يأكل الناس الفلفل الحار طازجا ومخللا إلى جانب الكثير من أنواع الأطباق لفتح شهيتهم على الأكل. ويأكلونه أيضا مطحونا ومخللا بالزيت إلى جانب الكبة واللبنة وغيره.
والفلفل الحار «تشيلي بيبر» (Chili pepper)، أحدى ثمار نباتات جنس «كابسيكوم» (Capsicum) التي تعتبر جزءا من عائلة «سولاناساي» (Solanaceae) التي يطلق عليها أحيانا اسم «نايت شيد» (nightshade family).
ويعتقد أن اسم الـ«نايت شيد» اللاتيني «سولانم» (Solanum) مستوحى من الشمس الساطعة نسبة إلى أحد أنواع أزهارها، ويقال أيضا إن الاسم متدرج من الفعل اللاتيني «سولاري» (solari) الذي يعني «للتسكين» أو «للتهدئة».
ويعود هذا ربما إلى ما تتمتع به بعض الأنواع من مواصفات طبية لها تأثيرات نفسية إيجابية مريحة على الفرد.
تضم عائلة الـ«نايت شيد»، التي يطلق أحيانا عليها اسم «عائلة البطاطا» (family potato)، عددا كبيرا من النباتات المزهرة وآخر من النباتات السامة نسبيا ومن هذه النباتات، التبغ والبندورة والبطاطا والباذنجان وغيرها.
نباتيا وعلميا تعتبر نبتة الفلفل الحار من نباتات العليق أو التوت البري. ورغم أن الفلفل الحار فاكهة نبتة الفلفل، فإن الناس يفكرون فيها كأحد أنواع الخضار فيما يعاملونها معاملة البهارات.
ولهذا السبب، وبسبب فوائدها الصحية والطبية، انتشرت نبتة الفلفل الحار حول العالم منذ قديم الزمان المعلومات المتوفرة تشير إلى أن استخدام الفلفل الحار.
بدأ في أميركا اللاتينية وأميركا الوسطى حوالي 7500 قبل الميلاد على الأقل. إلا أن الحفريات الأخيرة في جنوب غرب الأكوادور تشير إلى أن استخدامه على نطاق واسع بدأ قبل 6000 سنة.
كما أن نبتة الفلفل كانت من أول النباتات التي تلقح نفسها بنفسها أو ذاتية التلقيح، التي استغلت على نطاق واسع في قديم الزمان في أميركا القارة اللاتينية.
وكان، كما يبدو، كريستوفركولومبوس أول أوروبي يرى نبتة الفلفل الحار في منطقة الكاريبي. وربما هو الذي أطلق عليه اسمه المعروف حاليا بـ«بيبرز» (peppers) بسبب تشابه الطعم بين مختلف الأنواع.
لكن الفيزيائي دييغو الفيريز تشانكا الذي كان ضمن رحلة كولومبوس الثانية إلى الوست أنديز عام 1493، هو الذي جلب الفلفل الحار إلى إسبانيا لأول مرة وكتب عن فوائده الطبية عام 1494.
ويقال إن الإسبان استغلوه على نطاق واسع أيام تواجدهم في أميركا اللاتينية، ومن المكسيك صدروه إلى آسيا وخصوصا الهند والفلبين، ثم إلى كوريا والصين واليابان، إلى أن أصبح جزءا لا يتجزأ من الطعام المحلي الأساسي.
ويمكن القول إن الهند لا يمكنها العيش من دون الفلفل الحار لكثرة استخدامه واستغلاله.
ويبدو أنه كان للبرتغاليين يد في انتشار الفلفل الحار في آسيا خلال تواجدهم هناك بعدما جلبوه من إسبانيا، ومن هناك انتقل إلى آسيا الوسطى وتركيا ومنها إلى هنغاريا.
وتقول ليزي كولينغهام في كتابها «كري» (Curry)، إن الفلفل الحار كان يستخدم بكثرة في منطقة غوا في الهند وهذه المنطقة كانت مستعمرة برتغالية.
كما أن طبق الـ«فينادولو» (Vindaloo) الهندي هو طبق (Carne de Vinha d" Alhos) البرتغالي الشهير الذي انتشر من جزيرة ماديرا إلى جميع أنحاء العالم. وهذا الطبق عبارة عن لحم مطبوخ بالثوم بعد نقعه بالنبيذ.
وفيما كان البرتغاليون يستخدمون لحم الأرانب، أصبح الطبق جزءا لا يتجزأ من أطباق الـ«كاري» في المطاعم الهندية حاليا حول العالم، وأصبح يستخدم فيه الفلفل الحار القوي مع لحم الغنم أو البقر أو الدجاج وأحيانا يخلط مع بعض البطاطا التي يطلق عليها بالهندي اسم «الو» (aloo).
ومع هذا، فقد عثر علماء الآثار على آثار الفلفل الحار، وخصوصا جنس «كابسيكوم» (ما نطلق عليه اسم الفلفل الحلو أو الفليفلة)، في منطقة لوند في إقليم سكانيا جنوب السويد يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، مما يناقض قصة نشر كولومبوس له في أوروبا في القرن الخامس عشر.
كما أن الكاتب الإغريقي ثيوفراسطوس قد وصف نبتة الفلفل الحار (بين 370 و286 قبل الميلاد) قديما، ووصفها بدقة أيضا الكاتب والشاعر الروماني مارتياليس في القرن الأول للميلاد.
ويستخدم ويؤكل الفلفل الحار طازجا ونيئا ويطبخ مع بقية الخضار واللحم ويتم تجفيفه وطحنه أيضا بعد التجفيف ليستخدم مع شتى أنواع الأطباق.
وهو من النباتات المهمة في كل من الهند وكوريا واليابان وإندونيسيا ونيبال وبنغلاديش وباكستان وتركيا والمكسيك. كما يلجأ البعض إلى شويه وقليه بالزبدة وتحميصه بالملح كما هو الحال في الهند، واستخراج الصلصة الحارة.
فصلصة الحر المصنوعة من الفلفل الحار والثوم والخل والبصل والملح والسكر من أشهر الصلصات في البلاد.
ويعتبر دقيق أو مطحون الفلفل الحار من المواد المهمة في إيران والمطبخ الإيراني ويستخدم بكثرة.
ولا يزال أهل إيطاليا يستخدمونه طازجا في صناعة البيتزا حتى الآن. وقد استخدم الفلفل الحار لغايات التزيين منذ قديم الزمان بسبب ألوانه وأشكاله وأحجامه المتعددة، كما هو الحال في تايلاند وبعض دول أميركا اللاتينية.
ويعتبره البعض في الهند طاردا لـ«عين الحسد» أو العين الشريرة، لذا يعلقه البعض في السيارات والبيوت.
وهناك عدة أنواع من الفلفل الحار من جنس «كابسيكوم» إلى جانب الفلفل الحار التقليدي (chili pepper)، مثل «كابسيكوم آنوم» (Capsicum annuum) المكسيكي الذي يشمل بدوره «فلفل الجرس» (bell peppers)، و«بابريكا» (paprika)، و«كايان» (Cayenne) و«خالابينوس» (jalape?os)، و«تشيلتبين» (chiltepin) كما تقول الموسوعة الحرة.
ومن نفس الجنس هناك نوع «كابسيكوم فروتاسينز» (Capsicum frutescens) الذي يشمل حر الـ«تباسكو» (tabasco) المعروف في الأسواق، ونوع «كابسيكوم الصيني» Capsicum chinense الذي يضم أحد أقوى أنواع الحار المعروفة مثل «ناجا» (naga) و«داتيل» (Datil) و«هابانيرو» (habanero).
ونوع «كايان» المعروف جدا في بريطانيا ومطاعمها الهندية، من الأنواع الحمراء الطويلة والقوية من ناحية الطعم (بين 30 ألف إلى 50 ألف وحدة سكوفيل) وهو من الأنواع المستخدمة في إنتاج الأدوية، وقد ذكر في كتاب الأعشاب لنيكولاس كالبابور.
ويعود اسم هذا الفلفل المشهور جدا في الهند إلى مدينة كايان في غوايانا الفرنسية. وعادة ما يستخدم في الطعام، إما كاملا وإما مطحونا بعد تجفيفه.
ويعرف هذا النوع الأتراك أيضا إذ يستخدمونه بكثرة ويحشونه بالأرز واللحم مع صلصلة البندروة. أما نوع «خالابينو»، ورغم أصوله المكسيكية، فهو من الأنواع المعروفة في دول المتوسط، وخصوصا قبرص واليونان ولبنان وفلسطين («كبيس» لمطاعم الفلافل والكباب وغيره ـ وأحيانا مع مازة الخضار الطازجة كما هو الحال في لبنان).
وهو متوسط الحجم ثخين القشرة ولاذع الطعم، لكنه أخف من كايان من حيث القوة (بين 2000 و10000 وحدة سكوفيل) ولذا يعتبر معتدلا نسبيا.
ويعود أصل اسمه إلى اسم البلدة التي انتشر منها في المكسيك وهي بلدة «خالابا» (Xalapa) التي تعني «مكان الماء» أو «نبع في الرمال». أما نوع «تشيلتبين» الذي يطلق عليه اسم «أم الفلفل» لأنه من أقدم أنواع جنس «كابسيكوم» على الإطلاق.
وهو من الأنواع البرية الصغيرة الحجم التي تنتشر بكثرة في المكسيك وأميركا الوسطى والولايات المتحدة، وخصوصا ولايتي أريزونا وتكساس.
ولكن الأهم من هذا أن «تشيلتبين» الذي يدلع باسم «عين العصفور»، من أقوى أنواع الحار في العالم (بين 50 ألف و100 ألف وحدة سكوفيل)، إذ إن طعمه لاذع وعنيف لا يمكن للبعض تحمله.
أما نوع «هابانيرو» من صنف «كابسيكوم الصيني»، فهو أيضا من أقوى الأنواع في العالم، إذ تتراوح عدد وحداته على مقياس سكوفيل بين 200 ألف و300 ألف وحدة.
وهو من الأنواع المتوسطة الحجم والتي تتنوع ألوانها من الأخضر إلى الأحمر والبرتقالي والبني والأبيض والزهري.
ويتمتع بقشرة شمعية نحيفة، وبعض الحموضة ورائحته العطرية الطيبة. ورغم أن الصنف يحمل اسم الصيني عن طريق الخطأ، فإن الـ«هابانيرو» من أصول أميركية لاتينية وخصوصا شبه جزيرة يوكاتان في جنوب المكسيك. وقد اكتشفه الأوروبيون هناك قبل انتشاره. ولا يزال يزرع بكثرة في باناما وكوستا ريكا.
أما أقوى الأنواع على الإطلاق، وقد دخل كتاب «غينيس للأرقام القياسية» (2007)، فهو نوع «ناجا» (naga) (يعرف بـ«يوت جولكيا» أيضا) من نفس الصنف، إذ تصل قوته إلى مليون وحدة سكوفيل. وقد أقال نوع «رد سافينا» عن رأس اللائحة الخارقة الحرارة.
ولذا يطلق عليه اسم «فلفل الشبح»(Ghost Pepper). ويعود أصل الناجا إلى مناطق اسام ومانيبور وناجا لاند في الهند وبنغلاديش وسريلانكا.
ويعني الاسم بالسنكريتية «حية الكوبرا»، إذ يترك طعمه الصاعق وجعا في الفم إلى أكثر من نصف ساعة قبل الاعتدال. لا بد من الذكر هنا، أن وحدة سكوفيل هي مقياس قوة وشراسة طعم الحار، وقد وضعها الأميركي ولبر سكوفيل عام 1912.
وحجم الوحدة يدل على نسبة مواد الـ«كابسايسين»( Capsaicin) في الفلفل. أو بكلام آخر عدد المرات التي يحتاجها صافي الفلفل من التحلل في الماء والسكر حتى يخسر حدته وقوته ويعتدل. فمثلا وحدة الفلفل الحلو هي صفر.
وتتراوح قوة مواد الـ«كابسايسين» الصافية التي تمنح الفلفل الحار طعمه الناري الحارق بين 15 مليون و16 مليون وحدة سكوفيل.
ومن حسنات المواد هذه، أنها لا تؤثر على الجهاز العصبي لكل الحيوانات أو المخلوقات، مما يساعد على انتشار الفلفل الحار في ظل الصراع من أجل البقاء.
وهذا يحصل بالطبع عبر الطيور التي لا تتأثر بالمواد كما هو حال الثدييات، فتأكل القشور اللذيذة وتترك البذور دون أي ضرر.