حديث سفعاء الخدين
روى الإمام مسلم في صحيحه (2/ 537):
عن جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، قال:
شهدت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة
بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته،
ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن فإن أكثركن
حطب جنهم"، فتكلمت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: "لم
يا
رسول الله؟ " قال:
"لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب
بلال من أقراطهن وخواتمهن. رواه
البخاري، ومسلم والنسائي والدارمي والبيهقي والإمام أحمد في مسنده.
1) البحث في قوله "من
سطة النساء" في رواية الإمام مسلم:
إن حذاق شيوخ القاضي عياض يرون أن هذا الحرف
مُغير في كتاب مسلم وأن صوابه "من سفلة النساء" وكذا رواه ابن أبي
شيبة في
مسنده والنسائي في سننه، وفي
رواية لابن أبي شبيبة "امرأة ليست من علية النساء"، قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه
الله: وهذا الذي نقله عياض عن حذاق شيوخه هو الصواب؛ أي أن لفظ سطة النساء غلط في
صحيح مسلم، خلافاً لما قاله النووي، رحمه الله، وأيضاً، بناء على ذلك، فمعناها
مخالف لما قاله النووي وعياض، رحمهما الله، والصواب (امرأة من سفلة النساء). ا.
هـ.(الحجاب ص39-40) وصحح ذلك الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، ومال إلى أن الصواب (امرأة
من سفلة النساء) في أضواء البيان (6/ 597).
وقد ذكر لفظ (امرأة من سفلة النساء) في
النسائي (3/ 186) وأحمد (3/ 318) والدارمي (1/ 377) والبيهقي (3/ 296) و(3/ 300)
وهذه الروايات تؤيد تصويب الجملة.
قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله، بعد سرده
لهذه اللفظة الواردة في الكتب السابقة: من هذا يتضح لنا وضوحاً لا نشك فيه أن
الصواب (امرأة من سفلة النساء) وتؤيدها رواية
ابن
أبي شيبة الأخيرة (ليست من
علية النساء) إذ المعنى واحد، فترجح لدينا الآن أن الصواب (من سفلة النساء).(الحجاب
ص40)
2) المعنى لقوله (امرأة
من سفلة النساء سفعاء الخدين):
قال الشيخ مصطفى العدوي،
حفظه الله:
والمعنى على هذا الذي ترجح
يخالف ما قاله النووي وعياض، رحمهما الله، ففي اللسان ص (2031) وسفلة الناس وسفلتهم
أسافلهم وغوغاؤهم، وفيه أيضاً السفل والسفل.. نقيض العلو والعلوة. (الحجاب
ص40)
قال الإمام النووي، رحمه الله: سفعاء الخدين:
أي فيهما تغير وسواد.
قال الشيخ مصطفى العدوي،
حفظه الله: أما قوله سفعاء الخدين فلا نختلف فيه مع النووي، رحمه
الله، فمعناه فيهما تغير وسواد.(الحجاب ص40)
3) الاحتجاج بهذا الحديث
على جواز كشف الوجه غير صحيح، للآتي:
1- الشرع أباح للأَمَة كشف الوجه:
قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: فعلى هذا
فقوله (امرأة من سفلة النساء
سفعاء الخدين) أي ليست من علية النساء،
بل هي من سفلتهن، وهي سوداء، هذا القول
يشعر ويشير إلى إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر، وعليه
فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف وجه المرأة، إذ إنه يغتفر في حق الإماء
ما لا يغتفر في حق الحرائر، كما سبق الإشارة إليه.(الحجاب ص41)
2- الشرع أباح للقواعد كشف الوجه:
قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: ثم هناك
احتمال وارد أيضاً وهو أن هذه المرأة قد تكون من القواعد من النساء. (الحجاب
ص42)
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه
الله: هذه المرأة ربما تكون من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، فلا تثريب عليها في
كشف وجهها على النحو المذكور، ولا يمنع ذلك من وجوب الحجاب على غيرها. (عودة الحجاب
[3/361])
قال الإمام ابن قدامة، رحمه الله، في المغني
(6/ 560): "وفي معنى ذلك الشوهاء التي
لا تُشتهى".
3- انفراد جابر، رضي الله عنه، برؤية
وجه المرأة:
قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: ومما
يدل على أن جابراً، رضي الله عنه، قد انفرد برؤية وجه المرأة التي خاطبت النبي، صلى
الله عليه وسلم، أن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري، رضي
الله عنهم، رووا خطبة النبي، صلى الله عليه وسلم، وموعظته للنساء، ولم يذكر واحد
منهم ما ذكره جابر، رضي الله عنه، من سفور تلك المرأة وصفة خديها. ا. هـ ثم ذكر،
رحمه الله، هذه الروايات وأثبتها. (الصارم المشهور) ص (118-122).
قالت مكية نواب مرزا في رسالة ماجستير جامعة أم القرى: "فلعل هذا كان لقباً
للمرأة، أو أن الراوي كان يعرفها قبل
الحجاب". (حجاب المرأة المسلمة
ص54)
4- قبل نزول آية الحجاب:
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: إما أن
تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، فكشف وجهها مباح، ولا يمنع
وجوب الحجاب على غيرها، أو يكون قبل نزول آية الحجاب، فإنها كانت في سورة الأحزاب
سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة. (رسالة
الحجاب ص32)
5- ليس فيها تصريح برؤية
النبي، صلى الله عليه وسلم، لوجهها:
قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: ليس فيه ما
يدل على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رآها كاشفة عن وجهها، وأقرها على ذلك، بل
غاية ما يفيده الحديث أن جابراً رأى وجهها. (أضواء البيان
[6/597])
6- ظَهَر وجهها من
غير قصد منها:
قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: وذلك لا
يستلزم كشفها عنه قصداً، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض
الناس في تلك الحال(أضواء البيان [6/597])، كما قال النابغة
الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتنـــاولته واتقتنا باليد
قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: فلعل
جلبابها انحسر عن وجهها بغير قصد منها، فرآه جابر، وأخبر عن صفته، ومن ادعى أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، قد رآها كما رآها جابر وأقرها، فعليه الدليل.(الصارم
المشهور ص117-118)
7- الناقل عن الأصل مقدم
على المبقي على الأصل:
قال الشيخ عبد الله بن جار الله، حفظه الله:
هذا وإن أدلة وجوب الحجاب ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل،
والناقل عن الأصل مقدم، كما هو معروف عند الأصوليين؛ لأن مع الناقل زيادة علم، وهو
إثبات تغيير الحكم الأصلي.(مسؤولية المرأة المسلمة ص58)
الحديث الثاني:
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قيل له: شهدت
العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم ولولا مكاني من الصغر
ما شهدته، حتى أتى العَلم الذي عند دار كثير بن الصلت،
فصلى، فنزل نبي الله، صلى الله
عليه وسلم، كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم، ثم أتى النساء
ومعه بلال، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ
يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} فتلا هذه الآية حتى
فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: "أأنتن على ذلك؟ " فقالت امرأة واحدة، لم يجبه
غيرها منهن: نعم يا
نبي
الله، ثم قال: "هلم لكنّ، فداكن أبي
وأمي" فرأيتهن يهوين بأيديهن
يقذفنه، وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال، ثم
انطلق هو وبلال إلى بيته. رواه البخاري وأبو داوود
والنسائي والبيهقي والإمام أحمد.
- الشبهة:
قالوا: إن ابن عباس، رضي الله عنه،
رأى أيديهن فصح أن اليد من
المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره.
- الجواب عنها:
1) أين ذكر الوجه في الحديث؟
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: ليس في الحدث ذكر الوجه بحال، فأين فيه ما يدل على أن وجه المرأة ليس
بعورة؟(عودة الحجاب [6/365])
2) أين التصريح بكشف الأيدي؟
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله : وفي الحديث ذكر الأيدي، ولكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مكشوفة حتى يتم
الاستدلال به على أن يد المرأة ليست بعورة، غاية ما فيه أن ابن عباس، رضي الله
عنهما، رآهن يهوين بأيديهن، ولم يذكر حسرهن عن أيديهن. (عودة الحجاب [6/365])
3) صغر سن ابن عباس، رضي الله عنهما:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: ولعل صغر سنه المنوه به في صدر الحديث "ولولا مكاني من الصغر ما شهدته" يقضي
بأن يغتفر له حضور موعظة النساء. (عودة الحجاب [6/365])
- أخيراً:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: وإذا كان الحديث محتملاً لكل من الأمرين لم يصح الاستدلال به على أن يد
المرأة ليست بعورة، فإن الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال. (عودة الحجاب
[6/365])
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb