضي الله عنهما، فعل المؤمنات بعد نزول آية إدناء الجلباب.(نظرات في حجاب المرأة
المسلمة ص75,ص181)
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري, رحمه
الله: التعرض للخاطب من قبل المتوفي عنها زوجها لا يستلزم كشف الوجه, لأن مجرد ترك
لباس الحداد ولبس ثياب الزينة يكفي لإشعار الخطاب وإعلامهم بأن المرأة قد
حلت وانقضت عدتها, وآن لها أوان الخطبة, فمن شاء فليخطب.(إبراز الحق والصواب في
مسألة السفور والحجاب ص58)
هكذا كانت المجتمعات الإسلامية لا يدعون
المرأة تبقى لوحدها بلا زوج تسكن إليه, حتى المطلقات منهن والأرامل, وأما ما يحصل
في عصرنا من تأخير لزواج الشباب والفتيات بلا مبرر شرعي ولا مقنع , وترك الأرامل
والمطلقات السنين الطوال لا يُلقى لهن بالاً, فهذا والله مما لا يرضاه عاقل يعي
ويعرف مآل الأمور ونتائجها, ونسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي المسلمين لتكاتف
والتعاضد والسعي في عدم إبقاء الشباب والفتيات إلا وقد أحصنت فروجهم , واطمأنت
واستقرت وسكنت نفوسهم بالزواج آمين يا رب العالمين.
2) التجمل للخطبة:
قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطة من
قصة سبيعة: وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها؛ لأن في رواية
الزهري التي في المغازي، (فقال: ما
لي
أراك تجمّلت
للخطّاب؟)، وفي رواية ابن
إسحاق: (فتهيأت للنكاح، واختضبت)،
وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد: (فلقيها أبو السنابل وقد
اكتحلت) وفي رواية الأسود: (فتطيبت وتعطرت). (فتح
الباري[9/475])
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه
الله: ويتضح من هذا أن إظهار زينتها إنما كان للخطاب، وعليه ينبغي حمل هذه
الروايات، وقد سبق ذكر جملة من النصوص في الترخيص في نظر الخاطب إلى المخطوبة
بإذنها، أو بغير إذنها، فعلم أبو السنابل بخضابها واكتحالها، وقال لها:
(ما لي أراك
تجمّلت
للخطّاب؟) وكان قد نظر إليها
مريداً خطبتها، لكنها أبت أن تنكحه.(عودة الحجاب[3/370])
3) مبالغة سبيعة، رضي
الله عنها، في التستر:
قالت سبيعة، رضي الله
عنها، في رواية أخرى: فلما قال لي ذلك- أي أبو السنابل- جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك الحديث.
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه
الله: فقولها (جمعت عليّ ثيابي) يوحي بأنها خرجت
عن حال التزين المذكورة، وإذا ضممنا إليه قولها (حين أمسيت) فهمنا من سلوكها، رضي
الله عنها، حرصها الشديد على الاستتار عن الأجانب، ليس فقط بالحجاب بل أيضاً بظلام
الليل.(عودة الحجاب [3/371])
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في الفتح (9/
475): وفيه مباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها، ولو كان مما يستحى النساء من مثله،
لكن خروجها من منزلها ليلاً، ليكون أستر لها كما فعلت سبيعة،رضي الله
عنها.
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb