[center][center]حوار النبي - - مع الصغار لم تقتصر حوارات النبي -
- علىالكبار فقط؛ بل حاور النبي الكريم الصغارَ أيضًا، واستمع إليهم، ولاطفهم وداعبهم،ولم يستصغر عقولَهم، ولم يهمل مشاعرهم أبدًا.
تأمَّلوا معي هذا الحوار الذيدار بينه وبين غلام صغير، جاء الدور عليه في شرب الماء، ولم يشأ النبي - صلى اللهعليه وسلم - أن يكسر قلبَه الغض، ومشاعرَه المرهفة، فاستأذنه أن يبدأبالكبار:
عن سهل بن سعد -
- قال: "أُتي النبي -
- بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: ((ياغلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟))، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسولالله، فأعطاه إياه"؛ (البخاري في كتاب الشرب).
فالغلام جالس عن يمين النبي،والشيوخ عن يساره، ومن السُّنة البدء باليمين، وأيضًا من المتعارف عليه احترامالكبار، وتقديمهم في كل شيء، فاستأذن النبيُّ الغلامَ أن يبدأ بتقديم الماء للكبار؛ولكن الغلام رفض أن يتنازل عن حقه، يريد أن يفوز بشرف الشرب من يد الرسول، فأعطاهالنبي -
- الماء بادئًا به.
أيُّ احترام لمشاعر الإنسانيطل من هذا الحوار؟! وأي رحمة تفوح من خلاله؟! لن ينسى الغلام هذا الموقفَ أبدًا،وسيظل يذكر بالتأكيد إكبار النبي له، واحترام رأيه وحقه.
حوار آخر دار بينالنبي الكريم -
- وبين غلام كانت يده تطيش في الطعام، فيأكل منكل جهة، وأراد النبي -
- أن يعلِّمه بطريقة لا تريق ماءَوجهه:
حدثنا علي بن عبدالله، أخبرنا سفيان، قال الوليد بن كثير: أخبرني أنه سمعوهب بن كيسان: أنه سمع عمر بن أبي سلمى يقول: "كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلىالله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليهوسلم -: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، فما زالت تلك طعمتيبعد"؛ (البخاري في كتاب الأطعمة).
وللعلم كان الغلام يأكل بيمينه، وبعدماذكر اسم الله؛ ولكن يده كانت تطيش في الطبق، فتلطف الرسول في إرشاده، وكأنه يأمرهبشيء عام، وليس بشيء ملاحظ عليه، إنه أدب الحوار حتى مع الصغار.
ثم تأمل معيهذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام كان يرمي الشجر بالحجر؛ ليأكل منالبلح:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا معتمر، قال: سمعت ابن أبي الحكمالغفاري يقول: حدثتني جدتي عن عم أبيها رافع بن عمرو الغفاري، قال: كنت وأنا غلامأرمي نخلاً للأنصار، فأتي النبي -
- فقيل: إن ها هنا غلامًايرمي نخلنا، فأُتي بي إلى النبي -
- فقال: ((يا غلام، لِمَ ترميالنخل؟))، قال: قلت: آكُلُ، قال: ((فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقط في أسافلها))، ثممسح رأسي وقال: ((اللهم أشبِعْ بطنَه))؛ ("مسند أحمد" - مسند البصريين).
فهوهنا يعلِّمه الفرق بين الحلال والحرام، تمامًا مثل الفرق بين ما يسقط منها بفعلالرياح، أو الطير، أو غيره، وبين ما نسقطه نحن برميها بالحجارة، إنه يعلمه أن يحتاطدائمًا في طعامه، ولا يأكل إلا حلالاً، وكان يمكن للنبي -
- أنينصحه مباشرة؛ لكنه آثر أن يحاوره؛ ليسمع منه، ثم يوجهه إلى ما فيهالخير.
وكثيرًا ما كان النبي ينتهز فرصة وجود أحد الصغار؛ ليغرس فيهالتعاليم؛ حتى يشب عليها، فتكبر معه، وكان لا يترك فرصة للنصح والإرشاد إلاواغتنمها:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا ليث، عن قيس بن الحجاج،عن حنش الصنعاني، عن عبدالله بن عباس، أنه حدثه أنه: ركب خلف رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - يومًا، فقال له رسول الله -
-: ((يا غلام، إنيمعلِّمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألتَ فلتسأل الله،وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمةلو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلابشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللهعليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ ("مسند أحمد" - مسند أهل البيت).
كلامفي العقيدة، لكن الغلام لن ينساه أبدًا، وسيُحفر في ذاكرته؛ لأن النبي - صلى اللهعليه وسلم - قاله له وحده وهو يركب خلفه؛ مما أعطاه شعورًا بالأهمية عند النبي،وفيه أيضًا إكبار من النبي للغلام.
وها هو يخير غلامًا بين أبيه وأمه – بعدما انفصلا - ولم يُجبره على أحد منهما؛ احترامًا لرغبة الصغير:
عن هلال بنأسامة: أن أبا ميمونة سليمان - من أهل المدينة، رجل صدق - قال: بينا أنا جالس عندأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، وقد طلَّقهازوجها، فقالت: يا أبا هريرة، ثم رطنت، فقالت بالفارسية: زوجي يريد أن يذهب بابني،قال: فجاء زوجها، فقال: من يجافني؟ فقال أبو هريرة: إني لا أقول في هذا، إلا أنيسمعت أن امرأة جاءت إلى رسول الله -
- وأنا عنده، فقالت: فداكأبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وهو يسقيني من بئر أبي عتبة، وقد نفعني،فقال: ((استهما عليه))، فقال: زوجها: من يجافني في ولدي يا رسول الله؟ فقال النبي -
-: ((يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت))، فأخذالغلامُ بيد أمه، فانطلقتْ به"؛ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ ("مستدركالحاكم" - كتاب الأحكام).
هكذا كانت حوارات النبي -
- مع الكبار، ومع الصغار، ومع الخصوم، ومع الأصدقاء، ومع الرجال، ومع النساء، ومع أهلبيته، حاور النبي -
- الجميع، واستمع إلى الجميع.
ماأشدَّ حاجتَنا اليوم إلى الحوار! الذي بدأ ينقطع حتى داخل الأسرة الواحدة، مسببًابذلك كثيرًا من المشكلات والأزمات.
نسأل الله أن يشرح صدورنا لما فيه الخير،وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
[/center]
[/center]