سؤال جوهري لا بد وأن يؤرق كل شاب وفتاة مقبلان على دروب النضج،. فعليه تتوقف سعادة الإنسان، وبه ترسم الأهداف، وعليه تدور كل أشكال الحياة. إنه السؤال الذي ما زال يعبث بعقول الفلاسفة، ويلهب خيال الشعراء، ويدير دفة التاريخ. وهو الذي قلّما اهتدى الإنسان إلى جوابه، بل لطخ تاريخه الطويل بالمحن التي ما كانت لتنزل به لو أنه أحسن السعي في طلبه والاهتداء إليه. فما أكثر التجاءه إلى الأساطير التي فر إليها من مواجهة الحقيقة، وما أقبح خيانته للأمانة التي حملها على عاتقه طائعا غير مكره: "وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا".
إنه سؤال الوجود الكبير، سؤال كيف ولماذا ومن أين وإلى أين، السؤال الذي يكاد يلاحق الإنسان كيفما أدار وجهه وهو يشق طريقه في هذه الحياة، وهو السؤال ذاته الذي ما فتئ الإنسان يصطنع الأعذار للإفلات من قبضته، بعد أن زين له الشيطان طول الأمل، فغمس نفسه في الشهوات غير عابئ بما كان وما يكون، يقول ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): " ثم جاء إبليس يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع، صعُبت المجاهدة، إلا أنه من انتبه لنفسه علم أنه في صف حرب وأن عدوه لا يفتر عنه، فإن فتر في الظاهر بطّن له مكيدة وأقام له كمينا"[1].
هذا السؤال هو الذي يجب أن يقف كل منا عنده، وأن يبذل كل جهده في سبيل الخلوص إلى جواب محكم عليه، كي يتصالح مع نفسه وقلبه، ويعيش حياة متوازنة توصله بثقة وثبات إلى بر الأمان، أما المتغافل عن حقيقة وجوده وحكمة خلقه فهو كالذي شبهه الدكتور البوطي برجل دخل مغارة مظلمة في مكان موحش، فوجد عند مدخلها بقايا لجثة إنسان، فما كان منه إلا أن وضع رأسه وأسلم جفنيه للنوم، غير آبه بما يحتمل أن يكون في جوف هذه المغارة من وحوش ضارية، وهو يمنّي نفسه بالفرار إذا استيقظ، مع أن الموت قد يفاجئه في أي لحظة.
ولخطورة الأمر وإلحاح عجلة الزمن، أرى أن أخوض معكم أحبتي القراء غمار هذا السؤال العنيد، ولا أقصد بذلك أن نخرج في هذه العجالة بجواب قاطع يريح العقول ويهدئ النفوس، فكل منيتي أن نضع أقدامنا معا على درب النجاة، وأن نواجه شيطان الهوى بالسعي الدءوب بحثا عن الحقيقة، عسى أن نصل بإذن الله تعالى إلى مفاتيح السعادة في الدنيا والآخرة.
كيـف نبـدأ؟
لا شك في أننا جميعا نؤمن بوجودنا الحقيقي ضمن هذا الزمان والمكان، فلم يشذ عن هذه القاعدة إلا بعض السفسطائيين الذين أمتعوا دارسي الفلسفة بخزعبلات شكوكهم التي لا تنتهي، فبداية بحثنا عن الحقيقة يجب أن تنطلق من تحديد مكاننا على طريق البحث، وهو واحد من احتمالات ثلاث[2]:
1- أن يكون أحدنا قد آمن بالله وكل ما جاء به رسوله بالفطرة والبداهة، ولم يخطر بباله شيء من الشك في أصول عقيدته، وهو مشغول بعمله والسعي في رزقه، فهذا الإنسان قد وصل إلى طريق النجاة بأقصر الطرق، ولن نكلفه بشيء من البحث كي لا نفسد عليه إيمانه، لأن الرسول (ص) لم يطالب العرب بأكثر من الإيمان، ولم يكلف أحدا بمعرفة البراهين العقلية الموصلة إليه.
2- أن يكون قد وصل إلى الإيمان بفطرته، ولكنه يتمتع بذكاء قد يحرك في عقله دائما نوازع الشك والتساؤل حتى اهتزت طمأنينته، فعليه إذن ألا يتغافل عن هذه الشكوك، بل يبحث عن الحقيقة عند أهلها بالحجة والبرهان حتى تطمئن نفسه.
3- ألا يكون الحظ قد حالفه في الوصول إلى الحقيقة بعد، فهو إما باحث عنها راغب فيها، وهو من نسعى للأخذ بيده وهدايته، وإما معاند مستكبر قد ختم الله على قلبه، فلا بد من ملاطفته بالحكمة والموعظة الحسنة لأن الهداية نور من الله يرسلها إلى من يشاء من قلوب عباده ولا سلطة لنا على ما وراء ذلك.
وبعد أن يحدد كل فرد منا مكانه على هذه الخارطة، ينبغي له الانتقال إلى المرحلة التالية، فإن كان من الفئة الأخيرة، فعليه أن يبدأ إذن بالبحث الجدي عن حقيقة وجوده، وعن حقائق الكون الكبرى، وعن علاقته بكل المكونات من حوله، فإذا وصل معنا إلى الطمأنينة بالإيمان الكامل بالله تعالى خالقا ومدبرا لهذا الكون بكل ما فيه، وبأن هذا الكون قد خُلق لغاية عظمى قد تخفى على عقولنا، وأن غاية وجودنا تتلخص في السعي إلى مرضاة الله تعالى بإعمار أرضه والقيام بحقوقه وحقوق عباده، آن له إذن البحث معنا عن الوسيلة التي يصل بها إلى تحقيق هذه الغايات الكبرى، وهي التي تقوم عليها فلسفة السعادة التي ضل عنها معظم البشر، وجاء بها القرآن الكريم في أكمل صورة وأبلغ بيان.
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]