أما عائشة فلما رجعت مرضت شهراً ، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئاً ، سوي أنها كانت لا تعرف من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي ، فلما نَقِهَتْ خرجت مع أم مِسْطَح إلى البَرَاز ليلاً ، فعثرت أم مسطح في مِرْطِها ، فدعت على ابنها ، فاستنكرت ذلك عائشة منها ، فأخبرتها الخبر ، فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، لتأتي أبويها وتستيقن الخبر ، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر ، فجعلت تبكي ، فبكت ليلتين ويوماً ، لم تكن تكتحل بنوم ، ولا يرقأ لها دمع ، حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها ، وجاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في ذلك ، فتشهد وقال : " أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه ".
وحينئذ قَلَص دمعها ، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا ، فلم يدريا ما يقولان . فقالت : والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتُصَدِّقنِّي ، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف ، قال : " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " [يوسف: 18].
ثم تحولت واضطجعت ، ونزل الوحي ساعته ، فَسُرِّي عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو يضحك . فكانت أول كلمة تكلم بها : " يا عائشة، أما الله فقد برأك " ، فقالت لها أمها : قومي إليه .. فقالت عائشة ـ إدلالاً ببراءة ساحتها ، وثقة بمحبة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله .
والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ " [ النور: 11: 20] . العشر الآيات .
وجُلِد من أهل الإفك مِسْطَح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحَمْنَة بنت جحش ، جلدوا ثمانين ثمانين، ولم يُحَدّ الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك ، والذي تولى كبره ، إما لأن الحدود تخفيف لأهلها ، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة ، وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله .
وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة ، وافتضح رأس المنافقين افتضاحاً لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك ، قال ابن إسحاق : وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه . فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لعمر: " كيف ترى يا عمر ؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي : اقتله ، لأرعدت له أُنُف ، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ". قال عمر: قد والله علمتُ ، لأمْر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أعظم بركة من أمري .
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]