قال ابن عباس : لا والله ما كان فيه صوت قط ، إنما كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك .
فتفرق بنو إسرائيل فرقاً ، فقالت فرقة : يا سامري . . ما هذا وأنت أعلم له ؟ قال : هذا ربكم ، ولكن موسى أضل الطريق !
وقالت فرقة : لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى ، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعكفنا عليه حين رأيناه ، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى .
وقالت فرقة : هذا من عمل الشيطان وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق ، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا عدم التكذيب به .
فقال لهم هارون عليه السلام : " يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن " ليس هذا .
قالوا : فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوماً ثم أخلفنا ؟ هذه أربعون يوماً قد مضت . وقال سفهاؤهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويبتغيه .
فلما كلم الله موسى وقال له ما قال ، أخبره بما لقي قومه من بعده : " فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا " فقال لهم ما سمعتم مما في القرآن " وأخذ برأس أخيه يجره إليه " وألقى الألواح من الغضب . ثم إنه عذر أخاه بعذره واستغفر له ، وانصرف إلى السامري فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم " فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا " ولو كان إلهاً لم يخلص إلى ذلك منه .
فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأى هارون ، فقالوا لجماعتهم : يا موسى . . سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها فتكفر عنا ما عملنا . فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً لذلك ، لا يألوا الخير من خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في الحق ، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة فرجفت بهم الأرض .
فاستحيا نبي الله عليه السلام من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال : " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به ، لذلك رجفت بهم الأرض فقال : " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " .
فقال : يارب . . سألتك التوبة لقومي ، فقلت : إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي ، فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم . فقال له : إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد ، فيقتله السيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن .
وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم ، واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول .
ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجهاً نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر به من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها ، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم ، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل ، والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم . ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة ، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون ، خلقهم خلق منكر ، وذكروا من ثمارهم أمراً عجباً من عظمها . فقالوا : " يا موسى إن فيها قوما جبارين " لا طاقة لنا بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها ، " فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " .
" قال رجلان من الذين يخافون " قيل ليزيد : هكذا قرأه ؟ قال : نعم ، من الجبارين ، آمنا بموسى وخرجا إليه ، فقالوا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم ، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون . ويقول أناس : إنهم من قوم موسى .
فقال الذين يخافون من بني إسرائيل : " يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " فأغضبوا موسى ، فدعا عليهم وسماهم فاسقين ، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم ، حتى كان يومئذ فاستجاب الله له ، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين ، فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم الغمام في التيه ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجراً مربعاً ، وأمر موسى فضربه بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، في كل ناحية ثلاثة أعين ، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها ، فلا يرتحلون من محلة إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالمنزل الأول بالأمس .
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي ، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل . فقال : كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك ؟ فغضب ابن عباس ، فأخذ بيت معاوية وانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري ، فقال له : يا أبا إسحاق . . هل تذكر يوم حدثنا رسول الله عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون ؟ الإسرائيلي الذي أفضي عليه أم الفرعوني ؟ قال : إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره . وهكذا ساق هذا الحديث الإمام النسائي ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما من حديث يزيد بن هارون .
والأشبه - والله أعلم - أنه موقوف ، وكونه مرفوعاً فيه نظر .
وغالبة متلقى من الإسرائيليات ، وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام .
وفي بعض ما فيه نظر ونكارة ، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار . وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاح المزي يقول ذلك . . والله أعلم .
_________________
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما
نورالاسلام الطبى
اقوى قسم لتطوير المنتديات ونشرها بمحركات البحث
اقوى برنامج حقيقى لجلب الزوار
منتدى طبى اسلامى منوع حصريات رياضيه تطوير مواقع برامج كمبيوتر
[/center]