موقف
الخوارج من عامة المسلمين المخالفين لهم
انقسم الخوارج في نظرتهم إلى المخالفين لهم إلى
فريقين
1- فريق منهم غلاة .
2- وفريق آخر أبدي نوعاً من الاعتدال .
ويذكر الأشعري رحمه الله في مقالاته أن الخوارج
مجمعون على أن مخالفيهم يستحقون السيف ودماؤهم حلال إلا فرقة الإباضية فإنها لا
تري ذلك إلا مع السلطان(142).
واختلف علماء الفرق في أول من حكم بكفر
المخالفين هل هم المحكمة الأولى أم هم الأزارقة ومن سار على طريقتهم من فرق
الخوارج فيما بعد .
وبتتبع حركة المحكمة الأولى نجد أنهم سبقوا إلى
تكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم والشواهد في كتب الفرق كثيرة كقتلهم عبدالله
بن خباب بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره في حوادث كثيرة إلا أن أشد من
بالغ في تكفير المخالفين لهم وأعمل فيهم السيف هم الأزارقة وفرقة منهم تسمى
البيهسية وكذلك أتباع حمزة بن أكرك .
- أما المعتدلون منهم – وهو اعتدال لا يكاد
يذكر – فنجد مثلاً الأخنسية منهم يحرمون الغدر بالمخالفين أو قتلهم قبل الدعوة
وجوزوا تزويج المسلمات – منهم لمخالفيهم – الذين يعتبرونهم مشركين ، وكذلك بعض
البيهسية .
ومن أكثر المعتدلين والمتسامحين مع المخالفين
هو تلك الشخصية المرموقة عند كافة الخوارج أبو بلال مرداس بن أدية فقد خرج وهو
يقول لمن يلقاه أنا لا نخيف أمناً ولا نجرد سيفاً وكان مما آثاره للخروج على
الدولة أن زيادا ذات يوم خطب على المنبر وكان مرداس يسمعه فكان من قوله (( والله
لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر منكم بالغالب والصحيح بالسقيم )) .
وهذا بالطبع لا يحتمله الخوارج فقام إليه مرداس
فقال قد سمعنا ما قلت أيها الإنسان وما هكذا ذكر الله عز وجل عن نبيه إبراهيم عليه
السلام إذا يقول : {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى}(143) وأنت تزعم أنك
تأخذ المطيع بالعاص ثم خرج عقب هذا اليوم .
وينبغي أن يعلم أن كل فرقة لابد فيها من غلاة
يخرجون على جمهورهم إلا أن السمة الغالبة على الخوارج الشدة على المخالفين لهم وقد
تعود هذه الشدة إلى ما يراه الخوارج من وجهة نظرهم من خروج مخالفيهم عن النهج
الإسلامي وبعدهم عنه وبالتالي الرغبة في إرجاع الأمة إلى ما كانت عليه في أيام
الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما يدعى الخوارج
...
حكم
الخوارج في أطفال مخالفيهم
لابد وأن يكون في حكم العقل تمييز بين معاملة
الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف وبين الكبير المكلف . والخوارج لم يتفقوا على حكم
واحد في الأطفال سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة ونوجز أهم آرائهم في هذه
القضية فيما يلي :.
1- منهم من اعتبرهم في حكم آبائهم المخالفين
فاستباح قتلهم باعتبار أنهم مشركون لاعصمة لدماء آبائهم .
2- ومنهم من جعلهم من أهل الجنة ولم يجوز قتلهم
.
3- واعتبرهم بعضهم خدما لأهل الجنة .
4- ومنهم من توقف فيهم إلى أن يبلغوا سن
التكليف ويتبين حالهم .
5- والإباضية تولوا أطفال المسلمين وتوقفوا في
أطفال المشركين ، ومنهم من يلحق أطفال المشركين بأطفال المؤمنين .
أما القول الأول : فهو للأزارقة
واستدلوا بقوله الله تعالى : {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ
وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} (144) .
وتبعهم في هذا بعض فرق الخوارج كالعجاردة والحمزية والخلفية .
وأما القول الثاني : فهو للنجدات
والصفرية والميمونية واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((كل مولود يولد على
الفطرة وإنما أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (145) والذين
توقفوا في الحكم عليهم قالوا لم نجد في الأطفال ما يوجب ولا يتهم ولا عداوتهم إلى
أن يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكرونه .
هذه خلاصة أهم آراء الخوارج في هذه القضية
والواقع أن هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء .
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أطفال المؤمنين
إذا ماتوا على الإيمان فإن الله تعالى يدخلهم الجنة مع آباءهم وإن نقصت أعمالهم عنهم
لتقر أعين أبائهم بهم فيكونون مع أبائهم في الجنة تفضلا من الله تعالى على ضوء
قوله عز وجل : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }(146).
ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال بأنهم
في الجنة دون خلاف .
وبعضهم ذهب إلى أنهم تحت المشيئة .
وجدير بالذكر أن أطفال المؤمنين الذين نتحدث
عنهم هنا هم الذين يعتبرهم الخوارج أطفال مشركين .
وأما أطفال المشركين الذين هم عبدة الأوثان ومن
في حكمهم فإن العلماء اختلفوا فيهم اختلافاً كثيراً .
1- فذهب بعضهم إلى التوقف في أمرهم فلا يحكم
لهم بجنة ولا نار وأمرهم إلى الله .
2- أنهم في النار .
3- أنهم في الجنة .
4- أنهم في منزلة بين المنزلتين أي الجنة
والنار .
5- أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا ولآخرة تبعاً
لآبائهم حتى ولو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لإفراطهما بالنار .
6- أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بطاعة رسول
الله صلى الله عليه وسلم إليهم فمن أطاعه منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار .
وقد استعرض ابن القيم أدلة القائلين بهذه
الآراء وانتهي إلى نصرة الرأي الأخير ثم قال (( وبهذا يتألف شمل كلها وتتوافق
الأحاديث ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ((
الله أعلم بما كانوا عاملين )) .
وأيد ابن حزم القول بأن أطفال المشركين في
الجنة وكذا النووي وقد توقف شيخ الإسلام في الحكم عليهم .
وأما استباحة قتل النساء كما – يرى الخوارج –
فقد أخطأوا حين جوزوا ذلك سواء كانوا من المسلمين أو من المشركين فقد صحت الأحاديث
بالمنع من قتلهم إلا أن يكون ذلك في بيات لا يتميز فيه الأطفال والنساء فلا بأس من
قتلهم إذا وقع دون عمد . (147)
(142)
المقالات : 1/ 204 .
(143) سورة النجم :
37، 38 .
(144) سورة نوح :27
(145)
انظر كتاب الأديان 104 .
(146)
الطور:
21 وانظر تفسير ابن كثير ج 4 ص 241 .
(147) انظر:
التفسير القيم ص 451، فتح القدير5/ 98 جامع البيان: 27/25 طريق الهجرتين : 387 ،
الفصل لابن حزم: 4/ 74 .
_________________
أخوكم في الله
فارس الاسلام
مدير منتدى فرسان التوحيد
http://www.forsanaltwhed.com/vb